أحضان الصقيع
تقبّل
الرياح أذني هامسة: لا تقلق!
أنا سجين
صقيع الشتاء كشيخٍ صامتٍ،
يجلس خلف
نافذة، تظلم كل زفرة،
يغذي
الموقد بكِسَرٍ من عظامه،
يضحك..
يعبر
درباً، مغمض العينين، بارداً كالشتاء منذ عصور،
إنها
المرأة التي تسبح في النهر،
تنمو لها
أجنحة؛ تحترق في الشمس،
عادت
يومياتي دون تواريخ
أنا الطفل
الهاجع في سلة تتقاذفها الأمواج.
لقد
سرتُ
كنتُ
بعيداً عنكِ وعن ربوعي
في كلمات
ولغات وجمل مفككة،
نخوض صور
غد ممزقة،
كنا نسير
غريبين.
دمك ينسج
من الغسق مناديل أعراس،
ومعصماك
حضن الهلال،
يدثرنا فوق
سطوح منازلنا بهالتك،
فأنت
الحضور كله، مهما الغياب،
وأنت الذي
حين تخفق، أنت السماء،
شجر القلب
من دمك،
أفتح أبراج
قلبي على غده،
وأطلق سرب
الحمام،
فضريحك كل
الفضاء،
أنت
القصيدة في قرائحنا الخبيئة، تشير إلى غد حبيب، تذوب سحراً في دم الكلمات،
في شفق
النبوءة ونحن لها المداد ،
تأتي وحدك
متموجاً في نورك الخجول،
وأنفاسك
حفيف أجنحة، ترفرف بين أضلعي، وعلى شغاف قلب أمك الندي،
وحين يوغل
في عيوننا المساء، تتلون سماؤنا بلون جوادك الأصيل،
فالجرح في
جبهتك مرآة،
نرى
فيها صورتنا في الكون أجمل
وقامتك من
نور القمر بقلقه الحريري الأبيض،
أشهد أن
جسدك قد غدا شمس الأصيل
وبحراً
وموجاً على موج ومرايا الأحلام في كل
شبر من
روحي
وباسمك
تلتئم جراحاتي
فقلبي
المتعب يئن، ويبلل الندﯼ
يتألق في
نار قلبك المتوهج في كل ليلة.
لحظات
الموت تبحث في عينيك عن مصباح
تطوف في
وجهي هالته.
عتبة
وراءها رقص السراب، والبدر حاضر
بوابات
المدينة تنفتح على مصاريعها،
تفوح من
جسد رائحة تراب ملطخ بالدم.
القمر يدور
في دوراته
مغنون قد
بحت أصواتهم
طبالون
تعبون
وأياد توزع
رؤوسا في عتمة الليل
إنهم يمرون
في نور القمر.
في لحظة
خارج زمنها،
سمعنا الرصاص،
وقد ترك
أحافير سوداء بين أضلع اللهيب،
وغدت
الصورة بلا صوت،
وحركات
شفافة لأمواج اللون
بسمات
ترتسم على شغاف القلب،
آخر
نظرة،
عينان
تتأملان الأفق الرحيب لأفئدة تنز،
وعلى
الجوانب ظلال ساق زهرة تمرغت في التراب
لكنها تنبض
بالحياة في أحضان الموت.
* القصائد
اعلاه مكتوبة بين 1999-2001
و للغريب
كتمان الأنين؛
للشوق طعم
البخور ،
و شمّ
الياسمين،
و رعشة
تنتاب الروض في أواخر السنين.
كدتُ أغرق
في قطران الليل ؛
تشبثتُ
بحجارة من سجّيل.
ومنذ عشرين
عاما أحمل حَجَرك على صدري ،
فلم ألق
الذي عليه يُفديني،
و هاأنذا
أعود إلى محرابك ؛
بعد أن
عرفتُ أنّ للحجر أيضا حافات السكين.
أعود لأشهد
للمطر حنوه كالأم على ضفائر النخيل
،
و حين يفرش
ببرده ياسمين الفناء؛
و يمسح ظهر
القط بمعزوفات الماء و فواح التنور.
