عمداء المدرسة المسابقة |
||
مدرسة الإسكندرية وعلماؤها قبل ظهور المسيحية بزمن طويل اشتهرت الإسكندرية بمدارسها المتنوعة. أعظمها ”المتحف Museum“ . ضمت مكتبة ضخمة بها حوالى نصف مليون مخطوط. الإسكندرية كانت ”بيت العلم“. ازدهرت بها ثقافات متنوعة: مصرية، هيلينية، يهودية. فماذا فعلت الكنيسة المولودة حديثاً وسط بحر الثقافات هذا؟ أسسها مرقس الرسول بوحى من الروح القدس لتعليم المسيحية. كطريق لتثبيت الدين الجديد على أساس راسخ. نشأ فيها أول نظام للاهو ت المسيحى. كان اهتمامها الأول ”الكتاب المقدس وتفسيره“. انطلقت منها مدرسة التفسير الرمزى للكتاب المقدس. أى: اكتشاف المعنى الروحى وراء سطور الكتاب. بدأت كمدرسة للموعوظين، تضم طالبى العماد من أمم ويهود لتعليم الإيمان المسيحى. تقدم لهم دراسات تؤهلهم لنوال سر المعمودية. فتحت المدرسة أبوابها للجميع، يلتحق بها أُناس من ديانات مختلفة وثقافات متباينة، ومراكز اجتماعية متباينة. فى القرن الثانىصار للمدرسة أثرها الفعال على حياة الكنيسة: 1ـ استطاعت أن تروى ظمأ المسيحيين فى المعرفة الدينية. 2ـ أوجدت أعداداً كبيرة من قادة الكنيسة المشهوريين عبر الأجيال. 3ـ بغيرتها نحو الكرازة، ربحت الكثير من النفوس للإيمان المسيحى. 4ـ جذبت طلبة من أمم أخرى صار منهم أساقفة وقادة فى كنائسهم. 5ـ خلقت إدراكاً عاما لأهمية التعليم كأساس للتكوين الدينى. 6ـ قدمت للعالم أول دراسة لاهوتية متكاملة. 7ـ استخدمت الفلسفة لتجذب مؤيديها. 1ـ لم يكن اللاهوت فـقط هو الذى تقدمه المدرسة. 2ـ كانت الدراسة شاملة ”موسوعية“. 3ـ تبدأ الدراسة بسلسلة من العلوم العلمانية. 4ـ تتدرج إلى الأخلاق والفلسفة الدينية. 5ـ أخيراً تقدم اللاهوت المسيحى، من خلال تفسير الكتب المقدسة. فكانت المدرسة تقدم دراسة خاصة بالمسيحيين، تقدم أساسيات المسيحية للطلبة. دراسة خاصة بالسلوكيات المسيحية. دراسات متقدمة عن الحكمة الإلهية والمعرفة للمسيحى الروحى. اتسمت المدرسة أن العبادة تسير جنباً إلى جنب مع الدراسة. الأساتذة والطلبة يمارسون الصلوات والأصوام والحياة النسكية. |
||
عمداء المدرسة مدرسة الاسكندرية فخرها رجالها من عمداء وطلبة.. نذكر منهم... عميد مدرسة إسكندرية المسيحية، من رجال القرن الثاني الميلادي. لا نعرف الكثير عن حياته، لكنه كان فيلسوفًا يرأس إحدى كراسي الأكاديمية "الموزيم Museum" بالإسكندرية، أكبر مدرسة فلسفية علمية في الشرق في ذلك الحين، تنافس مدرسة أثينا، وكان يعتبر من أساطين الديانة الوثنية، أولع بالبحث في الديانة المسيحية كغيره من الفلاسفة الأفلاطونيين طمعًا في كشف أخطائها وإظهار فسادها، وإذ أراد أن يضرب بسهام نقده بكل قوة، عكف على دراسة الكتاب المقدس، ولكن الروح القدس أمسك به بقوة وعوض أن يخرج مجلداته ضد الإيمان المسيحي، إذ به ينجذب للإيمان حوالي عام 176. وإذ قَبِل المعمودية والتصق بالمسيحيين أدرك سمو الحياة الإنجيلية، فكتب دفاعه عن المسيحية والمسيحيين. لشخصية أثيناغوراس Athenagoras أهمية خاصة، فهو أول فيلسوف أهلته غيرته الشديدة واجتهاده في الدراسة أن يصير عميدًا لمدرسة الإسكندرية اللاهوتية، دون أن يخلع عنه زي الفلاسفة The philosopher Pallium ويعتبر أول مسيحي معروف حمل مع إيمانه حنوًا نحو الفلسفة. كتاباته وضع العلامة أثيناغوراس عملين هامين هما: التماسه أو شفاعته (إبريسفيا) عن المسيحيين وآخر عن القيامة من الموت. تلمس في كتابَاته العقل الفلسفي الذي هذبته الثقافة اليونانية مع ملكة رائعة في الكتابة. قال عن Donaldson "أنه اقتبس شعرًا (يونانيًا) لكن الهدف كان واضحًا نصب عينيه، لم يستعرض قط إمكانياته، ولا يشتت ذهن قارئه". القمص تادرس يعقوب ملطي: آباء مدرسة إسكندرية الأولون، 1980 م، ص 33 الخ. |
||
تولّى بنتينوس Pantaenus القديس والفيلسوف رئاسة مدرسة الإسكندرية حوالي عام 181م، ونال شُهرة فائقة حتى اعتبره المؤرخ يوسابيوس أول رئيس للمدرسة. قال عنه: "في ذلك الوقت كانت مدرسة الإسكندرية للمؤمنين يرأسها رجل ذو شهرة عالية جدًا كدارسٍ، يسمى بنتينوس. فقد وُجدت عادة راسخة أن توجد بينهم أكاديمية في العلوم القدسية. ولا تزال هذه الأكاديمية قائمة إلى يومنا هذا. وبحسب فهمي الذين يديرونها أُناس على مستوى عالٍ، لاهوتيون ذو قدرات خاصة، لكننا نعرف أن بنتينوس هو أحد هؤلاء المعلمين واكثر معلمي عصره قدرة وسُموًا". إذ استرجع القديس اكليمنضس ذاكرته في كتابه "المتفرقات Stromata" تذكر الأشخاص الطوباويين الذين يستحقون أن يكونوا موضع ذكرى، وكان من حسن حظه أن يلتقي بهم ويستمع إليهم، وإذ جاء إلى معلمه بنتينوس تحدث عنه كأعظم وأكمل معلم، وجد في وحدته تعزيته. وقد وصف لقائه معه هكذا: "التقيت بالأخير مصادفة، لكنه كان الأول من حيث الاستحقاق. وجدته أخيرًا في مصر مختبئًا. إنه بحق النحلة الصقلية، يقتطف من كل الزهور من مروج الأنبياء والرسل، ويودع في نفوس سامعيه ذخيرة معرفة غير فاسدة". بنتينوس والفلسفة كان بنتينوس رواقيًا مشهورًا. والرواقيون أخلاقيون من الدرجة الأولى يحسبون الخير الأعظم في الفضيلة، يؤمنون بناموس الطبيعة أو ناموس الضمير أو الواجب. يرون في الله الطاقة المتغلغلة في كل شيء، بها خلق العالم الطبيعي وبقيّ محفوظًا. اعتنق بنتينوس المسيحية على يدي أثيناغوراس، وفي عام 181م خلفه كرئيس للمدرسة اللاهوتية التعليمية، وإليه يُنسب إدخال الفلسفة والعلوم إلى المدرسة لكسب الهراطقة والوثنيين المثقفين. كان بنتينوس دائم القراءة في الفلسفة، ومع هذا لم يحتج عليه أهل عصره، ولا اتهموه بالانحراف عن الإيمان بل شهد له أوريجينوس قائلاً إنه في دراسته للفلسفة إنما يتمثل ببنتينوس الذي ربح الكثير من المثقفين خلال معرفته للفلسفة. هذا الاتجاه أدخله بنتينوس وتطور على يديْ تلميذه اكليمنضس وأعيد تنظيمه بواسطة أوريجينوس. بنتينوس كمبشر لم تكن مدرسة الإسكندرية مجرد معهد عالمي ديني، لكنها كانت جزءًا من الكنيسة لها عملها الكرازي بجانب عملها التعبُّدي والعلمي. كان رجالها كنسيين روحيين على مستوى عالٍ، كرسوا حياتهم للدراسة ونشر الفكر الإنجيلي الكنسي، مقدمين حياتهم مثلاً حيًا في النسك كما في الدفاع عن العقيدة والتبشير، على المستويين المحلي والمسكوني. فمن ناحية كان بنتينوس في نظر شعب الإسكندرية ليس دارسًا أو معلمًا فحسب وإنما "المعين لكثيرين" يهتم بخلاص كل أحد، حتى لقَّبه شعب المدينة "بنتينوسنا". ومن الجانب الآخر حين دعاه البابا ديمتريوس للكرازة في الهند لبى الدعوة تاركًا المدرسة إلى حين في يد اكليمنضس. روى المؤرخين قصة ذهابه للهند هكذا: ان تجارًا من الهند استمعوا إليه فأُعجبوا به واعتنقوا المسيحية بغيرة شديدة، فالتقوا بالبابا السكندري وطلبوا منه أن يسمح لهم بإرسال بنتينوس إلى الهند للكرازة بين أهلهم. كما قيل أن الهند بعثت برسالة إلى البابا مع وفد من أجل هذا الغرض فقبل البابا طلبهم. وعند رجوعه من الهند قيل انه كرز في أثيوبيا وبلاد العرب