عظات
القديس مقاريوس الكبير
العظة الثامنة والثلاثون
المسيحيون
بالحق
الأمر
يحتاج إلى دقة عظيمة وفهم كبير لتمييز من
هم المسيحيون بالحق.
تمييز المسيحيين
بالحق:
1ـ إن كثيرين من الذين يظهرون أنهم أبرار يُحسبون أنهم مسيحيون ويليق
لذوى المعرفة والاختبار أن يختبروا ويروا إن كان مثل هؤلاء الأشخاص لهم علامة
وصورة الملك بالحقيقة، حتى لا يكونوا أشخاصاً مزيفين أو عمالاً مزيفين يعملون
أعمال ذوى الخبرة والمعرفة ويُدهش منهم العمال المهرة وينتقدونهم، ولكن الناس
الذين ليسوا ذوى خبرة لا يستطيعون أن يمتحنوا ويكشفوا " الفعلة الماكرون"
(2كو13:11)، حيث إن هؤلاء أيضاً يلبسون شكل النُساك أو المسيحيين لأنه حتى الرسل
الكذبة تعرضوا لبعض الآلام لأجل المسيح وبشروا بملكوت السموات. لهذا السبب يقول
الرسول: " في الأتعاب أكثر في الضربات أوفر، في السجون أكثر" (2كو23:11)
قاصداً بذلك أن يُظهر أنه قد تألم أكثر منهم.
2 ـ إن الذهب يُكتشف بسهولة أما اللآلئ والأحجار الكريمة التي تليق بتاج الملك فهي
نادرة الوجود وأحياناً فإن ما يُوجد منها لا يكون مناسباً، هكذا أيضاً المسيحيون
فإنهم يُصاغون ويُشكّلون ويُطعمون في إكليل المسيح لكي يكون لهم شركة مع القديسين.
فالمجد لذلك الذي هكذا أحب تلك النفس وتألم لأجلها وأقامها من الموت.
ولكن كما
أن البرقع كان موضوعاً على وجه موسى لكي لا ينظر الشعب إلى وجهه، هكذا أيضاً الآن
فإن هناك برقع موضوع على قلبك لكي لا تتطلع إلى مجد الله وتراه. ولكن حينما يُنزع
هذا البرقع، فإن (المسيح) يضئ ويُظهر نفسه للمسيحيين، أي لأولئك الذين يحبونه
ويطلبونه بالحق كما يقول: " أُظهر له ذاتي" " وعنده أصنع
منزلاً" (يو23،21:14).
لنأتِ إلى المسيح
لننال الموعد:
3 ـ لذلك فلنجتهد أن
نأتي إلى المسيح الذي لا يكذب، لكيما ننال الموعد والعهد الجديد ـ الذي جعله الرب
جديداً بصليبه وموته بعد أن كسر أبواب الجحيم والخطية، وأخرج النفوس المؤمنة،
وأعطاهم المعزي في الداخل وردهم إلى ملكوته. إذن فلنملك معه في أورشليم مدينته أي
في الكنيسة السماوية، في محفل الملائكة القديسين. والأخوة الذين لهم خبرة طويلة
وتمرّن يستطيعون أن يساعدوا قليلي الخبرة ويساعدوهم بإشفاق ومحبة.
درجات في النعمة:
4 ـ إن بعض الأشخاص قد صارت لهم ثقة داخل أنفسهم، وقد عملت فيهم النعمة بقوة،
هؤلاء وجدوا أن أعضائهم قد تقدست لدرجة أنهم حسبوا أن الشهوة لا وجود لها في
الحياة المسيحية، بل أنهم قد حصلوا على عقل متزن عفيف، وأن الإنسان الباطن قد
ارتفع عالياً إلى الأشياء الإلهية والسماوية حتى أنهم اعتقدوا تماماً أن مثل هذا
الشخص قد وصل فعلاً إلى درجة الكمال.
وحينما
يظن الإنسان أنه قد وصل إلى الميناء الهادئ تثور ضده أمواج متلاطمة، حتى أنه يجد
نفسه مرة أخرى في وسط المحيط، وأنه محمول إلى حيث يكون البحر سماء والموت متربص
به. وهكذا دخلت الخطية وهكذا أنشأت كل "أنواع الشهوة" الشريرة (رو8:7)
وأيضاً هناك بعض الأشخاص قد نالوا درجة من النعمة التي وُهبت لهم، بمعنى أنهم قد
حصلوا على قطرة من عمق البحر العظيم، ويجدونها ـ ساعة بساعة ويوماً بيوم ـ إنها
عمل عجيب مدهش حتى أن الإنسان الذي يكون تحت تأثيرها ينذهل ويتعجب من فاعلية عمل
الله الغريب والعجيب حتى أنه لا يستطيع أن يتصور كيف حصل على هذه الحكمة
والاستنارة.
وبعد هذا فإن النعمة تنيره، وترشده وتعطيه سلاماً وتجعله صالحاً من كل الوجوه إذ
أن النعمة نفسها إلهية وسماوية، ولذلك فإنه بالمقارنة به يحسب الملوك والرؤساء
والنبلاء أقل منه وبلا قيمة. ولكن بعد وقت يتغير الحال، حتى أن مثل هذا الإنسان
يحسب نفسه خاطئاً أكثر من الجميع. وأيضاً في وقت آخر يرى نفسه ضعيفاً وفي غاية
العوز والفاقة. وحينئذٍ فإن العقل يقع في حيرة وارتباك، لماذا تكون الأحوال متقلبة
هكذا؟ لأن الشيطان إذ هو يكره الصلاح والخير فإنه يوحى بأمور شريرة لأولئك الذين
يتبعون الفضيلة ويسعى أن يُلقى بهم أرضاً ـ فإن هذا هو عمله.
ثق في الرب الذي يقودك
وأطعه :
ولكن لا تخضع للشيطان، بينما أنت تتمّم البرّ الذي يتحقق في الإنسان الباطن، حيث
يوجد كرسي دينونة المسيح مع أقداسه الطاهرة حتى أن شهادة ضميرك تفتخر بصليب
المسيح، الذي "طهر ضميرك من الأعمال الميتة" (عب14:9)، لكي تخدم الله
بالروح. ولكي تعرف من الذي تعبده على حسب قول الرب حينما قال " نحن نسجد لما
نعلم" (يو22:4). ثق في الله الذي يقودك وأطعه وأجعل نفسك في شركة مع المسيح
كالعروس مع عريسها. لأن " هذا السر عظيم، ولكنى أقول عن المسيح" (أف32:5)
والنفس التي بلا لوم، له المجد إلى الأبد آمين.