أعود
لأتأمل أمام الموقد روحا تُطِل على دفتر أشعاري؛
تهدهده
في حضنها؛
تهوي فيه
؛
فأهيم
أبحث عنها أبدا في دهاليز الرمال وأنفاس الريح.
ها أنا
أشرب اليوم نخبك , فداو بخطواتك في العشب هذا الهيام الأليم،
واعلمْ أنه
فادح كلّ هذا اللهاث و موجع تفتق
النسرين ،
عدت لكي
أراقب سير الأشجار على مائك في صحبة كركرة الإوز و دويّ الرعد ،
في وجوم
فتى غاص حتى العظم في حزن نفسه ،
و غرق حتى
الموت في جوع ذاته.
جئت لكي
أستسقي مطر الوهم ،
لعلي ألقى
عشبة "جلجامش" في جوانحك،
و أجد
"انكيدو" في حانة السديم.
أنا عائد
لأحتضن الرؤى و أفترش الظنون،
و ألملم كل
قطعة من الكبد التي تركتها في كل آجرة
للسوق القديم.
فلا
تُهلني هذه المرة على النعوش في وقت
الدفن .
جئتك لكي
نلمس السماء بشهقاتنا ،
ونتعلم كيف
يتلوى التنّين.
إنّي
احتسيت في حانة النار والنور كأس القدوم،
وحيدا
كالذئب كنت أجري في الثلج ،
أبحث عن
بسمة الماء، أو جمرة مطفأة تحت أقدام الدُبِّ.
رأيت رأسي
ثملا مرشوقا في سنِّ رمح مغروز في الأرض،
تحت الجسر
الحجري ،
فكانت
نومة الثمل على حجارة ضفتك،
وحملني
نسيم الغسق إلى حضن الصنوبر ،
فسقطتُ إلى
فجوات المقبرة المفتوحة ،
والهياكل
العظمية تمد إليّ أذرعها تناديني فلا
أسمع تحت ثقل ثمالتي.
و في الفجر
يتناهى إليّ صياح الديك ،
و شهرزاد
تذوي في الضباب ،
وشهريار
يغوص في أعماق الماء.
29 أيار 2003
دم الأصيل
أنامل
النسيم تسيل على شعر الأرض ،
وتحيك من
أهداب الصخور ضفائر
الشجن،
يحط ملح رؤياي على جروح القلب ،
لئلا تنسى
العيون دم الأصيل.
يأتيني
المساء فيفترش دربي بسجادات
الخريف،
و معزوفات
تخضب صدري بحناء الغروب ،
حين تقطر
فضتها على زجاج الافريز.
.... ....
....
يسقط
قلبي في غياهب الجب ،
فأكتشفُ
في الليل جاذبية الليل الضرير،
متسكعا على
عتبة الصقيع،
و حين يفور
الغياب من ارض السهاد ،
أعلم ُ
أنه المساء،
و تقتحم
كهفَ الفقير أشباح ُ الظباء،
تمتلئ جبهتي ببسمات تجاعيد سمراء لتراب داسته أقدام الظلام ،
والخريف
يخجل من مداعبات النجوم العراة،
حين تسبح النوارس في نور الإله،
و من جنح
الظلام تولد قصيدة الانتظار.
1- 9-
2003
عسل الشفاء
أشم ذبولك
فتمتلئ أخاديد المغفرة بعسل الشفاء ،
تنهب رؤياي رحيقك،
ويتفتق
نرجسك في بحري الناعس،
عن
هلال أعيادك في الأصيل ،
و تغدو
قامتي في سواعد الأنجم مجاديف.
تهب ريح
الصبا من نهديك ،
تجففين
على الشفاه حسرات الرمال.
اقلب
الأصداف والأحجار،
مثل وثن يعتني بجروح زواره،
افلت من
مدار السديم،
تمسكين
بأهداب النجوم .
لحظة ترددك
للبحر،
يحلم
البحر،
أنه سجن
للريح،
أنفاسك
ترمي بملح الزبد على جرحي الراعف ،
والزرقة
تهدهد كحل عينيك،
موجات
قمرية تتقاطر على كتفيك ،
تتلاشين
فوق رماد أحلامي،
فابغي عبثا
لملمة شظايا الفؤاد.
