القنـــــــاع
لا تكن مخدوعاً بىَّ.
لا تكن مخدوعاً بالوجه الذى أرتديه.
فأنا أضع قناعاً.. أرتدى ألف قناع.
أقنعة أخشى أن أنزعها.
وليس بينها قناع ينم عن حقيقتى.
التظاهر عندى فن، وهو طبيعة أخرى لى.
ولكن لا تنخدع.. أرجوك لا تنخدع.
أنا أعطيك انطباعاً بأنى مأمون الجانب.
وأن كل شئ على ما يرام. وأن الثقة هى مرادف اسمى،
ولعبتى معك بريئة. وأن المياه هادئة، وأنى أتمالك نفسى، ولا احتاج إلى أحد.
ولكن أرجوك ألا تصدقنى؛ إن مظهرى ربما يبدو ناعماً.
بَيْد أن هذا المظهر هو القناع. وهو المتلون أبداً والمختفى دائماً،
أما تحته فليس به تأنق أو بشاشة. تحته تكمن ذاتى الحقيقية..
فى اضطرابها، فى مخاوفها، فى انعزالها، وانفرادها.
وإنما أنا أخفى هذا كله،
ولا أريد أن يعلم به أحد.
إنى أفزع من فكرة أن ضعفى وخوفى يظهران علىَّ.
وهذا هو السبب فى أنى استميت فى صنع قناع يخفى ما تحته. فأبدو رزيناً زائف المحيا.
ويعيننى على التظاهر. ويحمينى من النظرة الكاشفة
ولكن مثل هذه النظرة فيها على التحقيق خلاصى.
نعم خلاصى الوحيد.. وأنا أعرفه.
أى أن هذه النظرة إذا أعقبها تَقَبُل وإذا أعقبتها محبة. فستكون الشئ الوحيد الذى يحررنى من نفسى.
من حوائط السجن التى بنيتها لنفسى.
ومن التخوم التى أشقيت نفسى فى نحتها.
الشئ الوحيد الذى يؤكد لى مالم استطع تأكيده بنفسى؛ هو أنى فى الحقيقة استحق أن أكون شيئاً.
ولكننى لا أقول لك ذلك.
لا أجرؤ أن أقوله، وأخاف أن أقوله.
أخاف أن تكون نظرتك إلىّ غير مصحوبة بالتقبل، وبالمحبة.
أخاف أن تفكر فىَّ بتعاطف أقل وأن تسخر منى.
فهذه السخرية تقتلنى، وأنا أخشى ذلك جداً.
أنا لا شئ، ولست فاضلاً وأخشى أن ترانى على هذا النحو وأن تلفظنى.
وعلى ذلك فأنا ألعب لعبتى.. لعبة التظاهر اليائسة. ومظهرى يوحى بالثقة، وفى داخلى طفلى مضطرب رعديد.
ثم يبدأ استعراض الأقنعة.. وهى براقة ولكنها جوفاء. أجل استعراض الأقنعة.
وحياتى تصبح جبهة مغلقة.
أتحدث إليك بتراخ فى نغمة رقيقة وكلام سطحى.
أخبرك بكل شئ مما لا يحمل فى الحقيقة أى شئ.
لا شئ فى كل ما قيل، وما هو يصرخ حقاً فى داخلى.
أرجوك أن تصغى جيداً إلى مالم أقله. إلى مالم أستطع أن أقوله، لا ما تضطرنى الحياة لقوله.
أنا لا أحب التخفى.
حقيقة أنا لا أحب اللعبة السطحية.
ولكنى ما زلت أزاول لعبتى الخادعة.
إنى فى الحقيقة أحب أن أكون أصيلاً وعلى سجيتى.
لأكون أنا الحقيقى ولكن عليك أن تساعدنى.
إن عليك أن تمد يدك إلىَّ عندما يكون ذلك آخر شئ ترانى أريده أو أحتاج إليه، أو تشعر بدافع لفعله.
فى كل مرة تبدو فيها رقيقاً معى متلطفاً ومشجعاً.
فى كل مرة تحاول أن تفهمنى لأنك تهتم بى حقيقة.
يبدأ قلبى فى أن تنمو له أجنحة، أجنحة صغيرة جداً؛ ولكنها من أحاسيسك ولطفك ومن قوة فهمك.
أنت تستطيع أن تجعل الحياة تتنفس فىَّ.
وأريدك أن تدرك ذلك.. أريدك أن تعلم كم أنت مهم بالنسبة لى.
وكيف أنك تستطيع أن تشكل الشخص الذى هو أنا.
إذا ما اخترت أن تفعل فلتخار ذلك.. أرجوك.
انك وحدك تستطيع أن تهدم الحائط الذى أرتعد أنا خلفه.
أنت وحدك تستطيع أن تزيح عنى القناع.
أنت وحدك تستطيع أن تحررنى من ظل عالم الفزع وعدم الثبات، ومن سجنى الانفرادى.
فلا تتركنى إذن وتعبر.
أرجوك ألا تتركنى وتذهب.
فلن يكون الأمر سهلاً عليك أيضاً.
إن الاقتناع الطويل بأن الأمر لا يستحق.
يقيم حوائط قوية.
وكلما اقتربت منى ـ هربت إلى الخلف كالأعمى.
إنها ضآلة العقل، وبالرغم مما تقوله الكتب عن الإنسان. فأنا مصاب بضآلة العقل.
أحارب ضد الشئ الذى أصرخ من أجله.
ولكنهم حدثونى أن المحبة أقوى من الحوائط القوية.
وفى هذا يستقر أملى.
وهو أملى الوحيد.
أرجوك أن تحاول هدم هذه الحوائط بأيد ثابتة، ولكن بأيد تتصف بالرقة.
لأن الطفل شديد الحساسية.
ومن أكون أنا، لعلك تتساءل وتتعجب.
إنني شخص ربما تعرفه أنت جيداً.