يوكابد أم موسى النبي الشخصية المتكاملة

 
 
 

من هى يوكابد

يقول عنها سفر الخروج "وأخذ عمرام يوكابد عمته زوجة له فولدت له هرون وموسى وكانت سنو حياة عمرام مئة وسبعا وثلاثين سنه(خروج 6: 20). وكذلك يقول سفر العدد عنها "وهؤلاء المعودون من اللاويين حسب عشائرهم… وأما هقات فولد عمرام. واسم امرأة عمرام يوكابد بنت لاوي التى ولدت للاوي فى مصر. فولدت لعمرام هرون وموسى ومريم أختهما" (عدد 26: 57- 59).

فهى إذا كانت ابنه لاوي، مولودة فى مصر واصبحت زوجة لعمرام حفيد لاوى ابن يعقوب. من عشيرة لاوي هذه جاء اللاويون الذين اصبحوا بعد ذلك مسئولين عن خدمة الهيكل. أن يوكابد هى أم هرون الكاهن الذى اصبح هو مؤسس الكهنوت العبري وقد خدم لمدة تقرب من أربعين سنة. وكذلك هى أم مريم التى قادت بني إسرائيل بالتسابيح بعد عبورهم البحر الأحمر من أمام وجه فرعون. أما عن أمومة يوكابد لموسى النبي وشخصيتها فى تربيته هى ما سنتناوله الآن.

يوكابد كانت حسنة المنظر: يحدثنا الكتاب المقدس ثلاث مرات عن أن الطفل موسى ابن يوكابد كان حسن المنظر، خروج 2:2 فحبلت المرأة وولدت أبنا ولما رأته أنه حسن خبأته ثلاثة أشهر" أعمال 7: 20  "في ذلك الوقت ولد موسى وكان جميلا جدا فربى هذا ثلاثة أشهر فى بيت أبيه". عبرانيين 11: 23  "بالإيمان موسى بعدما ولد أخفاه أبواه ثلاثة لأنهما رأيا الصبي جميلا ولم يخشيا أمر الملك.أأشهر أشهر   

وممكن لنا أن نتوقع أن هذا الطفل موسى الذى وصف ثلاث مرات فى الكتاب المقدس بأنه جميل أنه مولود من أم جميلة المنظر أو على الأقل حسنة المنظر. على أن هذا المنظر الخارجي الجميل كان لا يهم فى أي شئ إن لم يكن داخل الإنسانة جميلاً أيضاً وشخصيتها جبارة وإيمانها قوي جدا.

الظروف التى ولد فيها موسى النبي ودور يوكابد أمه مع أربعة نساء فى إنقاذه:

فرعون يأمر بقتل الأطفال الذكور من العبرانيين:

فى سفر الخروج 1 :8- 22) ثم قام ملك جديد على مصر لم يكن يعرف يوسف. فقال لشعبه: هوذا بنوا إسرائيل شعب اكثر وأعظم منا. هلم نحتال لئلا ينمو فيكون إذا حدثت حرب انهم ينضمون إلى أعدائنا ويحاربوننا ويصعدون من الأرض. فجعلوا عليهم رؤساء تسخير لكي يذلوهم بأثقالهم فبنوا لفرعون مدينتي مخازن فيثوم ورعمسيس. ولكن بحسبما أذلوهم هكذا نموا وإمتدوا. فاختشوا من بني إسرائيل. فاستعبد المصريون بني إسرائيل بعنف. ومرروا حياتهم بعبودية قاسية فى الطين واللبن وفى كل عمل فى الحقل. كل عملهم الذى عملوه بواسطتهم عنفاً.

وكلم ملك مصر قابلتي العبرانيات اللتين اسم إحداهما شفرة والأخرى قوعه، وقال حينما تولدان العبرانيات وتنظراهن على الكراسي إن كان أبنا فاقتلاه وأن كان بنتاً فتحيا. ولكن القابلتين خافتا الله ولم تفعلا كما كلمهما ملك مصر بل استحيتا الأولاد. فدعا ملك مصر القابلتين وقال لهما لماذا فعلتما هذا الأمر واستحييتما الأولاد. فقالت القابلتان لفرعون أن النساء العبرانيات لسن كالمصريات. فأنهن قويات يلدن قبل أن تأتيهن القابلة. فأحسن الله إلى القابلتين ونما الشعب وكثر جداً. وكان إذ خافت القابلتان الله أنه صنع لهما بيوتاً. ثم أمر فرعون جميع شعبه قائلاً كل ابن يولد تطرحونه فى النهر. لكن كل بنت تستحيونها".