واليمن. ويروي القديس جيروم ويوسابيوس أن بنتينوس أحضر معه نسخة من إنجيل متى بخط يد الإنجيلي، كان قد أحضرها القديس برثلماوس معه إلى الهند. ومما يجدر ذكره أن القديس أناستاسيوس السينائي من رجال القرن السابع يتحدث عن بنتينوس ككاهن الإسكندرية. ربما سيم قبل ذهابه إلى الهند، حتى يقوم بتعميد الموعوظين ومسحهم بالميرون وتقديم ذبيحة الأفخارستيا، فالكرازة تحتاج إلى العمل الكهنوتي. بنتينوس والأبجدية القبطية أدخل بنتينوس الأبجدية القبطية، مستخدمًا الحروف اليونانية، مضيفًا إليها سبعة حروف من اللهجة الديموطيقية القديمة، وبهذا أمكن ترجمة الكتاب المقدس إلى القبطية تحت إشرافه، يعاونه في هذا العمل العظيم تلميذاه اكليمنضس وأوريجينوس. ويعطي الباحثون اهتماما عظيمًا لهذه الترجمة على قدم المساواة مع الأصل اليوناني نفسه. كما ترجم القديس بنتينوس الكثير من الأدب المسيحي إلى هذه اللغة بكونها آخر شكل من تطور اللغة المصرية القديمة، وبدأ الكتَّاب يستخدمونها عِوض اليونانية. مولده يرى المؤرخون الأقباط أن بنتينوس وُلد بالإسكندرية، من أصل مصري. ويرى المؤرخ فيلبس الصيدوي أنه كان أثينيًا، ولكن هذه مجرد حدس، بسبب اهتمام القديس بالفلسفة اليونانية. ويرى بعض الدارسين أنه من صقلية لأن تلميذه اكليمنضس لقبه "النحلة الصقلية"، لكن هذا الرأي لا يمكن الأخذ به لأن النحل الصقلي كان له شهرته العالمية في ذلك الوقت، فكانت هذه التسمية مجرد إشارة إلى عذوبة تعليمه وما يحمله من قوت. أما زمن ولادته، فعلى ما يبدو، أنه ولد في أوائل القرن الثاني الميلادي، وإن كان يصعب تحديد سنة الميلاد بدقة. كتاباته شرح بنتينوس كل أسفار الكتاب المقدس من التكوين حتى الرؤيا، شفويًا وكتابة، حتى دعاه معاصروه "شارح كلمة الله"، وللأسف لم يصلنا من كتاباته إلا بعض فقرات وردت خلال كتابات تلميذه القديس اكليمنضس. القمص تادرس يعقوب ملطي: آباء مدرسة الإسكندرية الأولون، 1980، ص 47 - 51. |
||
حياته: يعتبر القديس إكليمنضس أب الفلسفة المسيحية الإسكندرانية، وصفه المؤرخ يوسابيوس أنه "كان متمرنًا في الكتب المقدسة" ودعاه القديس كيرلس أنه "كان شغوفًا في التعلم"، "خبيرًا في التاريخ اليوناني". قال عنه القديس جيروم: "مجلداته المعروفة مملوءة علمًا وفصاحة، يستخدم الكتب المقدسة والأدب الدنيوي، في رأيي أنه أكثر الجميع علمًا". كما وصفه المؤرخ سقراط: "كان مملوءًا من كل حكمة". ومع هذا فقد أهملت شخصية هذا القديس وذلك لسببين: 1. الخلط بينه وبين القديس إكليمنضس الروماني. 2. ارتباط شخصيته بأوريجينوس الذي نُظر إليه كهرطوقي وأبيدت أكثر كتاباته خاصة النسخ التي كتبت باللغة الأصلية اليونانية .هذا مع غموض نظام القديس إكليمنضس. مسيحيته ولد تيطس فلافيوس إكليمنضس Titus Flavius Clemens حوالي عام 150م من أبوين وثنيين. اسمه الروماني حمل بعض المؤرخين إلى القول بأن له صلة بالعائلة الإمبراطورية، وأنه من سلالة عبد أعتقه فاسيانوس أو ابنه. أما عن مولده، فوجد تقليدان في أيام أبيفانوس (القرن الرابع)، أحدهما يرجع مولده للإسكندرية والآخر لأثينا. اعتمد التقليد الأول على طول بقائه في الإسكندرية، بينما يتفق التقليد الثاني بالأكثر على ما ورد في كتابه: "المتفرقاتStromata 1: 11". لا نعرف شيئًا عن تاريخ تحوله إلى المسيحية، ولا الظروف المحيطة أو الدوافع التي أدت إلى ذلك، لكن المعروف عنه أنه قد اتسم بفكر متدين، فكان دائم البحث عن الله الذي يشبعه روحيًا وفكريًا وأخلاقيًا، وقد وجد في المسيحية تحقيقًا لهدفه. حتى بعد اعتناقه المسيحية قام برحلات باهظة يبحث عن المعلم الحقيقي الذي يتتلمذ عليه، فذهب إلى جنوب إيطاليا وسوريا وفلسطين، وأخيرًا استقر في الإسكندرية حيث جذبته محاضرات القديس بنتينوس (الفيلسوف الذي قبِل المسيحية)، عاش فيها أكثر من عشرين عامًا (ربما من عام 175 إلى 202م) فصارت وطنه الثاني. رئيس المدرسة تتلمذ على يدي القديس بنتينوس رئيس مدرسة الإسكندرية، وصار مساعدًا له. سيم كاهنًا في الإسكندرية، وقام بعمله الوعظي بكل نجاح، وإذ سافر أستاذه بنتينوس إلى الهند حوالي عام 190م تسلم رئاسة المدرسة إلى حين عودته. إذ تنيح بنتينوس تسلم القديس إكليمنضس الرئاسة من جديد، وقد تتلمذ على يديه العلامة أوريجينوس والقديس الكسندروس أسقف أورشليم. هروبه من الإسكندرية في أيام الاضطهاد القاسي الذي أثاره سبتيموس سويرس حوالي عام 202م، اضطر القديس إلى مغادرة الإسكندرية والالتجاء ربما إلى فلسطين وسوريا. على أي الأحوال كان هروب القديس إكليمنضس من الإسكندرية نافعًا للكنيسة، كما يظهر من الرسالة التي بعث بها القديس ألكسندروس أسقف أورشليم إلى كنيسة إنطاكية حوالي عام 211م، إذ جاء فيها: "هذه الرسالة أبعث بها إليكم يا أخوتي الأعزاء، على يد إكليمنضس الكاهن الطوباوي، الرجل الفاضل المبارك، الذي سمعتم عنه وستعرفونه أيضًا، والذي بحضوره إلى هنا بفضل عناية الله وتدبيره قد ثبت كنيسة الرب وأنماها". تنيح حوالي عام 215م. نظرة الغرب إليه كان الغربيون يعتبرون إكليمنضس الإسكندري من قديسي الكنيسة، يحتفلون بعيده في الرابع من شهر ديسمبر. وفي القرن السادس عشر حذف اسمه من تراجم الشهداء Martyrology بواسطة إكليمنضس الثامن (1592–1600م)، حسب تصحيحات بارونيوس Baronius. وفي عام 1748م كتب البابا بندكت الرابع عشر رسالة إلى يوحنا الخامس ملك البرتغال، يبرر فيها سر هذا الحذف بحماس، مستندًا إلى وجود بعض التعاليم الفاسدة في كتاباته. لكن لم يشر أحد المؤرخين الأول أمثال يوسابيوس وجيروم إلى هذه الأخطاء. لهذا فالأرجح أن هذه الأخطاء دخيلة على كتبه، فمن دأب الهراطقة أن يفسدوا كتابات الآباء المشهورين لتأييد مذهبهم ونشره. كتاباته لعل أهم كتاباته ثلاثة كتب دعيت "ثالوث إكليمنضس" تمثل منهج مدرسة إسكندرية، وهي: 1. نصائح لليونانيين Protrepticus، دعوة لترك الوثنية وقبول الإيمان المسيحي بواسطة المسيح. 2. المعلم Paedagogas، دعوة لتحويل الإيمان إلى عمل لنكون مشابهين لابن الله، وتحت قيادته إذ هو المعلم. 3. المتفرقاتStromata ، غايته التمتع بالمعرفة الروحية الفائقة، وهو غاية المسيحي؛ وذلك خلال اتحاده بالمسيح كعريس للنفس. له كتب أخرى مثل: من هو الغني الذي يخلص؟ والمجمل، ورسالة عيد الفصح. أهم ما اتسم به هذا القديس هو نظرته للفلسفة والمعرفة. فالفلسفة في ذهنه ليست شرًا لكنها هبة إلهية، يفسدها البشر بخلط الحق بالباطل، لهذا فالفلاسفة أطفال صغار ينضجون خلال الإيمان. بهذا قدم تزاوجًا بين الفلسفة والإيمان عوض العداوة. أما المعرفة أو الغنوسية فهي ليست هرطقة بل تمتع بإعلانات الله خلال السيد المسيح المعلم، بروحه القدوس، ينعم بها المسيحي خلال الحياة المقدسة في الرب. بهذا فكلمة غنوسي لم تعد تعني هرطوقيًا، بل مسيحيًا مؤمنًا يسلك بروح الرب ينعم بمعرفة الله. القمص تادرس يعقوب ملطي : آباء مدرسة إسكندرية الأولى، ص 53 – 125. |
||
