القراءة الثالثة عشر (من سفر الخروج) تخص يوم العنصرة ويوم قداس الخميس الكبير مار افرام السريانى |
||
الكتاب: " في الشهر الثالث لخروج بني إسرائيل من أرض مصر، في ذلك اليوم جاءوا إلى برية سيناء. رحلوا من رفيديم و جاءوا برية سيناء فنزلوا في البرية. هناك نزل إسرائيل تلقاء الجبل. و صعد موسى إلى الله فناداه الرب من الجبل قائلاً: كذا تقول لآل يعقوب و تخبر بني إسرائيل: قد رأيتم ما صنعت بالمصريين و كيف حملتكم على أجنحة النسور و جئت بكم إلي. والآن إن امتثلتم أوامرى و حفظتم عهدي، فإنكم تكونون لي خاصة من بين جميع الشعوب، لأن جميع الأرض لى وأنتم تكونون لي مملكة أحبار و شعباً مقدساً. هذا هو الكلام الذى تقوله لبني إسرائيل. فجاء موسى و دعا شيوخ الشعب و ألقى إليهم جميع هذا الكلام الذى أمره الرب به. فأجاب الشعب أجمع و قالوا: كل ما تكلم به الرب نعمل بحسبه. فلما أنهى موسى كلامهم إلى الرب.... فأنهى موسى إلى الرب كلام الشعب". (خر19: 1ـ 9)
التفسير: هذا الأمر كان فى يوم العنصرة لتمام خمسين يوماً بعد الفصح، وهو قياس لعنصرة المسيح، كما كان فصح اليهود وذبح الخروف قياساً لفصح المسيح بصلبه وهرق دمه. وذلك قوله: صعد موسى إلى الله، إشارة إلى صعود المسيح إلى السماوات بجسده، إلى كرسى الله أبيه العظيم، الذى كان بعد قيامته بأربعين يوماً، وقبل العنصرة بعشرة أيام. وقوله: قل لبنى إسرائيل، واخبر بيت يعقوب أنكم قد رأيتم ما صنعته بالمصريين، وكيف أخرجتكم من بينهم، كأنكم على أجنحة النسور، فإن أنتم أطعتم أوامرى، وحفظتم عهدى، صرتم لى ملوكاً وكهنة وشعباً مقدساً. هذا هو بعينه القول الذى قاله لتلاميذه قبل صعوده إلى السماء، قائلاً: "إن كنتم تحبونى، فأنتم تحفظن وصاياى، وأنا أسأل من أبى فيعطيكم معزياً آخر. لكى يكون معكم إلى الأبد. روح الحق الذى لا يستطيع العالم أن يقبله لأنهم لا يبصرونه ولا يعرفونه، لأنه يثبت معكم ويكون فيكم" (يو14: 15ـ 17) وقال أيضاً: "من يحبنى ويحفظ وصاياى، يحبه الآب، وأنا أحبه وأُظهر له ذاتى". (يو14: 21). وقال أيضاً: "من يحبنى ويحفظ وصاياى وكلامى، يحبه أبى، وأنا أحبه، وإليه نجئ ونصنع عنده منزلاً" (يو14: 23). وهذا فعله لهم لتمام خمسين يوماً بعد قيامته: أسكن فيهم روح قدسه بالكمال، وجعلهم بلا وجع، بلا خطيئة، لا فى باطنهم ولا فى ظاهرهم، وصاروا، بالحقيقة، ملوكاً على الأرواح الشريرة وعلى الأوجاع وعلى الشياطين. وذلك أن الشياطين وأوجاع الخطية القاهرة لكل جنس آدم، صارت مطروحة تحت أقدامهم، حتى أنهم، بسلطان عليها وقدره هكذا، أخرجوا وتلمذوا جميع الأمم، وانتزعوهم من سلطانها، وهدموا برأبتها، وكسروا جميع أصنامها،وغيروا جميع تعاليمها وعاداتها النجسة، وأبدلوها بالتعاليم الصالحة المقدسة. وهم أيضاً كهنة، لأنهم قبل كلشئ، مقدسون النفوس والأجساد بالروح القدس الذى ملأهم هكذا: يقدسون للمسيح نفوساً وأجساداً كثيرة. ولذلك قال: تكونون لى ملوكاً وكهنة وشعباً طاهراً مقدساً، لأنهم، بالمعمودية، يقدسون كل من يتعمد ويجعله طاهراً بلا خطيئة،كما خلق آدم فى الفردوس قبل المعصية، بالتوبة الدائمة يحفظونه دائماً فى الطهراة، غير زائل من نعمة التطهير والتقديس التى نالها يوم التعميد. فهم كهنة له، يقدسون له الأنفس والأجساد بالمعمودية والتوبة. يذبحون ذبائح ناطقة بالاعتراف والتوبة، وليس كالذبائح غير الناطقة التى كان كهنة إسرائيل يذبحونها لله من الحيوان، بل كما أن رأس الكهنة العظيم، يسوع المسيح، قدم ذاته لله ذبيحة ناطقة، كذلك كهنته، بالاعتراف والتوبة، يذبحون له كل حين ذبائح ناطقة التى عنها يقول داود النبى: "ذبيحة الله روح منسحقة. قلب منسحق متواضع، هذا لا يرذله الله" (مز50: 19) الكتاب: "وحدث فى اليوم الثالث عند الصباح أنها كانت أصوات وبروق وغمام كثيف على الجبل وصوت بوق شديد جداً. فارتعد جميع الشعب الذين فى المحلة. فأخرج موسى الشعب من المحلة لملاقاة الله. فوقفوا أسفل الجبل. وطور سيناء مدخن كله، لأن الرب هبط عليه بالنار، فسطع دخانه كدخان الأتون وارتجف كل الجبل جداً. وكان صوت البوق آخذاً فى الاشتداد جداً. وموسى يتكلم والله يجيبه بالصوت" (خر19: 16ـ 19) التفسير: فى يوم عنصرة اليهود لتمام خمسين يوماً من فصحهم، نزل الله عليهم على الجبل هكذا، هو إشارة وقياس إلى نزول الروح القدس على الرسل القديسين وتلاميذ المسيح فى يوم عنصرة المسيح لتمام خمسين يوماً من قيامته.