فتلك هى الظروف التى ولد فيها موسى. كل طفل ذكر للعبرانيين يقتله المصريون بأن يرمى فى النهر حسب أمر فرعون الذى كان هائجاً على الشعب الإسرائيلي.بماذا يذكرنا هذا الوضع؟ ألعله يذكرنا بهيرودس الملك الذى كان هائجا فى ولادة السيد المسيح وارسل وقتل اطفال بيت لحم من ابن سنتين فما دون. فى كلتا الحالتين فرعون أو هيرودس كل منهما يمثل الشيطان الذى ينزعج ويهيج لكل خير وبعنف وقتل يريد أن يحقق مقاصده. ولكن هل يستطيع الشيطان وكل قواته الشريرة أن تهزم الخير وكل القوات النورانية؟ لم يستطع فرعون ولم يستطع هيرودس من بعده. ولن يستطيع الشيطان الآن أن يهزم أولاد الله الذين هم فى حماية الله نفسه. ولقد أصدر فرعون قراراً بقتل الأطفال الذكور المولودين من أبناء العبرانيين ومن ضمنهم الطفل موسى. ولكن دعنا ننظر كيف ينهزم فرعون ويعيش الطفل موسى.

الرب يدبر إنقاذ الطفل موسى: فى سفر الخروج 2: 1- 10" وذهب رجل من بيت لاوي وأخذ بنت لاوي. فحبلت المرأة وولدت أبنا. ولما رأته أنه حسن خبأته ثلاثة أشهر. ولما لم يمكنها أن تخبئه بعد أخذت له سفطا من البردي وطلته بالحمر والزفت ووقفت أخته من بعيد لتعرف ماذا يفعل به. فنزلت ابنه فرعون إلى النهر لتغتسل وكانت جواريها ماشيات على جانب النهر. فرأت السفط بين الحلفاء فأرسلت أمتها وأخذته. ولما فتحته رأت الولد وإذا هو صبي يبكي. فرقت له وقالت هذا من أولاد العبرانيين. فقالت أخته لابنة فرعون هل أذهب وأدعو لك امرأة ومرضعة من العبرانيات لترضع لك الولد. فقالت لها ابنة فرعون اذهبي. فذهبت الفتاة ودعت أم الولد. فقالت لها ابنة فرعون اذهبي بهذا الولد وارضعيه لى وأنا أعطى أجرتك. فأخذت المرأة الولد وأرضعته. ولما كبر الولد جاءت به إلى ابنة فرعون فصار لها ابناً. ودعت اسمه موسى وقالت إني انتشلته من الماء."

خمسة نساء يشتركون في إنقاذ موسى:

1. القابلتان: استدعي فرعون قابلتي العبرانيات شفرة وفوعه وطلب منهما أن يقتلا كل طفل ذكر عند ولادته ويستبقيا البنات."ولكن القابلتين خافتا الله ولم تفعلا كما كلمهما ملك مصر. وهنا نتأمل أن القابلتين "عبرانيتان"وتخافان الله". وكلمة عبراني تشير إلى اليهودي الأصيل وتميزه عن اليهودي الدخيل من الأمم ويدعي المؤمنون عبرانيين أيضا لأن طبيعة حياتهم"العبور" المستمر. يشعر انه غريب ومنطلق على الدوام من الأرضيات نحو السماويات. مخافة الرب فى قلب الإنسان العابر نحو السماء الذى ينظر إلى الله الأب المتحنن والديان العادل فى نفس الوقت ولا يريد أن يغضبه. بل يرتعد ويخاف جدا أن يجرح مشاعر الله فى أى شئ. والإنسان الخائف الله لا يستطيع أن يعمل أعمال عنيفة مثل قتل الأطفال كما حدث فى حالة القابلتين. وإن كان هذا قد هدد حياتهما للخطر بأن يخالفا أمر ملك مصر ولكن مخافتهما من الله كانت أقوى من مخافتهما من ملك مصر.  