--
--- ; ---
---- ---- ----
من قُبَل
قدّت فنون غطسك،
فلا تبللي
بالأصداء جب الضباب،
آثام
الفؤاد تذوب في الصخور ،
تتلاشى
ظلالي و تنقرها نوارس بمناقير
تعلقت بها
فلذات الاكباد،
فاتشحُ
بثياب الدخان.
---
------
رياح ضجرت
من الستائر ،
و
فاختة مثقلة بشعاع ،
تقطف
نجوما
تلقط حبات
من ضياء القمر
تنقل ليلي
إلى ساقية لكي تتبرد أحلامي.
في راحتي
بقايا نسائم ،
ادخرتها
لقيظ الصيف.
ثمرات
الدفلى تلطّخ دربي بالأحمر،
هادئة
تنغمر في البسمات.
ساهما مثل طير يقيس اتساع القفص
رأيت
إقحوانتك ارتمت في الذبول،
ومهما غادرتِ ليل أقفاصك
،
و كلما
خبطتِ في جهات الهوا،
أبصرتِ
حولك قفصا باتساع الفضاء.
2002حزيران
والحية
اختفت هنا، والنبتة في فمها،
أنزلقُ في
سواحل وجنتيك،
لا أعرف
ألوان السماوات ،
ولا أدري
إن كانت من حرير، أو قطن،
أعرف أن
مخدعي هائل ،
أهيم في
متاهات تـؤدي إلى الجانب الآخر من الكون،
أمد
يدي إلى الملوك والشحاذين،
فاللغة
لحظات تصيبني بنوبات جنون،
أنقب عن
جمجمة غارت في الأرض قبل آلاف السنين،
لقطتني
السويد مرتعاً بأصابع زاهية ،
إن في السويد إكسير الحياة, ثمنه رأسي،
إنها قارة
قديمة غدت بيتي،
لكنني جديد
أبداً أشهـق نورها في منتصف كل ليلة.
روز ماري
ألسنة
الظلام تلحس إهابها الغض المنير،
ألوان تموت
في الظلام،
أثاث بيتي
الأسود لا لون له،
فالأبيض
يلمع،
الملكة
البيضاء تلمع في مغامراتها،
تحمل رأسي
إلى قبيلتها على رأس رمح،
يرقصون حول
النار رقصات عربيدة،
سحابة بيضاء فوق رماد الأرض،
مرآة القمر
في البحر،
كل الألوان
اسودت من الخجل،
وكل بياض
الكون اختفى في فمها وعينيها،
ورست
طاقيةُ الجبل الجليدية في عيون الزنجية "روز ماري".
ألسنة النار
لقد حبلتِ
الأشكالُ من أطيان غريبة،
و دموع
تصبو غيومها نحو الشمس.
من خلال
شميم حرائق مجهولة،
أسمع
معزوفات المطر ترقّص ألسنة النار العربيدة،
أهو ماء،
أم نحاس يفور من الألم ؟!
إذ تملأ
السماواتُ النهرَ بالآلام.
فضيحة
والإسكافي
يترنم بها لحنَ الرذيلة،
الحلاق
يضيف إليها،
السرّاج
يفكر فيها،
يسلم معلم
القرية رسالة إلى الحوذي؛ يعلم الجميع محتويات بياضها بين السطور،
وثمة
نقاش حولها بين المختار، و صاحب
الحمير في السوق،
ينقلها
الحطاب لحفار القبور،
***
لقد أزعجتِ
الموتى بقصتنا،
وأنتِ عنها
غافلة!
دخلت
حديقتك أمس ، وأناغاف ، ولم يكن هناك أحد.
كان القمر
يطفو على بستان الكروم
فعلمت أنك
دخلت قبري، ....
هل كنت ُ
في حلم ،
في زيّ
العرس ،
عرسي و
عرسك؟!
نساء
نسور
تحوم في سماء رفعت فوق رؤوس نساء
متمردات،
تنشر عليهن
ظلالاً قدسية،
ولدن في
البرق وترعرعن في العاصفة،
أحرقن
واحترقن في أوحال الحروب،
فتطهرن
في نيرانها،
ذئاب
القرية تحرسهن،
وتتمسح
بهن تحت نور القمر.
لعنة
ملأْتِ
الأرض ذلاً ورذيلة،
و ترنيمات
عارٍ عارية.