وذلك أن فى هذا اليوم، كان الرسل والتلاميذ والنسوة وجميع التابعين للرب المسيح مجتمعين فى علية صهيون، لأنه عند صعوده إلى السماء، أمرهم أن يبقوا مجتمعين حتى تدركهم القوة من العلى. "فلما كان يوم الخمسين، وهم مجتمعون، وعدتهم مائة وعشرون اسماً. رجالاً ونسوة، سمعوا أجمعون بغتة صوةتاً من السماء مثل ريح شديد، وملأ البيت الذى كانوا فيه، وظهرت لهم ألسنة نار مقسمة وجالسة على كل واحد منهم. وامتلأوا كلهم من الروح القدس، وابتدأوا بصوت عظيم يعظمون الله بكل لسان تحت السماء" (أع1: 15، 2: 1ـ 4) جاءهم الروح القدس من السماء، وهم يسمعون صوتاً صوتاً كريح شديدة، كما سمع بنو إسرائيل الأصوات من السماء فى يوم العنصرة. وظهرت لهم كألسنة نار، كما نزل على طور سيناء بالنار قدام بنى إسرائيل، وملأهم من روحه قدسه، وجعلهم له أبواقاً ينادون وينذرون بقوته وملكه فى جميع الأرض بين الأمم، أبواقاً تنفخ بقوة شديدة، كالأبواق التى كانت تنادى من السماء على طور سيناء. ولما حل عليهم الروح القدس، أحرق منهم الأرواح النجسة الساكنة فيهم، وذلك أن الناس أجمعين، منذ خالف آدم، سكنتهم الأرواح النجسة، وصارت كالقتام تقتم على عقولهم، وتمنعهم من نظر مجد اللاهوت، لأن العقول خُلقت ناظرة لمجد اللاهوت، كما خُلقت العيون ناظرة الشمس. عندما سكنتها الأرواح النجسة، صالرت كالقتام تحول بينها وبين نظر الله. فلما امتلأ التلاميذ من الروح القدس، أحرق تلك الأرواح النجسة المقتمة على العقل وطردها منهم. حينئذ، بالحقيقة، صاروا إسرائيل، عقلاً ناظراً لله. ولذلك، حين نزل الله على طور سيناء فى يوم العنصرة، قال: إن الجبل كان كله يدخن، ودخانه يصعد كدخان الأتون. صعد الدخان من طور سيناء، لما نزل الله عليه بالنار. ولما نزل الروح القدس كالنار على التلاميذ، أحرق منهم الشياطين، وأصعدهم منهم كالدخان. وذلك أن الحطب، إذا أحرقته النار، تُفرغ الرطوبة المائية التى هى فى الحطب من النار وتصعد دخاناً. والأرواح النجسة، لكونها ضد الروح القدس، فرت منه محترقة كالدخان. فى هذا اليوم، قدس الروح القدس "التلاميذ المائة والعشرين" (أع1: 15). وجعلهم لا حركة خطيئة فيهم البتة، لأن الأرواح النجسة التى تبذر الخطيئة فى الناس، طردها منهم. هؤلاء المائة والعشرون هم بيت الله الذى بناه المسيح. ابن الله المتجسد من زرع داود، لله أبيه فى أورشليم، كما "بنى سليمان بن داود، الملك ابن الملك، بيت الله فى أورشليم" (2 أخ3: 1) ظلاً وقياساً لهذا البيت الروحانى الذى بناه المسيح، الإله ابن الإله، الملك ابن الملك، وقدسه بروح قدسه الذى بسكناه فيه صار بالحقيقة بيت الله. "فى اليوم الذى قدس سليمان الملك البيت لله" (2أخ5) شهد كتاب فضلات الملوك أنه "بوق ثمانية وعشرين بوقاً" (2 أخ5: 12، 7: 6) إشارة لهؤلاء المائة والعشرين تلميذاً الذين هم، بالحقيقة، ابواق الله. بوقوا ونادوا باسمه. "وفى تلك الساعة بعينها. علموا وعمدوا من اليهود ثلاثة آلاف نفس" (أع2: 41) لأنهم لما سمعوا الأصوات المتعالية فى العلية كالأصوات التى كانت على طور سيناء، واجتمعوا جميعهم إلى العلية كما اجتمع بنو إسرائيل إلى طور سيناء، "وكانوا قد اجتمعوا إلى أورشليم من كل أمة تحت السماء" (أع2: 5)، أتوا للصلاة والسجود فى عيد العنصرة: فلما سمعوا التلاميذ يتكلمون بجميع لغاتهم التى فيها ولدوا" (أع2: 8) وتربوا، آمنوا "وتعمدوا من ساعتهم" (أع2: 41). "سليمان الملك، فى يوم تقديس الهيكل، ذبح مائة وعشرون ألف رأس غنم" (2أخ 5: 5)، إشارة إلى هذه المائة والعشرون الذين ببشارتهم، صاروا آلاف وربوات وربوات. "ولما ذبح سليمان الذبائح، حلت عليها النار من السماء" (2 أخ7: 1)، إشارة إلى الروح القدس الذى حل على التلاميذ (أع2: 3ـ 4) وقدسهم "ذبائح حية، ناطقة، مقدسة، مرضية لله" (رو12: 1، 1بط2:5) |
||
Back |