تبقى شخصيته محيّرة فإن كان بعض الدارسين مثل كواستين وغيره يشهدون لدوره الفعّال في الاهتمام بالكتاب المقدس، وقد تأثر به حتى مقاوموه، لكن الكنيسة القبطية وقد شعرت بخطورة تعاليمه حرمته في حياته بينما الكنائس الخلقيدونية حرمته في أشخاص تابعيه سنة 553م وذلك لما وجد في كتاباتهم عن وجود النفس السابق للجسد، وإن جميع الخليقة العاقلة حتى الشياطين ستخلص الخ... لقب العلامة أوريجينوس بـ "أدمانتيوس" أي "الرجل الفولاذي"، إشارة إلى قوة حجته التي لا تقاوم وإلى مثابرته. طفولته يعتبر أوريجينوس ابن مصر الأصيل، يبدو أنه ولد في الإسكندرية حوالي عام 185م. اهتم به والده ليونيدس Leonides فهذبه بمعرفة الكتاب المقدس، وقد أظهر الابن شغفاً عجيباً في هذا الأمر. يُقال إن والده كثيراً ما كان يقف بجوار الصبي وهو نائم، ويكشف صدره كأن روح الله قد استقر في داخله، ويقبله بوقار معتبراً نفسه أنه قد تبارك بذريته الصالحة. استشهاد ليونيدس عاصر الاضطهاد الذي أثاره سبتيموس ساويرس عام 202م، والذي كان أكثر عنفاً على الكنيسة المصرية، حتى ظن كثيرون أن هذا الاضطهاد هو علامة على مجيء "ضد المسيح". أُلقيّ القبض على ليونيدس ووضع في السجن، أما أوريجينوس الذي لم يكن بعد قد بلغ السابعة عشر من عمره فكان يتوق بشغف إلى إكليل الاستشهاد مع والده. وفي اللحظة الحاسمة منعته أمه من تحقيق رغبته بإخفاء كل ملابسه حتى يلتزم البقاء في المنزل ليرعى شئون أخوته الستة. فأرسل إلى أبيه يحثه على الاستشهاد، قائلا له: "أحذر أن تغير قلبك بسببنا". معلم الأدب إذ صودرت ممتلكات ليونيدس بعد استشهاده صار أوريجينوس وعائلته في عوز، لهذا التجأ إلى سيدة غنية رحبت به، لكنه لم يحتمل البقاء كثيراً، لأن معلماً هرطوقياً يدعى بولس الإنطاكي استطاع أن يؤثر عليها ببلاغته فضمته إلى بيتها، وتبنته، وأقامته فيلسوفاً خاصاً بها، وسمحت له أن ينشر هرطقته بإلقاء محاضرات في بيتها. لم يستطع أوريجينوس ـ وهو بعد صغير السن ـ أن يشترك في الصلاة مع هذا الهرطوقي متمسكاً بقوانين الكنيسة، فترك البيت وعكف على تدريس الأدب الدنيوي والنحو لينفق على نفسه وعلى عائلته. وجد أوريجينوس في تدريسه للوثنيين الأدب والنحو فرصته للشهادة للإيمان المسيحي قدر ما تسمح الظروف، فكان يعلن عن مركز اللاهوتيات بين الكتابات اليونانية، وبهذا اجتذب أوريجينوس بعض الوثنيين الذين جاءوا يطلبون أن يسمعوا منه عن التعاليم المسيحية من بينهم بلوتارخس الذي نال إكليل الاستشهاد وأخوه هيراقليس (ياروكلاس) الذي صار بطريركاً على الإسكندرية. أوريجانوس ومدرسة إسكندرية إذ تركت مدرسة الإسكندرية بلا معلم بسبب الاضطهاد، ورحيل القديس أكليمنضس، عين البابا ديمتريوس أوريجينوس رئيساً للمدرسة وهو بعد في الثامنة عشرة من عمره. أوقف أوريجينوس كل نشاط له وباع كل كتبه الثمينة المحبوبة لديه، ليكرس حياته بالكامل للعمل الجديد الذي أوكل إليه كمعلم للموعوظين. تتلمذ على يديه كثيرون نذكر على سبيل المثال القديس الكسندروس أسقف أورشليم الذي كان يتطلع إلى أوريجينوس كمعلمه وصديقه. وإني أود أن أشير هنا إلى دور العلامة أوريجينوس في تطور المدرسة: 1. ألقى العلامة أوريجينوس بنفسه بكل طاقاته لا لدراسة الكتاب المقدس والتعليم به فحسب، بل وفي تقديم حياته مثلاً للحياة الإنجيلية. في هذا يقول القديس غريغوريوس العجائبي: "لقد جذبنا بأعماله التي فعلها أكثر من تعاليمه التي علمنا إياها". اتسم أيضا بالحياة النسكية مع ممارسة الصلاة بكونها جزءاً لا يتجزأ من الحياة النسكية، تسنده في تحرير النفس ودخوله إلى الاتحاد مع الله بطريقة أعمق. يرى في الصلوات أمراً ضرورياً لنوال نعمة خاصة من قبل الله لفهم كلمة الله. رأى أن الإنسان يطلب الاتحاد مع الله خلال حفظ البتولية، فينسحب عن العالم وهو بعد يعيش فيه، مقدماً تضحية في أمور الترف قدر ما يستطيع، محتقراً المجد البشري. وبسبب حضور النسوة يستمعن محاضراته، ولكي لا تحدث عثرة رأى أن ينفذ حرفياً ما ورد في الإنجيل أن أناساً خصوا أنفسهم من أجل ملكوت الله (مت12:19)، لكنه يبدو أنه قدم توبة على هذا الفعل. وقد استخدمها البابا ديمتريوس ضده. 2. في البداية ركز أوريجينوس على إعداد الموعوظين وتهيئتهم للعماد، لا بتعليمهم الإيمان المسيحي فحسب، وإنما بتقديم التعاليم الخاصة بالحياة المسيحية العملية أيضاً. 3. لم يقف عمل العلامة أوريجينوس عند تهيئة الأعداد الضخمة المتزايدة الجالسة عند قدميه لنوال سر العماد وإنما كان عليه بالحري أن يهيئهم لقبول إكليل الاستشهاد. فكل من يقترب إليه إنما بالحري يجري نحو خطر الاستشهاد. 4. اهتم أوريجينوس بتعميق الفكر الدراسي؛ فإذ كان جمهور تلاميذه يلتفون حوله من الصباح حتى المساء رأى أوريجينوس أن يقسمهم إلى فصلين، واختار تلميذه هيراقليس- المتحدث اللبق- ليدرس المبتدئين المبادئ الأولى للتعاليم المسيحية، أما هو فكَّرس وقته في تعليم المتقدمين اللاهوت والفلسفة معطياً اهتماماً خاصاً بالكتاب المقدس. 5. لعل أعظم أثر لأوريجينوس على مدرسة الإسكندرية هو إبرازه التفسير الرمزي للكتاب المقدس. فقد كَّرس حياته كلها لهذا العمل، حتى نسب هذا المنهج التفسيري لمدرسة الإسكندرية ولأوريجينوس. رحلات أوريجينوس 1. حوالي عام 212م زار أوريجينوس روما في أثناء أسقفية زفيرينوس Zephyrinus، وفي حضرته ألقى القديس هيبوليتس مقالا عن كرامة المخلص، وبعد إقامة قصيرة هناك عاد إلى الإسكندرية. 2. قام بعدة رحلات إلى بلاد العرب، أولها حوالي عام 214م، حيث ذهب إليها بناء على دعوة من حاكم تلك البلاد الذي كان يرغب في التعرف على تعاليمه، كما دُعيّ إلى العربية عدة مرات ليتناقش مع الأساقفة وقد أشار المؤرخ يوسابيوس إلى اثنتين من هذه المناقشات، نذكر منهما أنه في عام 244م انعقد مجمع عربي لمناقشة وجهة نظر الأسقف بريلوس في شخص السيد المسيح. انعقد هذا المجمع على مستوى واسع أدان الأسقف بسبب قوله إن الله أقنوم واحد، وقد حاولوا باطلا إقناعه أن يعود إلى الإيمان المستقيم. أسرع أوريجينوس إلى العربية ونجح في إقناع الأسقف الذي يبدو أنه بعث إليه برسالة شكر، وصار من أكبر المدافعين عنه. على أي الأحوال هذا الارتباط بين أوريجينوس والعربية إنما هو امتداد لارتباط العلامة بنتينوس بها. 3. حوالي عام 216م، إذ نهب الإمبراطور كاركلا Caracalla مدينة الإسكندرية وأغلق مدارسها واضطهد معلميها وذبحهم، قرر أوريجينوس أن يذهب إلى فلسطين. هناك رحب به صديقه القديم الكسندر أسقف أورشليم كما رحب به ثيؤكتستوس Theoctistus أسقف فلسطين، اللذان دعياه ليشرح الكتاب المقدس للشعب في حضرتهما. غضب البابا ديمتريوس الإسكندري جداً، لأنه حسب عادة الكنيسة المصرية لا يستطيع غير الكاهن أن يعظ في حضرة الأسقف، فأمره بعودته إلى الإسكندرية سريعاً، فأطاع وعاد، وبدت الأمور تسير كما كانت عليه قبلاً. 4- مع بداية حكم اسكندر ساويرس (222- 225م) أرسلت مامسيا Mammaca والدة الإمبراطور حامية حربية تستدعي أوريجينوس لإنطاكيا يشرح لها بعض الأسئلة، وقد استجاب للدعوة ثم عاد إلى مدرسته. 