عظات
القديس مقاريوس الكبير

 

العظة الثالثة والثلاثون
الصلاة بانتباه
 

" ينبغي أن نصلى لله بلا انقطاع وبانتباه ".

كيف نصلي :

          1 ـ ينبغي أن نصلى، ليس بحسب أي عادة جسدية، ولا بعادة رفع الصوت والصراخ، ولا بعادة الصمت، أو إحناء الركب. بل ينبغي أن يكون لنا عقل منتبه وبهدوء ورزانة ننتظر الله ونتوقعه، إلى أن يأتي إلينا ويفتقد النفس من خلال كل مخارجها ومسالكها وحواسها. وهكذا فإننا حينئذٍ نكون صامتين حينما ينبغي الصمت، ونصلى بصوت مرتفع حينما ينبغي ذلك، ونصلى بصراخ ما دام العقل مشدوداً بقوة نحو الله. وكما أن الجسد حينما يقوم بأي عمل، فإنه يكون منشغلاً تماماً بهذا العمل وكل أعضاؤه يساعد بعضها بعضاً، كذلك فلتكن النفس مُقدمةً ومُعطاةً للرب تماماً بالصلاة والمحبة نحو الرب. ولا تتشتت وتُحمل بواسطة أفكارها، بل تسعى بكل طاقتها وتجمع نفسها مع كل أفكارها مصممة على انتظار المسيح ملازمة إياه.

          2 ـ وهكذا فإنه سيشرق عليها، ويعلّمها الصلاة الحقيقية. معطياً إياها الصلاة الروحانية النقية، والتي تليق بالله، " والسجود الذي هو بالروح والحق" (يو24:4)، ولكن كما أن الإنسان الذي يشتغل بالتجارة لا يكتفي بطريقة واحدة للحصول على المكسب بل يمتد بكل طريقة ليضاعف أرباحه، ويزيدها، ويجرّب وسيلة بعد أخرى، ثم يجرى محاولات أخرى، محترساً فقط مما لا ربح فيه. بل إنه يجرى إلى ما فيه الربح الأكثر، هكذا نحن أيضاً فلنعد أنفسنا بكل مهارة وبكل قدرة على الحركة والنشاط من جميع الجوانب لكي نربح الربح الحقيقي العظيم، أي الله نفسه، الذي يعلّمنا كيف نصلى بالحق. وبهذه الطريقة فإن الرب يحل على النفس ذات القصد الصالح، جاعلاً إياها عرشاً لمجده ويجلس ويستريح عليها. وهذا ما سمعناه من النبى حزقيال عن الخلائق الروحانية التي كانت مربوطة بمركبة الرب. وهو يُظهرها لنا كأنها كلها عيوناً. وبطريقة مشابهة فإن النفس التي تحمل الله أو بالأحرى يحملها الله فإنها تصير كلها عيوناً.

سكنى المسيح في النفس :

          3 ـ وكما أن البيت الذي يوجد سيده في داخله يكون مملوءً بالتنسيق والجمال والانسجام، هكذا النفس التي يكون ربها ساكناً معها، ومقيماً فيها، فإنها تمتلئ بكل جمال ونعمة. إذ يكون لها الرب بكل كنوزه الروحية ساكناً فيها وهو الذي يقودها ويوجّه حركتها.

          ولكن الويل للبيت الذي لا يكون سيده فيه. إذ يكون مقفراً خرباً ويمتلئ من كل قذارة وفوضى وهناك كما يقول النبى تسكن " وحوش القفر والشياطين" (إش14،13:34 السبعينية). وفي البيت المهجور توجد القطط والكلاب وكل نجاسة.

          الويل إذن للنفس التي لا تقوم من سقوطها الفادح، ولا تقبل في داخلها رب البيت الصالح، الذي هو المسيح ليسكن فيها، بل تبقى في نجاستها ويظلّ في داخلها أولئك الذين يقنعونها ويجبرونها على معاداة عريسها، وراغبين أن يفسدوا أفكارها بعيداً عن المسيح.

          4 ـ ولكن حينما يرى الرب أن النفس تجمع ذاتها بأقصى طاقتها، وتطلبه دائماً منتظرة إياه ليلاً ونهاراً، وتصرخ إليه، كما أوصى الرسول أن " نصلى بلا انقطاع" (1تس7:5) فإنه " ينصفها" (لو 17:18)، مطهراً إياها من الشر الذي في داخلها. وهو " سيحضرها لنفسه " عروساً" لا دنس فيها ولا غضن " (أف27:5).

انظر إلى ذاتك :

          فإن كنت تؤمن وتصدق بأن هذه الأشياء صحيحة كما هي في الحقيقة، فانظر إلى ذاتك جيداً، إن كانت نفسك قد وجدت النور الذي يرشدها والطعام والشراب الحقيقي، الذي هو الرب. فإذا لم تكن قد وجدت، فأطلب ليلاً ونهاراً لكي تنال. وحينما ترى الشمس (الطبيعية) فأطلب الشمس الحقيقية إذ أنك أعمى. وحينما تنظر النور (الطبيعي)، فانظر إلى داخل نفسك، هل قد وجدت النور الحقيقي الصالح؟ لأن كل الأشياء المنظورة للحواس هي ظل للأمور الحقيقية الخاصة بالنفس.

          فإنه يوجد في داخلنا إنسان آخر غير هذا الإنسان المنظور، وتوجد عيون داخلية قد أعماها الشيطان وآذان قد أصمّها. ويسوع قد جاء لكي يجعل هذا الإنسان الداخلي صحيحاً معافي. له المجد والقدرة، مع الآب والروح القدس إلى الأبد. آمين.

Back

 

1