:سُئل شيخ الإسلام
ابن تيمية رحمه الله
عن الشيخ عبد القادر أنه أفضل المشائخ،
والإمام أحمد أنه أفضل الأئمة
فهل هذا صحيح أم لا؟
:فأجاب
أما ترجيح بعض الأئمة والمشائخ على بعض، مثل من يرجح إمامه
الذي تفقه على مذهبه، أو
يرجح شيخه الذي اقتدى به على غيره، كمن يرجح الشيخ عبد
القادر، أو الشيخ أبا مدين
أو أحمد أو غيرهم: فهذا الباب أكثر الناس يتكلمون فيه بالظن
وما تهوى الأنفس، فإنهم لا
يعلمون حقيقة مراتب الأئمة والمشائخ، ولا يقصدون اتباع
الحق المطلق، بل كل إنسان تهوى
نفسه أن يرجح متبوعه فيرجحه بظن يظنه، وإن لم يكن معه برهان
على ذلك، وقد يفضي ذلك
إلى تحاجهم وقتالهم وتفرقهم، وهذا مما حرم الله ورسوله،
كما قال تعالى: {يأيها الذين آمنوا
اتّقوا الله حقّ تُقاته، ولا تموتُنّ إلاّ وأنتم مسلمون،
واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا
واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم،
فأصبحتم بنعمته إخواناً، وكنتم على
شفا حُفرة من النار فأنقذكم منها، كذلك يُبيِّنُ اللهُ
لكم آياته لعلّكم تهتدون، ولتكن منكم أمّة
يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر
وأولئك هم المفلحون، ولا تكونوا
كالذين تفرّقوا واختلفوا من بعدِ ما جاءَهم البيِّنات،
وأولئك لهم عذاب عظيم، يوم تبيضُّ
وجوهٌ وتسْودُّ وجوه}. قال ابن عباس: تبيض وجوه أهل السنة
والجماعة، وتسودّ
.وجوه أهل البدع والفرقة
فما دخل في هذا الباب مما نهى اللهُ عنه ورسولُه من التعصّب
والتفرّق والإختلاف والتكلم
.بغير علم، فإنه يجب النهي عنه، فليس لأحد أن يدخل فيما
نهى الله عنه ورسوله
فاما من ترجّح عنده فضل إمام على إمام أو شيخ على
شيخ بحسب اجتهاده، كما تنازع
المسلمون: أيما أفضل الترجيع في الأذان أو تركه؟ أو إفراد
الإقامة أو إثنائها؟ وصلاة الفجر
بغلس أو الإسفار بها؟ والقنوت في الفجر أو تركه؟ والجهر
بالتسمية، أو المخافتة، أو ترك
قراءتها؟ ونحو ذلك. فهذه مسائل الإجتهاد التي تنازع فيها
السلف والأئمة، فكل منهم أقرّ
الآخر على اجتهاده، مَن كان فيها أصاب الحق فله أجران،
ومن كان قد اجتهد فأخطأ فله
أجر، وخطؤه مغفور له. فمن ترجّح عنده تقليد الشافعي لم
ينكر على من ترجّح عنده
.تقليد مالك، ومن ترجح عنده تقليد أحمد لم ينكر على من
ترجح عنده تقليد الشافعي ونحو ذلك
ولا أحد في الإسلام يجيب المسلمين كلهم بجواب عام: أنّ فلانا
أفضل من فلان، فيقبل منه
هذا الجواب، لأنه من المعلوم أنّ كل طائفة ترجّح متبوعها،
فلا تقبل جواب من يجيب بما
يخالفها فيه. كما أنّ من يرجح قولا أو عملا لا يقبل قول
من يفتي بخلاف ذلك. لكن إنْ
كان الرجل مقلداً فليكن مقلداً لمن يترجح عنده أنه أولى
بالحق، فإن كان مجتهدا اجتهد واتبع
.{ما يترجح عنده أنه الحق. ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها،
وقد قال تعالى: {فاتّقوا الله ما استطعتم
لكن عليه أن لا يتبع هواه ولا يتكلم بغير علم، قال تعالى:
{ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم
.{به علم، فلِمَ تحاجُّون فيما ليس لكم به علم} وقال تعالى:
{يجادلونك في الحق بعد ما تبيّن
وما من إمام إلاّ له مسائل يترجّح فيها قوله على قول
غيره، ولا يعرف هذا التفاضل إلاّ
.من خاض في تفاصيل العلم، والله أعلم
.(المجلد العشرون، ص 291 إلى 293)