5. أرسل العلامة أوريجينوس إلى اليونان لضرورة ملحة تتعلق ببعض الشئون الكنسية، وبقيّ غائباً عن الإسكندرية. ذهب إلى آخائية ليعمل صلحاً، وكان يحمل تفويضاً كتابياً من بطريركه. وفي طريقه عبر بفلسطين، وفي قيصرية سيم قساً بواسطة أسقفها. فقد بدا للأساقفة أنه لا يليق بمرشد روحي مثل أوريجينوس بلغ أعلى المستويات الروحية والدراسية يبقى غير كاهن. هذا وقد أرادوا أن يتجنبوا المخاطر التي يثيرها البابا ديمتريوس بسماحهم له أن يعظ وهو "علماني" في حضرتهم. وقد اعتبر البابا هذه السيامة أكثر خطأ من التصرف السابق، حاسباً إياها سيامة باطلة لسببين: أ. أن أوريجينوس قد قبل السيامة من أسقف آخر غير أسقفه، دون أخذ تصريح من الأسقف التابع له. ب. إذ كان أوريجينوس قد خصى نفسه، فهذا يحرمه من نوال درجة كهنوتية، فإنه حتى اليوم لا يجوز سيامة من يخصي نفسه. إدانته لم يحتمل البابا ديمتريوس هذا الموقف فدعا لانعقاد مجمع من الأساقفة والكهنة بالإسكندرية. رفض المجمع القرار السابق مكتفين باستبعاده عن الإسكندرية. لم يرض البابا بهذا القرار فدعا مجمعاً من الأساقفة وحدهم عام 232م، قام بإعلان بطلان كهنوته واعتباره لا يصلح بعد للتعليم، كما أعلن عن وجود بعض أخطاء لاهوتية في كتاباته. كتب البابا الإسكندري القرار إلى كل الإيبارشيات، فدعا Pontias أسقف روما مجمعاً أيّد القرار، وهكذا فعل كثير من الأساقفة، فيما عدا أساقفة فلسطين والعربية وآخائية وفينيقية وكبدوكيا الذين رفضوا القرار. اضطر أوريجينوس أن يدافع عن نفسه ضد الاتهامات الخطيرة التي وجهت ضده. فقد أورد روفينوس في كتابه De Adulteratione نبذة طويلة من خطاب كان قد وجّهه أوريجينوس إلى أصدقاء له في الإسكندرية يشكو فيه من الملفقين الذين غيروا بعض فقرات من كتبه وشوهوها، ومن الذين نشروا في العالم المسيحي كتباً مزورة ليس من العسير أن نجد فيها ما يستحق السخط. كذلك يعرفنا القديس جيروم بوجود خطاب آخر كتبه أوريجينوس إلى فابيانوس أسقف روما يتهم فيه صديقه إمبروسيوس بأنه تسرع ونشر أحد كتبه في وقت غير مناسب وقبل أن يكمله، لعله قصد بهذا الكتاب "المباديء De Peincipiis" الذي أثار سخط الكثيرين ضده حتى بعد وفاته. وجاء في ميمره الخامس والعشرين على إنجيل لوقا: "إنه من دواعي سرور أعدائي أن ينسبوا لي آراء لم أكن أتصورها ولا خطرت ببالي". مدرسة جديدة حثه أسقف قيصرية على إنشاء مدرسة للاهوت هناك، رأسها قرابة عشرين عاماً، فيها تتلمذ القديس غريغوريوس العجائبي لمدة خمسة أعوام. اضطهاد مكسيميان خلال الاضطهاد الذي أثاره مكسيميان التجأ أوريجينوس إلى كبادوكية قيصرية، في هذا الاضطهاد أُلقيّ القبض على صديقيه القديمين: إمبروسيوس وبروتوكتيتوس كاهن قيصرية، ووضعا في السجن. كتب أوريجينوس إليهما مقالا: "الحث على الاستشهاد"، نظر فيه إلى الاستشهاد كأحد البراهين على صحة الحق المسيحي، وكاستمرار لعمل الخلاص. أطلق سراح صديقيه وعاد أوريجينوس إلى قيصرية فلسطين. سافر أوريجينوس إلى أثينا عن طريق بيلينية، حيث قضى عدة أيام في نيقوميديا، وهناك تسلم رسالة من يوليوس أفريقانيوس، يسأله فيها عن قصة سوسنة إن كانت جزءاً أصيلا من سفر دانيال، وأجابه أوريجينوس برسالة مطولة بعثها إليه من نيقوديمية. وفي أيام داكيوس (ديسيوس) Decius (249- 251)، ثار الاضطهاد مرة أخرى، أُلقى القبض على أوريجينوس. تعذب جسده، ووضع في طوق حديدي ثقيل وأُلقيّ في السجن الداخلي، وربطت قدماه في المقطرة أياماً كثيرة، وهدد أن يعدم حرقاً. احتمل أوريجينوس هذه العذابات بشجاعة، وإن كان لم يمت أثناءها، لكنه مات بعد فترة قصيرة، ربما كان متأثراً بالآلام التي لحقت به. قبل أن يموت أرسل إليه البابا الإسكندري ديونسيوس الذي خلف هيراقليس، رسالة "عن الاستشهاد"، لعله بذلك أراد أن يجدد العلاقة بين العلامة الإسكندري أوريجينوس وكنيسة الإسكندرية. وفي عام 254م رقد أوريجينوس في مدينة صور بفلسطين وكان عمره في ذلك الحين 69 عاماً، وقد اهتم مسيحيو صور بجسده اهتماماً عظيماً فدفنوه إزاء المذبح وغطوا قبره بباب من الرخام نقشوا عليه: "هنا يرقد العظيم أوريجينوس"، تاركاً تراثاً ضخما من تفاسير الكتاب لمقدس، مقدماً منهجه الرمزي في التفسير، وإن كان قد ترك أيضا بلبلة شديدة في الكنيسة بسببه حتى بين الرهبان سببت انقسامات ومتاعب لا حصر لها. |
||
نشأته ولد في مدينة الإسكندرية من أبوين وثنيين صارا فيما بعد مسيحيين وأدخلا ابنهما ياروكلاس المدرسة اللاهوتية ليدرس العلوم بها، فتتلمذ هو وأخوه للعلامة أوريجينوس، مع أنه كان يكبر عنه في السن. درس الأفلاطونية الحديثة قبل معلمه أوريجينوس، على يدي أمونيوس السقاس. فقد جاء في إحدى شذرات رسالة لأوريجينوس: "وقابلت الأخير (هيراقلاس) في بيت مدرس العلوم الفلسفية، إذ كان قد درس لمدة خمسة أعوام قبل أن أبدأ أنا في حضور هذه المحاضرات. في ذلك الوقت كان هيراقلاس قد زهد الملابس العادية التي كان يلبسها قبلاً، وارتدى زي الفلاسفة، والذي مازال يلبسه حتى اليوم. مستمرًا في دراسة كتب اليونانيين قدر الاستطاعة". أُعجب به أوريجينوس لشدة شغفه وتحصيله للعلم إلى درجة كبيرة. ونظرًا لأن أوريجينوس كان ذائع الصيت ودائرة اهتمامه بالمدرسة اللاهوتية في زيادة مطردة واتسعت خدمته إلى أبعد مدى يمكن الوصول إليه وجد أن خير من يعاونه على نشر الإيمان الأقدس هو ياروكلاس. وصفه المؤرخ يوسابيوس هكذا: "وكرس حياته لدراسة الكتاب المقدس، هو أحد الرجال المتعلمين العظماء لا يجهل الفلسفة". القبض عليه لم يكد أوريجينوس ينجح في عمله حتى قبض أكويلا والي مصر بأمر كاراكلا قيصر على خمسة من تلاميذ أوريجينوس، وبعد أن عُذِّبوا عذابًا شديدًا حكم عليهم بالموت السريع لأنهم أبوا أن ينكروا إيمانهم. وكان بين الخمسة اثنان باسم ساويرس أحدهما أحرق والآخر قطعت رأسه بعد أن عذب طويلاً، وهيراكليدس وهارون قطعت رأسيهما أيضًا. أما الخامس فكان ياروكلاس الذي لم يتركه أوريجينوس عند القبض عليه بل رافقه إلى موضع الإعدام. ولما شاهد الجنود يقتربون من ياروكلاس تقدم إليه بشجاعة وقبَّله قبلة الوداع على مشهد من الجميع، فاغتاظ منه الرعاع وهمّوا برجمه ولكنه أسرع بالهرب، ويبدو أن مطاردتهم له مكنت ياروكلاس من الفرار بطريقةٍ ما. عميد مدرسة الإسكندرية نظرًا لرحيل أوريجينوس إلى قيصرية فلسطين وتركه للمدرسة اللاهوتية أقام البابا ديمتريوس ياروكلاس رئيسًا بدلاً منه. اكتشف القديس ديمتريوس البابا السكندري إمكانيات هيراقلاس الروحية في الكرازة وقدرته على تعليم الموعوظين وإرشاد المؤمنين فسامه قسًا فقمصًا، وسمح له أن يعظ في الكاتدرائية بالإسكندرية حتى يتمتع به الشعب الذي لم يتمكن من سماعه من خلال المدرسة اللاهوتية. وكان هذا الاختيار من البابا قد صادف أهله حيث أن ياروكلاس كان يمتلك من المواهب والإمكانيات الإنسانية ما مكّنه من التأثير المباشر العميق في نفوس الشعب لعذوبة وحلاوة حديثة وقوة منطقه وسلاسة عباراته