لم تعد
الأغنية تطرب مهرة الوادي ،
العش
مغزو،
والمتعة
محاصرة،
تعرتْ
أشجارٌ من الذهول والرعشة،
فلم تعد
تخفي عاركِ،
لم يعد
السنجاب يزور النافذة،
والناطور
مدفون خلف البيت،
يتدلى
حزامه من شجرة التوت،
المفتاح في
الباب،
يد متيبسة
تفتح الباب،
لهب الضوء
يرتعش،
يقاوم
الموت،
وعلى
العتبة،
أتعثر
برأسي.
القصائد مكتوبة عام 2000
أحلم طويلا
حتى أنهار،
وتمرق فوق
راحتي دروب سوداء،
أصغي إلى
انتعاش السهول في الشمس،
واحمل
الأمواج على كتفي.
تتهكم بي
القطارات وهي تطلق صفيرها في كوابيسي،
ومثل مضيق
قريتنا أتنهد الصدى،
فتأتي
الريح لتدفنني في الزمهرير.
أهيم على
وجهي في مدن العاج،
وفي الليل
احفر قبرا لجثة زرقاء في سريري،
فأشم عبق
الرغيف من تنور بيتنا العتيق،
أتلاشى في
بخار شاي الإفطار،
وتختفي
ألوان الأرض في لبن الفردوس،
وإهاب يِدِ
أمي،
وزقزقة
عصافير الفِناء.
بقعة الشهد
اضطجع متما
هيا فيك،
بقعة العشق
تلطخ وجه العالم !
صدئة تتآكل
الأغصان ،
والصدأ
يكسو الفروع المائلة على السماء الأرجوانية الناعمة !
كل شئ داكن
سوى بقعة رقيقة من الشهد تقطر من غصن إلى غصن
ومن فرع
إلى فرع في شجرة العالم ،
ناهبة
الألوان من راحتيّ ،
وأنت
تختفين تحت جفوني الحمراء كالشراب
.
يشدو القلب
في أيادي راقصته تحت رذاذ النور،
تَخَضّب
بحناء إهابك،
و بسمات
حارة تتألق.
ويقينا
تبرك القلب بتلك الأيادي،
امتلأ
بخواطر
حبلى
بأجنة الهيام.
محيتِ
المسافات،
فما
عادت بالبين ،
و غدونا
ضبابا،
ألوانه
تنتشي بعبق أذنيك ،
إنك رأيت
أيدي الشيطان تسحبنا إلى الأسفل،
نبع ألإشراقات.
أقدام
تسحق الأفاعي حيثما تحدق في الأشواق.
ومخالبك
تحفر في صدري أخاديد
تنمو على
جوانبها أشواك تجرح وجنات الورد،
وأكاد أغرق
في يم النسيان فأتشبث بأهداب
النجوم.
كابوس
أيتها
الريح !
يا
صديقتي السائرة في ثنايا السماوات ؛
,يهيم فيها نور القمر !
ألا تسمعين
أنين قلبي ؟
ألا تشعرين
برعبي، و حيرتي ،
تئزين في
أغصان وأعشاب سقيفتي الآيلة للسقوط
دوما؟
فهاويتي لا
نهاية لها ، ألا ترين؟
أيتها
الأنهار المنورة الشطان ! ويا أيتها السواقي السعيدة !
ألا
تسمعين صراخي الحزين ؟
أيتها
المروج الندية في الأعالي !
ألا تسمعين
عويل فؤادي ،
ألا
ترين جرحي الراعف خلال النجوم الناعسة في صدر السماء ؟
أيها
النسيم يا صديقي !
لا تبحث عن
قلبي فإنك لن تلقاه في هذه الغابة
الظلماء ،
وانه قد
تفتت في السماء المقمرة تلحقه آهاتي،
انه هائم
تحت المطر المنعش ، أمطار آلامي الصماء ،
أو مدفون
في مروج المتع؛ متحدا مع الشجن؛ تائها في دروب النجوم ،
فهيهات !
أن تخبو جذوة رماد سفينتي ،
كلا ،
أيتها الرياح ، يا صديقتي !
لا تبحثي
عن قلبي ،
فإنه تشظى
رذاذا.
16/04/01