بداية الحملة ضد علماء الأزهرالجامع الأزهر في مصر هو أحد معاقل الإسلام التي تصدت طويلاً لقوى الجهل الداخلية وقوى الاحتلال الأجنبية المعتدية .. ويبدوا هذا أوضح ما يكون أثناء الحملة الفرنسية على مصر بقيادة نابليون بونابرت على مصر عام 1798م .
فإذا تأملنا نظرة نابليون بونابرت تجاه الأزهر كصرح للثقافة الإسلامية في مصر والعالم الإسلامي ربما نجد تفسيراً للنظرة التي تبناها بعض صانعي الأفلام المصرية تجاه الأزهر، فمما أورده المؤرخ جـ. كريستوفر هيرولد من تصريحات بونابرت في منفاه “ أن الأفكار الدينية كانت على الدوام مسيطرة على الشعب المصري “ وقال: “ الأزهر، هو المركز الوحيد الذي يستطيع أن يضرب للناس المثل فيقتدي به الرأي العام في العالم الإسلامي”. كما كان بونابرت يشكو ـ بلهجة تغلب عليها المرارة ـ من المواعظ العدائية التي يلقيها الأئمة في المساجد في صلاة الجمعة، وكتب لكليبر يقول : “علينا أن نهدهد التعصب حتى ينام قبل أن نستطيع اقتلاعه”. لقد أدرك نابليون ـ ومن بعده كل القوى المناوئة للإسلام ـ أهمية الأزهر وقدرته على إفشال مخططاتهم في ميدان الاختراق الثقافي والعسكري، فبينما كان قادة الحملة الفرنسية يعتقدون أنهم قضوا تماماً على المقاومة الشعبية فوجئوا بثورة شعبية يقودها الأزهر يوم الأحد 21 أكتوبر 1798م، يرجعها هيرولد إلى ما يسميه “ تحريض المتعصبين من الزعماء الدينيين، كما كانت فرمانات السلطان سليم التي تدعو جميع المسلمين إلى الجهاد ضد الفرنسيين ـ تدخل مصر ويقرؤها الأئمة علناً في المساجد .. كما كان المؤذنون يحضون الناس على الثورة ـ من قمم المآذن ـ خمس مرات في اليوم”، أما العناصر المجاهدة حقاً فهم الغلاة في الدين كالأئمة وطلاب الأزهر، وتم إجهاض الثورة وأعدم العشرات من علماء الأزهر، إلا أن نابليون قد علق على هذا الحادث بعد ذلك بعشرين عاماً بقوله : (كانوا قوماً ذوي تفكير عنيف متطرف). تلك المقولة التي ستتردد كثيراً فيما بعد في الخطاب السياسي والإعلامي في مصر. وإذا كانت سياسة العنف الفرنسية لم تفلح مع الأزهر فإن الاحتلال الإنجليزي لمصر جاء عام 1882م ومعه خططه الباردة “ فقد عين كرومر القسيس (دنلوب) مستشاراً لوزارة المعارف فأصبح في يده السلطة الفعلية الكاملة في وزارة المعارف المصرية الإسلامية، وجاء (دنلوب) ليضرب الأزهر ولكن بغير حماقة نابليون… فترك الأزهر على ما هو عليه ولم يتعرض له إطلاقاً، ولكنه بالأسلوب البطيء الأكيد المفعول فتح مدارس جديدة تعلم العلوم الدنيوية ولا تعلم الدين إلا تعليماً هامشياً هو في ذاته جزء من خطة إخراج المسلمين من الإسلام، وقال الناس - على البديهة - إن هذه المدارس “مدارس كفر” لأنها لا تعلم القرءان، ولكن مدارس الكفر هذه أصبحت بتدبير دنلوب هي الوسيلة للرزق من ناحية وللمكانة الاجتماعية من ناحية أخرى، بعد أن كان الانتساب للأزهر فيما مضى شرفاً تتسابق إليه الأسر، فقد كان الأزهر مرتبطاً في حس الناس بالإسلام، وكان رمزاً حياً له في ضمائرهم، ومن ثم كان اعتزازهم به وتوجههم إليه، كانت لخريجيه تلك المكانة في المجتمع الإسلامي، أما الآن ـ ومنذ عهد دنلوب ـ فقد تغير الحال تماماً. عودة للصفحة الرئيسية |
فصل من كتاب: الاختراق الثقافي في السينما المصرية- تأليف الإذاعي/ مجدي صلاح أبوسالم |