حتى أن اللَّه أراد أن يفرحه بهذه المواهب والإمكانيات فجعله يكتسب عددًا ليس بقليل من الوثنيين وأدخلهم إلى المسيحية بقوة وعمق، كما أظهر حبًا فائقًا في خدمته للمؤمنين. بابا الإسكندرية فى عام 224م اُختير خليفة للقديس ديمتريوس بابا الإسكندرية. وعمل البابا ياروكلاس على رد الكثيرين وإعداد الداخلين في المسيحية، وقد كرس تعبه وجهوده على التعليم والوعظ وإرشاد المخالفين فرعى رعية المسيح أحسن رعاية وأفضل تدبير. مواجهة الاضطهاد لفترة باباويته أهميتها الخاصة، فقد احتمل الاضطهاد الذي أثاره الإمبراطور مكسيموس. اكتشف هذا الإمبراطور مؤامرة محكمة تستهدف قتله، فأوهمه المقربون إليه من رجال القصر بأن المسيحيين هم المحرّضون للتآمر عليه وقتله، فصدق هذه الوشاية ولم يهدأ باله إلا بإثارة اضطهاد مروع ضد المسيحيين، ولم ينج الكهنة من هذا الاضطهاد بل كان لهم النصيب الأوفر منه. خاف الشعب على باباه الحبيب وألحوا عليه أن يهرب من هذا الاضطهاد ويختبئ، فلم يوافق البابا في بادئ الأمر، ولكنه بعد إلحاحٍ شديدٍ وافقهم على رغبتهم وترك الإسكندرية. بعدما هدأت القلاقل ونامت الفتن وتقوَّت المسيحية وكثر عدد المنضمين إليها قام البابا ياروكلاس برحلة رعوية، يفتقد المدن والقرى في أنحاء البلاد يسند المؤمنين. وكان لهذا الأمر تأثيره العجيب على المسيحيين، هؤلاء الذين احتملوا الاضطهادات المريرة. ونظرًا لزيادة المسيحيين ودخول الكثير من الجاحدين إلى الإيمان رغم كل ما كابده المسيحيون من أهوال وويلات ومن تهكّم وسخرية الفلاسفة الوثنيين ومن مرارة وظلم وبطش الحكام، شعر البابا بضرورة سيامة أساقفة لرعاية هذا الشعب المتزايد فقام بسيامة عشرين أسقفًا في أماكن متنوعة من البلاد. من أعمال هذا البابا الجليل أيضًا ليس اجتذاب الكثير من الوثنيين فحسب، بل اجتذب الجاحدين وعلمهم طريق الخلاص بالتوبة وقبلهم دون إعادة المعمودية مرة أخرى، بالاعتراف والتوبة الصادقة الحارة المعلنة جهارًا يطلبون فيها العفو، متوسلين توسلاً عظيمًا لرجوعهم إلى حضن أمهم الكنيسة المجيدة. فكان البابا ياروكلاس بهذا الأمر أبًا عطوفًا رحيمًا بأولاده الذين ضعفوا وسقطوا. لقب بابا أراد الشعب مع الكهنة في مصر، الذين أحبوه جدًا أن يميّزوه عن بقية الأساقفة فدعوه بالقبطية "بابا" التي تعني "أب". هكذا يُعتبر أول مسئول كنسي في العالم المسيحي يحمل هذا اللقب قبل أن يُستخدم في روما. وترى إيريس حبيب المصري أن هذا اللقب استخدم من قبل منذ أيام القديس إينيانوس الذي رسمه القديس مرقس الرسول، وذلك كما ذكر المؤرخ المقريزي. جاء في كتاب الانشقاق: أما أساقفة عواصم الولايات والأقاليم، أعنى الأولين في المطارنة كانوا يسمون "أساقفة أولين". غير أنه كان لبعضهم أسماء خاصة أيضًا منذ القديم فكان أسقف إنطاكية يسمى "بطريركا"، وأسقف إسكندرية "بابا" وأسقف روما "أسقفًا، أو"أسقف المدينة" أو "حبرًا". وأحيانا يسمى "بابا" أما كلمة "بابا" فمن الواضح أنها ليست كلمة لاتينية ولا غربية بل هي شرقية محضة. وأول من سميَ بها أسقف الإسكندرية من أبناء إيبارشيته في القطر المصري وفى الإسكندرية عينها. ويلاحظ أن لقب بابا قد امتد من الإسكندرية إلى قرطاجنة قبل روما بدليل أن كرنيليوس أسقف روما كتب في بعض رسائله التي بعث بها إلى كبريانوس أسقف قرطاجنة: "والسلام من كرنيليوس إلى البابا كبريانوس". ومن ثم امتد هذا اللقب إلى روما في القرن الخامس. وفى القرن الحادي عشر عقد غريغوريوس السابع أسقف روما مجمعًا مكانيًا حرم فيه كل أسقف يطلق على نفسه أو غيره لقب بابا، حاصرًا هذا اللقب على أسقف روما وحده. البابا هيراقلاس وأوريجينوس من أعمال البابا ياروكلاس عند رجوعه إلى مقر كرسيه بالإسكندرية، أنه أرسل إلى المعلم العظيم أوريجينوس خطابًا، يرفع عنه الحرم الذي وقّعه عليه البابا ديمتريوس، ويرجو منه أن يعود للإسكندرية ليعاود فيه نشاطه وخدمته الروحية والفكرية، إلا أن أوريجينوس اعتذر مشيرًا إلى أن مدرسة الإسكندرية قد ذاع صيتها، واستقرت أوضاعها، وكثر عدد أساتذتها العظماء، بينما المدرسة اللاهوتية التي افتتحها في قيصرية فلسطين لا تزال في بداية مهدها، وتحتاج لمزيد من الرعاية، ولهذا يفضل الانتظار والبقاء حيث هو على أن يرجع إلى الإسكندرية. فاقتنع البابا ياروكلاس بهذا المنطق وعيّن لرئاسة المدرسة أحد شمامسته المجتهدين يدعى ديونيسيوس، كما وكّل إليه أمر القضاء فيما يعرض للمسيحيين من مشاكل. مع يوليوس أفريقيانوس استطاع القديس هيراقلاس بسيرته الفاضلة لا أن يجتذب بعض الوثنيين في مصر وحدها إلى الإيمان المسيحي وإنما أيضًا اجتذب من الأجانب. فقد زاره المؤرخ الرحالة الليبي المشهور يوليوس أفريقيانوس، الذي كتب تاريخ العالم منذ الخليقة حتى عام 221 م، وآمن على يديه بالمسيحية. بعد أن اطمأن قلب البابا على شعبه ورعيته، وبعد التعب والجهاد العظيم الذي بذله من أجل محبته للسيد المسيح، انتقل البابا ياروكلاس إلى مساكن الأبرار بعد أن جاهد الجهاد الحسن وأكمل السعي، مدة ستة عشر سنة وشهرًا واحدًا وكانت نياحته في 8 كيهك سنة 247م. القمص تادرس يعقوب ملطي: آباء مدرسة الإسكندرية الأولون. |
||
لقبه القديس أثناسيوس "معلم الكنيسة الجامعة" كما دُعي "ديونيسيوس الكبير" بسبب ما عاناه من ضيقات محتملاً ذلك في شجاعة وثبات، ولغيرته على الكنيسة، لا على المستوى المحلي فحسب بل على مستوى الإبيارشيات الأخرى. بحق يعتبر "أحد أعظم شخصيات التاريخ الكنسي الهامة والجميلة". تحوله للمسيحية وُلد بالإسكندرية مع نهاية القرن الثاني حوالي عام 190م، من أبوين وثنيين غنيين ذي جاه. كان من مذهب الصائبة يعبد الكواكب، محبًا للقراءة، يعمل كطبيبٍ ناجحٍ. قادته قراءته المستمرة إلى قبول الإيمان المسيحي، فقد قيل أن أرملة عجوز مرّت به معها بعض كتابات الرسول بولس تريد بيعها. فاشتراها منها وأخذ يدرسها ويفحصها. فأُعجب بها جدًا وحسبها أفضل ما قرأه من كتب الفلاسفة. وإذ طلب من السيدة أن تأتيه ببقية الأوراق ويدفع لها ما تريد أحضرت له ثلاث رسائل أخرى. وإذ شعرت الأرملة أن نعمة الله قد عملت في قلبه قالت له: "إن شئت أيها الفيلسوف أن تطّلع على كثير من مثل هذه الأقوال عليك بالذهاب إلى الكنيسة لتجد من يعطيها لك مجانًا. فمضى إلى الكنيسة حيث التقى بشماس يدعى أوغسطين الذي دفع له رسائل معلمنا بولس الرسول كاملة، فقرأها وقبل الإيمان المسيحي. مضى ديونيسيوس إلى البابا ديمتريوس ونال منه سرّ العماد، ثم التحق بالمدرسة اللاهوتية، حيث تتلمذ على يدي العلامة أوريجينوس. وصار أحد كواكبها اللامعين. سيم ديونيسيوس شماسًا بواسطة البابا ديمتريوس، كما سيم قسًا بواسطة البابا ياروكلاس (هيراقليس). خلف ديونيسيوس هيراقليس في رئاسة المدرسة لحوالي 16 أو 17 عامًا، كما خلفه أيضًا في البابوية. أخبرنا عن نفسه أنه اعتاد أن يقرأ حتى كتب الهراطقة، وأنه قد تشجّع على ذلك بواسطة رؤيا إلهية، ففي رسالته الثالثة عن المعمودية التي كتبها إلى القس الروماني فليمون قرر أن الله أعلن ذاته له، قائلاً له: "اقرأ كل ما يمكن أن تصل إليه يدك، فإنك قادر أن تصحح كل شيء وتمتحنه، فإن هذه العطية هي سبب إيمانك منذ البداية". وقد أهلته قراءاته المكثفة في كتب الهراطقة على مهاجمتهم من خلال أعمالهم. بابا الإسكندرية 1.