أما عن مكافأة الله للقابلتين:"وكان إذ خافت القابلتان الله أنه صنع لهما بيوتا"(خر 1: 21). لماذا يكافئ الله القابلتين وقد كذبتا على فرعون؟ فهل يجوز الكذب كما فعلت أيضا رحاب الزانية؟.. لقد أفرد القديس أغسطينوس مقالين عن "الكذب" أوضح فيهما أنه لا يجوز استخدام الكذب حتى لو كان فيه نفع للآخرين لأن "الفم الكاذب يقتل النفس(حك 1: 11). وقد أوصانا السيد المسيح نفسه" ليكن كلامكم نعم نعم ولا لا وما زاد على ذلك فهو من الشرير(مت 5:37). كما يحذرنا الرسول بولس قائلا"لذلك اطرحوا عنكم الكذب وتكملوا بالصدق كل واحد مع قريبة.(اف 4: 25). وقد علل القديس مكافأة  الرب للقابلتين انه عاملهما حسب درجتهما الروحية وقدرتهما على التصرف. ومن ناحية أخرى يقول انه كافأهما ليس لأنهما كذبتا وإنما لأنهما صنعتا رحمة بشعب الله. لم يكافئ فيها خداعهما(لفرعون) بل معروفهما وحنو ذهنهما وليس خطأهما بالكذب".

2.ابنة فرعون: عندما نظرت ابنة فرعون إلى الطفل موسى وهو يبكى" فرقت له وقالت هذا من أولاد العبرانيين."الله فى محبته جعل قلب ابنة فرعون (الذى هو يمثل ابليس) يرفق ويتحنن على الطفل الذى يبكى بالرغم من صدور أوامر الملك(أبوها) يقتل هؤلاء الأطفال. الله يحول القلوب الصخرية إلى قلوب لحمية من أجل تحقيق أغراض الله المجيدة. فهو له المجد غير قلب السامرية وزكا العشار وشاول الطرسوسى وهو يستطيع كل شئ ولا يعسر عليه أمر.

3.مريم أخت موسى: بعد أن وضعت يوكابد طفلها موسى داخل السفط الذى عملته له، عينت أخته مريم لتلاحظه." ووقفت أخته من بعيد لتعرف ماذا يفعل به" خر 2: 4. من المؤكد أنه كانت ساعة صعبة جداً على كل من الأم يوكابد والأبنه مريم. ولا يجعل هذه الساعة تمر إلا الصلاة العميقة والإيمان بأن عين الله الساهرة هى التى سوف تنجى. لقد تعلمت مريم من أمها الهدوء  ووقفت فى هدوء "من بعيد" لتعرف ماذا يفعل بالطفل موسى. ولم ترخ عينيها عن أخيها. ولقد تعلمت مريم من أمها الدقة فى الأمور مع سرعة البديهة والتنفيذ. ففي وقت مناسب حضرت ابنة فرعون لتغتسل وأرسلت خادمتها لتحضر السفط فوجدت به الطفل موسى، فأرسلت إحدى جواريها وأحضرت السفط وبه الطفل موسى.عند هذه اللحظة أسرعت أخته بدقة وحكمة وقوة وسألت: "هل أذهب وأدعو لك امرأة مرضعة من العبرانيات لترضع لك الولد"خر 2: 7. ياله من سؤال بسيط وعميق فى نفس الوقت. أولاً فيه احترام لأبنه فرعون" هل أذهب" ثانياً: فيه حكمة"لترضع لك الولد" كأنها جعلت هذا الولد تحت تصرف ابنة فرعون أو أنه تحت مسؤليتها ورعايته. فكانت الإجابة من ابنة فرعون بعد أن رفقت بالولد ووضعت فى مكان المسئولية عنه أن تقول نعم. وحين سمعت مريم هذه الإجابة"نعم" جرت بأقصى سرعة لتنادي أمها. لقد نجحت الخطة ورجع الطفل الرضيع إلى أمه يوكابد فى أمان. ولم تظهر مريم أي علامة أن هذا الطفل هو أخوها وأنها تنادى أمها لترضعه. فكانت مريم متزنة جداً، قوية داخلياً تعلمت من أمها كيف تتقن الأمور فقامت بدورها أحسن قيام. كذلك كانت قليلة الكلام فبسؤال واحد قالته بإتقان تمكنت بمعونة الرب بالقيام بمهمتها. دعنا الآن نتكلم عن يوكابد الأم المؤمنة القديسة.