في عام 247م اُختير القديس ديونيسيوس بابا للإسكندرية، حيث كانت رسالته صعبة ألا وهى الحفاظ على الكنيسة وسط موجات مستمرة من الاضطهادات، نذكر منها (دون التزام بالترتيب الزمني): في عام 250م بدأ اضطهاد ديسيوس Decius للكنيسة. وقد قدم البابا لمسات سريعة لشهداء الإسكندرية في ذلك الوقت في رسالته إلى دومثيوس وديديموس ورسالته إلى فابيوس أسقف إنطاكية، ذكر شهداء من رجال ونساء، صغار وكبار، عذارى وأمهات، جُلدوا وماتوا بالنار والسيف. لم يستشهد البابا نفسه، وقد حسب نفسه ضمن الذين رغم معرفتهم للرب زمانًا طويلاً لم يعد بعد أهلاً لذلك، وإن كان في اعتقاده أن السيد المسيح قد حفظه لزمن أخر مناسب. بقيَ البابا في داره أربعة أيام ينتظر، بينما كان رجال الوالي يبحثون عنه في كل موضع غير متوقعين أن يجدوه في داره. أخيرًا هرب، فعرّض نفسه مثل القديس كبريانوس للاتهام بالجبن. وقد اقتطف المؤرخ يوسابيوس رسالة القديس ديونيسيوس إلى أحد أساقفة الأقاليم يدعى جرمانيوس يدافع فيها عن نفسه: قائلاً: "أتحدث كمن هو في حضرة الله، إنه يعلم أني لا أكذب. إنني لم أهرب بدافع من نفسي، أو بدون إرشاد إلهي. وحتى قبل هذا وفى نفس الساعة التي بدأ فيها اضطهاد ديسيوس، أرسل سابينوس جنديًا يبحث عني. وكنت في الدار أربعة أيام أنتظر قدومه، لكنه تجوّل يبحث في كل موضع، في الطرق والأنهار والحقول، إذ ظن أني مختبئ فيها أو أتي في الطريق إليها. فقد انطمست بصيرته ولم يجد البيت، ولا تصور أني أبقى في البيت في الوقت الذي فيه يجري البحث عني. فقط بعد أربعة أيام أمرني الله أن أغادر الدار مع كثير من الاخوة. أما كون هذا قد تم بعناية إلهية فواضح مما حدث بعد ذلك إذ ربما كنت نافعًا لبعض الأشخاص". أخيرًا قبض الجند عليه مع من كانوا معه وأرسلوه إلى السجن في Taposrls، لكن استطاع شماس يدعى تيموثاوس أن يفلت من أيدي الجند، هذا التقى بشخصٍ مسيحيٍ في الطريق كان ذاهبًا إلى وليمة عرس. أخبره بما حلّ بالبابا، وإذ سمع الحاضرون انطلق الكل إلى السجن، فهرب الجند تاركين الأبواب مفتوحة. وإذ دخلوا السجن وجدوا البابا نائمًا. طلبوا منه مغادرة السجن فرفض حتى اضطر الشعب أن يحمله من يديه ورجليه ويدفعونه دفعًا، فذهب معهم إلى داره. 2. في عام 257م حدث أيضًا اضطهاد أثاره الإمبراطور فاليريان فاستدعاه الوالي إميلينوس Aemilianus ومع الكاهن مكسيموس والشمامسة فوستوس ويوسابيوس وشيريمون. وإذ طلب الوالي من البابا أن يترك عمله أجاب: "ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس"، فنفاه إلى قرية صحراوية تسمى خفرو Cephrs، هناك استطاع أن يبشر بين الوثنيين بالرغم مما عاناه من اضطهادات. فاضطر الوالي أن ينفيه إلى صحراء ليبيا في Collutho. لم يقف عمله هناك على عقد اجتماعات، والكرازة بالمسيحية بين الوثنيين، بل أجهد نفسه في خدمة كنيسته بالإسكندرية (بالرسائل) ليحفظ الخدمة. 3. حدثت أيضًا اضطرابات جديدة، إذ هوجمت مدينة الإسكندرية من الجنوب بواسطة قبائل بربرية. كذلك أعلن والي مصر إميلينوس في الإسكندرية نفسه إمبراطورًا. فنشبت حرب مدنية انتهت بأسره بواسطة القائد الروماني ثيؤدوتيوس الذي أرسل المتمرد مقيدًا إلى روما. خلال هذه الحرب دُمرت المدينة، وحلّت مجاعة، وانتشرت الأوبئة. تحدث البابا عن هذه الاضطرابات في رسالته الفصحية الدورية عام 263م جاء فيها: "قد يبدو أن الوقت غير مناسب للعيد... فنحن لا نرى إلا الدموع، الكل ينوح، والعويل يسمع كل يوم في المدينة بسبب كثرة الموتى... بعد هذا حلّت الحرب وحدثت المجاعة. تحملنا هذين الأمرين سويّا مع الوثنيين... لكننا فرحنا بسلام المسيح الذي وُهب لنا نحن وحدنا. كان أكثر الأخوة أسخياء جدًا في محبتهم الزائدة وعطفهم، فازدادت رابطتهم مع بعضهم البعض، فكانوا يفتقدون المرضى بغير تخوّف، ويخدمونهم بصفة مستمرة. يخدمونهم في المسيح. أما الوثنيون فكانوا ينفرون من المرضى ويطرحونهم في الشوارع بين أموات وأحياء!" 4. في نهاية كل اضطهاد كان البابا ديونيسيوس يواجه مشكلة المرتدّين. كان يضمهم، بل غالبًا ما كان يمنع إعادة معمودية حتى الهراطقة أو المنشقين الراجعين (مع أن الكنيسة فيما بعد لم تستقر على ذلك). 5- مركز ديونيسيوس العظيم مع قدرته وعلمه واعتداله الممتاز جعله موضع التماس أن يتدخل غالبًا في كل الصراعات الهامة التي ثارت في الكنيسة في أيامه. ففي الانقسام الخاص بنوفاتيوس الذي سيم على كرسي رومًا بطريقة غير شرعية، التجأت جميع الأطراف إليه، كما انشغل بهرطقة نيبوس أسقف أرسينو بالفيوم، وسابليوس أسقف بتولمايس (المدن الخمس الغربية) وبولس السموسطائي. وساطته بين كبريانوس واسطفانوس كان القديس ديونيسيوس رجلاً كنسيًا هامًا، له عمله حتى خارج نطاق إيبارشيته. كمثال توسط في النزاع الحاد الذي قام بين كبريانوس أسقف قرطاجنة وإسطفانوس أسقف روما، وذلك بخصوص معمودية الهراطقة. فبالنسبة لكبريانوس معمودية الهراطقة والمنشقين باطلة، لأنهم خارج الكنيسة، ولا خلاص خارج الكنيسة، فإنه لا يستطيع أحد أن يتخذ الله أبًا له إن لم تكن الكنيسة هي أمه. فالتائب، في الحقيقة، لا تُعاد معموديته، إنما يُحسب أنه يتقبل المعمودية للمرة الأولى، أما معموديته السابقة فهي باطلة كأن لم تكن. أما إسطفانوس أسقف رومية فقد رأى أن كل معمودية تتم باسم الثالوث القدوس صحيحة حتى إن تمت بيد هراطقة، فلا تُعاد معمودية الراجعين إلى الكنيسة من الهراطقة إنما يُكتفي بوضع الأيدي والصلاة عليهم. وقد ساعد على اشتعال النار ظهور بدعتين: 1. بدعة نوفاسيتوس الأسقف الروماني الدخيل القائل بعدم قبول توبة جاحدي الإيمان ووجوب إعادة الذين تعمدوا بيد هراطقة بل وعماد الأرثوذكس الذين تساهلوا في قبول الهراطقة التائبين... وكان لذلك رد فعل عكسي في روما، الأمر الذي سبب وجود فريقين في روما فكتب كهنة روما إلى كبريانوس يسألونه فأجابهم: "إن المعمّدين بيد هراطقة هم وحدهم يجب إعادة معموديتهم، أما الذين قبلوا الإيمان من الكنيسة الأرثوذكسية فعمادهم صحيح. كما قال: "وأما مسألة جاحدي الإيمان التائبين فلا يخص كنيسة روما منفردة، إنما يلزم أن تحكم فيها الكنائس مجتمعه". 2. بدعة فيلكينوس الذي علّم بالصفح عن الذين جحدوا الإيمان بمجرد شفاعة المعترفين عنهم، الأمر الذي أدى إلى رخاوة زائدة. وفى عام 253م إذ سيم إسطفانوس أسقفًا على روما شدّد في منع إعادة معمودية الهراطقة وخاطب فرميليانوس أسقف قيصرية بذلك. وإذ لم يستجب الأخير لطلبه عقد مجمعًا عام 254م قطع فيه فرميليانوس ومن وافقه من أساقفة كيليكية وغلاطية. لما هدد كبريانوس بالقطع لأنه كان متشددًا في ضرورة إعادة معمودية الهراطقة والمنشقين عقد كبريانوس مجمعًا عام 255م حكم بضرورة عماد الهراطقة ومن تعمد على أيديهم... وأرسل قرار المجمع لإسطفانوس، جاء فيه: "كل رئيس روحي حرّ في سياسة كنيسته، لأنه يقدم حسابًا عن أعماله للرب". أما إسطفانوس فكتب إلى أعضاء المجمع يهددهم بالقطع إن لم يذعنوا لإرادته. كتب كبريانوس رسالة إلى بومبيوس أحد أساقفة أفريقيا ضد إسطفانوس، جاء فيها: "لا تجد مثل هذا القرار في الإنجيل أو في الرسائل أو في أعمال الرسل..." بعث أساقفة أفريقيا رسالة أخوية إلى الأسقف إسطفانوس يدعوه للاتحاد معهم، فلم يقابل حاملي الرسالة ولا سمح لهما بمأوى، وبعث إليهم رسالة يلقب فيها كبريانوس "الرسول الغاش والنبي الكذاب". فرد كبريانوس برسالة أخوية إلى أساقفة أفريقيا يقول فيها عن إسطفانوس "صديق الهراطقة وعدو المسيحيين"، كما قال: "إن هذا الأسقف الضال إسطفانوس دل برسالته على جهله وغباوته". وكاد الشقاق يتزايد ويستفحل لولا تدخل البابا ديونيسيوس الذي كتب رسالة إلى الأسقف إسطفانوس يظهر كيف اتحدت الكنائس في الشرق وأن الكل بفرح متفقون في الرأي، طالبًا منه ألا يسبب شقاقًا. وقد رأى البعض مثل Wand أن ديونيسيوس قد شارك إسطفانوس رأيه لكنه لم يشاركه عنفه وحدته، فحاول التوسط بين الطرفين. إن كان قد قرر ألا يعيد معمودية الهراطقة والمنشقين لكنه لم يقطع علاقته بالكنائس التي تعيد المعمودية، حاسبًا أن الأمر يترك لكل كنيسة. وفى كتاب "الخريدة النفيسة في تاريخ الكنيسة" للأسقف إسيذورس قصة تظهر تخوّف ديونيسيوس من إعادة المعمودية خاصة إن كان الشخص قد أعتاد على التناول من الأسرار الإلهية في الكنيسة الأرثوذكسية. فإنه بعد نياحة الأسقف إسطفانوس واجه البابا ديونيسيوس مشكلة وهي أن مؤمنًا من الإسكندرية جاءه يبكي بمرارة متوسلاً إليه أن يعيد معموديته، لأنه كان قد تعمّد بيد هراطقة منذ زمن طويل واعتاد التناول من الأسرار المقدسة في الكنيسة بعد توبته. لكنه كان قلقًا للغاية. أما القديس ديونيسيوس فلم يجسر أن يعمّده لأنه كان يشترك في التناول في الكنيسة. لكنه تحت ضغط القلق الشديد والبكاء المستمر كتب إلى أخيه سكستوس أسقف روما يطلب رأيه. على أي الحالات يليق بنا أن ندرك بأن الكنيسة في الشرق والغرب استقرت على رأى القديس كبريانوس، أي اعتبار معمودية الهراطقة والمنشقين غير قائمة. مع نيبوس أسقف أرسينو في رحلته الرعوية لمدن إيبارشيته التقي البابا بنيبوس أسقف أرسينو بالفيوم، الذي استخدم سفر رؤيا يوحنا في تأكيد آرائه في الملكوت الألفي المادي بطريقة يهودية، فيه يأتي السيد المسيح على الأرض ليملك كأحد الملوك. في كتاب له يرفض فيه التفسير الرمزي لأوريجينوس A Refutation of the Allegorists. دعا البابا مجمعًا محليًا في أرسينو وأوضح للأسقف وأتباعه كيف أن ملكوت الله روحي، وأن المؤمنين لا يترجون أي ملكوت زمني أو ملذات أرضية، وكان يتحدث معهم بروح الحب في وداعة فاقتنعوا بكلماته. وإذ عاد إلى الإسكندرية كتب البابا كتابين عن "المواعيد" جاء فيهما: "إنه ليسعدني أن أصف ما رأيته من إخلاص أبنائي أهالي أرسينو ومحبتهم وذكائهم. فقد تبادلنا الآراء بصبرٍ وجلدٍ، ولم ندع صغيرة أو كبيرة إلا وبحثناها بحثًا مستفيضًا. ومما يسرني أن أبنائي حين وقفوا على ما هم فيه من خطأ أعلنوا ذلك جهارًا في غير حياء ولا تردد. وفى طليعة المعترفين بخطئهم كوراسيوس الكاهن الذي أقام المثل الحي الدال على إخلاصه للحق. كما يسرني ما بدا من أبنائي أهل أرسينو إذ نسبوا نقضي للبدعة الألفية إلى إخلاصي الأبوي". وبعد تفسيره الإصحاح العشرين من سفر الرؤيا أشار إلى مواعيد الله لشعبه، ثم ذيل الرسالة بمدحه للأسقف نيبوس قائلاً: "إنني أحب نيبوس وأمتدحه، لأنه يسعى بكل جهده للوقوف على الحقيقة. وأمتدحه أيضًا للترانيم الروحية التي وضعها ليترنم بها الشعب في حفلاته. غير أن محبتي للحق تفوق محبتي لنيبوس، لذلك بادرت إلى دحض بدعته لإرشاده وإنارته". حقًا كم كان تاريخ الكنيسة قد تغير لو أن كل الصراعات عولجت هكذا بالروح الهادئ اللطيف؟! مع الهرطوقي سابيفيوس جاء إلى مصر رجل من روما ينشر بدعة تسمى "مؤلمي الآب"، يعتقد أصحابها بأن الله أقنوم واحد، وهو الذي كفّر عن خطايا البشر... بهذا يكون الآب قد تألم... قاوم البابا هذا الضلال، وأرسل منشورًا إلى الأسقفين أمونيوس وأفراندر، كما حرّم سابيليوس في مجمع عقده عام 261م بعد أن فنّد تعاليمه الفاسدة. التجأ أتباعه إلى الأسقف الروماني ديونيسيوس الذي كان شابًا قليل الخبرة، فعقد مجمعًا حرّم فيه بابا الإسكندرية وأرسل إليه يخبره بالحكم ويسأله إن لديه ما يدافع به عن نفسه. لكن بابا الإسكندرية بحكمته بعث برسالة أوضح فيها ما عسر عن فهم الأسقف الروماني، فاستراح الأخير إليها. وقضت الرسالة على ما يسميه المؤرخين "نزاع الديونيسيين"، وشعر الروماني بتسرعه فاحترم الإسكندري، ووقف بجانبه في دحض بدعة بولس السومسطائي أسقف إنطاكية. كتاباته كتب الكثير، لكن للأسف لم يبقَ إلا شذرات حُفظت خلال كتابات يوسابيوس وأثناسيوس وغيرهما. وكما يقول Neale: "فقدان كتابات ديونيسيوس هي إحدى الخسائر العظمى التي لحقت بالتاريخ الكنسي". يتجه في كتاباته إلى الجانب العملي مع أسئلة خاصة بالتعاليم. رسائله تظهر أنه قام بدور إيجابي في المناقشات العقيدية في عصره. 1.عن الطبيعة. 2.عن المواعيد. 3.تفنيد ودفاع. 4.رسائله. القمص تادرس يعقوب ملطي: آباء مدرسة الإسكندرية الأولون. |
||
الأب بيريوس Pierius مدير مدرسة الإسكندرية في القرن الرابع في عهد البابا ثاؤنا وكان كاهنًا مثقفًا، مفسرًا ممتازًا لكلمة الله وكارزًا، يقول عنه المؤرخ يوسابيوس: "اشتهر بفقره الشديد مع غزارة علومه الفلسفية. كان عميقًا في التأملات الروحية، مجاهدًا في تفسير الروحيات والمباحثات العلنية في الكنيسة". يدعوه القديس جيروم: "أوريجينوس الصغير". وهو معلم الشهيد بمفيليوس المعجب بالعلامة أوريجينوس والكاهن والمعلم اللاهوتي في قيصرية فلسطين. نشر مقالات كثيرة في مواضيع متنوعة. له مقال طويل عن هوشع النبي، كما كتب عن "إنجيل القديس لوقا"، "والدة الإله"، "حياة القديس بمفيليوس". قيل إنه استشهد، لكن الرأي الغالب انه احتمل عذابات كثيرة في عهد الإمبراطور دقلديانوس دون أن يستشهد، وأنه قضى أيامه الأخيرة في روما. يعيد له الغرب في 4 نوفمبر. القمص تادرس يعقوب ملطى: آباء مدرسة إسكندرية الأولون، 1980، ص 289. |
||