4.يوكابد أم موسى: يالها من أم عميقة فى الإيمان. عميقة فى الصلاة. متزنة فى تصرفاتها تعمل دورها وتترك الجزء الأكبر علي الله ليعمله. عندما تنظر إلى موسى وهارون ومريم كثلاثة شخصيات ممتازة نعرف أن أمهم يوكابد كان لها دور كبير فى تسليمهم هذا العمق الروحى وهذه القوة. لم تقتصر يوكابد على الصلاة والإيمان. لأن الأيمان أيضا إن لم يكن له أعمال ميت فى ذاته"يع 2: 17. فقامت يوكابد مستخدمة كل خيالها ومقدرتها الذهنية فى أن تصنع بيديها السفط من البردي وطلته بالحمر والزفت لحماية الطفل موسى من المياه. لقد استطاعت أن تخمد النار التى بداخلها من أجل سلامة ابنها وتفكر بوضوح وتستخدم يديها وعقلها وابنتها لتضع خطة محكمة تدعمها العناية الإلهية لإنقاذ ابنها. هل يتكاسل إنسان ويقول أنا قد طلبت من الله أن يعمل لى هذا ا؟لأمر؟ أحد القديسين قال:"بدون الله لا يستطيع الإنسان أن يعمل. وبدون الإنسان لا يريد الله أن يعمل.

هذه الأم البسيطة يوكابد أيضا وثقت فى ابنتها مريم. هل يثق الأهل فى أبنائهم؟ إذا وثق الأهل فى أبنائهم يجدونهم ينمون ويكبرون ويرتفعون إلى السماء.

هذه الأم يوكابد الأمينة بعد أن قامت بتربية أبنها ولما كبر الولد" جاءت به إلى ابنة فرعون فصار لها ابنا ودعن اسمه موسى وقالت أنى"انتشلته من الماء.خر 2: 10. لم تفكر إطلاقا فى الهروب وأخذ الولد. لم تفكر إطلاقا فى أن تتقاسم مع ابنة فرعون لدرجة أن الكتاب يقول عن أم موسى بالنسبة لأبنه فرعون" صار لها ابناً". لقد وثقت يوكابد أنها علمت موسى المبادئ القويمة وسلمته الإيمان بالله فى وسط جو شرير جداً وهو قصر فرعون. وهى الآن مطمئنة عليه تثق فى حب الله له وتثق أن موسى إنسان جميل سوف يبادل الله الحب ولن تستطيع قوى الشيطان أن تهزمه. من ناحية أخرى العدالة فى قلب يوكابد فى أنها تسلمت من ابنة فرعون هذا الطفل لتكون مرضعة له.  ولكن لما كبر الولد أعطته لأبنه فرعون لأن العمل الذى قد أخذته قد أكملته.

أننا لا نعرف عدد سني حياتها وما هى ظروف موتها. لا نعرف ما أن كانت عاشت لترى ابنها موسى يقود شعب الله خارج ارض مصر. هل رأت مريم ابنتها تسبح بعد خروج بني إسرائيل من أرض العبودية وغرق فرعون وكل قواده فى البحر الأحمر؟ لم يذكر الكتاب المقدس أي شئ عن ذلك.؟ ويمكننا القول أن ظروف موتها وأن كانت عاصرت كل هذه الأحداث ليس بالأمر الهام. ولكن الأهم من ذلك تلك الحياة المملوءة نعمة التى هى مثل أعلى يحتذي به حتى اليوم:

        ·           مثل فى الإيمان العامل بالمحبة

        ·           مثل فى الصلاة العميقة.

        ·           مثل فى تعليم الأطفال وتسليمهم الإيمان.

        ·           مثل فى ثقة الوالدين بالأطفال.

        ·           مثل فى الاتزان الداخلي فى أصعب الظروف.

        ·           مثل فى العدالة القلبية واستقامة الفكر.

        ·           مثل فى أن امرأة تحت تصرف الله تحيا أعلى وأعمق حياة.

 

 
  Back  
1