مدير مدرسة الإسكندرية وُلد القديس ديديموس حوالي عام 313م، وفقد بصره في الرابعة من عمره. فلم يتعلم القراءة في مدرسة، وإنما بسبب ولَعِه بالتعلم اخترع الحروف البارزة بالنحت ليقرأها بإصبعه. بهذا سبق برايل بخمسة عشر قرنًا في استخدام الحروف البارزة للعميان. حفظ الكتاب المقدس والتعاليم الكنسية عن ظهر قلب، كما نبغ في النحو والبيان والفلسفة والمنطق والرياضة والموسيقى. شهد عنه القديس جيروم: "تعلم الهندسة أيضًا التي تحتاج إلى النظر أكثر من غيرها فكان أعجوبة كل ناظر إليه، وذاع اسمه في كل مكان". بعد نياحة مقاريوس مدير مدرسة الإسكندرية لم يتردد القديس أثناسيوس في تسليمه مسئولية التعليم بإقامته مديرا للمدرسة (346-398م). تتلمذ على يديه أو على كتاباته كثيرون منهم القديسين غريغوريوس النزينزي وجيروم وروفينوس وبالاديوس. أشار إليه القديس جيروم كمعلمٍ له، ومدح تعليمه وشهد لأثره على الفكر اللاهوتي في الغرب والشرق كما دعاه روفينوس "النبي" و"الرجل الرسولي". مع القديس أنبا أنطونيوس كان صديقًا حميمًا للقديس أنبا أنطونيوس. إذ شرعا ذات يوم يتحدثان في الكتب المقدسة سأله أنبا أنطونيوس ثلاث مرات: "ألعلّك لا تحزن لأنك كفيف البصر؟" أخيرًا أجابه القديس أنه يحزن على ذلك جدًا، فأجابه القديس: "إني متعجب لحزنك على فقدانك ما تشترك فيه مع أحقر الحيوانات كواسطة للإحساس إذ ليس لديها ما تحس به غير البصر (المحسوس)، ولا تفرح متعزيًا لأن الله وهبك بصيرة أخرى لا يهبها تقدس اسمه إلا لمحبيه. أعطاك عينين كأعين الملائكة تُبصر بهما الروحيات، بل وبهما تدرك الله نفسه، ويسطع نوره أمامك، فيزيل كل ظلام في قلبك…" فتعزى القديس بهذا القول كل أيام حياته. وقد نقل ذات الفكر القديس جيروم عندما بعث رسالة تعزية لراهبٍ ضريرٍ. نسكه اجتذب القديس ديديموس معاصريه لا بعلمه فحسب وإنما بنسكه أيضًا، فغالبًا ما عاش كمتوحدٍ. زاره القديس أنبا أنطونيوس عدة مرات، كما زاره القديس بالاديوس أربع مرات في فترة عشر سنين، وقد روى عنه قصتين: 1. مرة إذ طلب مني أن أصلي في قلايته ولم أُلبِّ طلبه روى لي هذه القصة: دخل أنطونيوس هذه القلاية للمرة الثالثة لزيارتي، وإذ سألته أن يصلي ركع في الحال ليصلي ولم يضطرني إلى تكرار الطلب، مقدمًا لي مثلاً في الطاعة. والآن إن كنت تود أن تقتفى آثاره، كما يبدو عليك، إذ تعيش في خلوة بعيدًا عن الأهل طالبًا الفضيلة، فأبعد عنك روح المقاومة. 2. أخبرني أيضًا الآتي: ذات يوم بينما كنت أفكر في حياة الشقي يوليانوس الإمبراطور، وفى كونه مُضطهِدًا، اضطربت للغاية حتى إني لم أذق خبزًا إلى ساعة متأخرة في المساء، وإذا بي أرى خيولاً بيضاء تجري، وكان راكبوها يهتفون قائلين: قولوا لديديموس أن يوليانوس قد مات اليوم الساعة السابعة. قمْ وكلْ، وأرسل إلى أثناسيوس الأسقف لكي يعرف هو أيضًا ما قد حدث. واستطرد يقول: "وقد دونت الساعة واليوم والشهر، واتضح لي ما قيل أنه صحيح. دفاعه عن أوريجينوس نشر دفاعًا عن كتاب "عن المبادئ De Principiis"، لأوريجينوس. فيه أظهر خطأ الذين يتهمونه بالضلال، معتبرًا إيّاها مجرد أوهام لا قيمة لها، إذ يقول: "الذين يتهمون أوريجينوس بالهرطقة هم عديمو الفهم، ليس لهم قدرة على إدراك الأفكار العالية والحكمة الغامضة التي امتاز بها ذلك الرجل العظيم الذي يعد من النوابغ المشهورين". ضد آريوس قال سقراط المؤرخ: "كان ديديموس عند الناس حصنًا منيعًا وسندًا قويًا للديانة المسيحية حتى قبل أن يتولى رئاسة المدرسة اللاهوتية، ويُحسب خصمًا عنيدًا كسر شوكة اتباع آريوس وأذلهم في مناظرته معهم". كتاباته أعماله التفسيرية: يقول بالاديوس أنه فسر العهدين القديم والجديد كلمة كلمة. وذكر جيروم أنه وضع تعليقات على أسفار المزامير وأيوب وإشعياء وزكريا الخ. وأشار كاسيدوروس Casiodorus أن له تعليقات على سفر الأمثال. وفى بردي الطور بمصر التي اكتشفت عام 1941م وُجدت مقتطفات مطوّلة لتفاسيره على التكوين وأيوب وزكريا. عن الثالوث: يقع هذا العمل في ثلاثة كتب، وضعها ما بين عام 381 و392، لا تزال موجودة، لأنها لم تحمل اتجاهًا أوريجانيًا. عن الروح القدس: الأصل اليوناني مفقود، لكن الترجمة اللاتينية للقديس جيروم موجودة. ضد اتباع ماني: يتكون هذا العمل من 18 فصلاً صغيرًا، موجود باليونانية. أعمال أخرى: في عمله "عن الثالوث" أشار القديس إلى عمل آخر من وضعه يُسمى "الكلمة الأول". كما يشير إلى مقاله Sanctorum Voluman في عمله عن "الروح القدس 5:12. وجاء في سقراط أن ديديموس خصص عملاً للدفاع عن كتاب أوريجينوس "عن المبادئ". ويشير الأب يوحنا الدمشقي إلي عملين آخرين للقديس هما "عن الفلسفة" و"التجسد". كما حفظت له بعض الأعمال تحت أسماء آباء آخرين. الثالوث من يتصل بالروح القدس يتقابل حالاً مع الآب والابن. ومن يشترك في مجد الآب يكون له هذا المجد من الابن بالروح القدس. فقد اتضح أنه في كل شيء توجد عملية واحدة بذاتها للآب والابن والروح القدس. (عن الروح القدس 17) لاهوتي الروح القدس لم يكتفِ بتخصيص الكتاب الثاني من "الثالوث" للحديث عن الروح القدس، وإنما وضع كتابًا خاصًا عن الروح القدس، وقد لُقب بلاهوتي الروح القدس. أكد مرارًا وتكرارًا أنه الخالق وليس مخلوقًا. كما تحدث عن انبثاقه من الآب وحده. ينبثق الروح القدس من الآب ويستقر إلهيًا في الابن. (عن الروح القدس 1: 3) من المستحيل لأي واحد أن يطلب نعمة الله إن لم يكن لديه الروح القدس الذي فيه يتضح أن كل عطايا الله متضمنة فيه. (عن الروح القدس 9). يجددنا الروح القدس في المعمودية بكونه الله، وبالاتحاد مع الآب والابن يردنا من حالة التشويه إلى حالة الجمال الطاهر. وهكذا يملأنا بنعمته فلا نعود نستطيع أن نفتح مجالاً لأي شيء لا يتأهل مع محبتنا. إنه يحررنا من الخطية والموت وأمور الأرض، ويجعلنا بشرًا روحيين شركاء في المجد الإلهي، أبناء الله الآب وورثة له. يُشكّلنا علي صورة ابن الله، ويجعلنا شركاء معه في الميراث واخوته، نحن الذين نتمجد معه ونملك معه. يهبنا السماء عوض الأرض، ويمنحنا الفردوس بيدٍ سخيةٍ، ويجعلنا أكثر كرامة من الملائكة، ويطفئ بمياه جرن المعمودية الإلهية نيران جهنم التي لا تًطفأ. (عن الثالوث 12:2). القمص تادرس يعقوب ملطي: آباء مدرسة الإسكندرية الأولون. |
||
المسابقة ـ أى العبارت الآتية صواب وأيهم خطأ. مع كتابة الصواب لو كانت العبارة الخاطئة ( ) ـ كان برنامج مدرسة الاسكندرية المسيحية لاهوت فـقط. ( ) ـ أوريجانوس كان من عمداء مدرسة الاسكندرية وتم اختياه بطريركاً. ( ) ـ أثينا غوراس قرأ الكتاب المقدس ليهاجم منه المسيحية فصار مدافعاً عنها. ( ) ـ بابا روما هو أول من أطلق عليه كلمة "بابا" ( ) ـ مارمرقس هو مؤسس مدرسة الاسكندرية. ( ) ـ بنتينوس هو الذى أدخل الأبجدية القبطية مستخدما الحروف اليونانية. ( ) ـ أوريجانوس هو "أبو الفلسفة المسيحية الاسكندرية" ـ أكتب لماذا أنشأت الكنيسة مدرسة الاسكندرية؟ ـ ما الفوائد التى قدمتها مدرسة الاسكندرية للمسيحية والمسيحيين. (أذكر ثلاثة) ـ من هو أـ كان من مذهب الصابئة يعبد الكواكب ويحب القراءة فقادته القراءة إلى رسائل بولس الرسول فأصبح مسيحى. ب ـ عميد مدرسة الاسكندرية وذهب للهند للكرازة وأحضر معه إنجيل متى بخط يد متى الإنجيلى .ج ـ سبق "برايل" بخمسة عشر قرنا فى اختراع الحروف البارزة كى يتمكن من القراءة. د ـ دارس وكاتب ومفسر للكتاب المقدس ترك بلبة شديدة فى الكنيسة بسببه حتى بين الرهبان سببت انقسامات ومتاعب. هـ ـ تنيح فى 8 كيهك وكان لقبه بابا الاسكندرية، وكان محبوبا جدا من الشعب. |
||
|