في مدينة الكويت على ضفاف الخليج, ولد شاعر الخليج الكبير الأستاذ المرحوم خالد الفرج سنة 1316هجري. و أول من أطلق عليه لقب شاعر الخليج هو الأستاذ محمد علي طاهر صاحب جريدة (الشورى) ولم يكن في الخليج من يضاهيه حينذاك من الشعراء.

            نشاء الشاعر في بيت موفور النعمة و  الجاه , و تهيأت له أسباب الدرس و التحصيل التي حرم منها أقرانه. فتلقي دروسه الأولى في الكتاب ثم لما ظهر عليه بوادر النبوغ و استبان أهله لهفته الصادقة في تلقي الدروس , وفروا له من الكتب و المدرسين الخصوصيين الأكفاء من قاموا على تعليمه و تنشئته تنشئه عالية. و عند افتتاح مدرسة المباركية التحق بها و اخذ يتخطى كل صفين بسنه واحدة, ولم يكن في المدرسة غير ستة صفوف فقط, وقد دعت الحاجة إلي ترشيح بعض الطلبة ليقوموا بمهنة التدريس, فكان خالد الفرج هو أول من درس التلاميذ في المدرسة. و انكب في هذه الإثناء على متابعة الدراسة بنفسه و التنقيب في بطون الكتب و أمهات المراجع في الثقافة العربية فجنى العلم الوافر و تزود بالثقافة الواسعة مع ما كان له من ذكاء وافر و غريزة ملحة تواقة لحب الاستطلاع.

وفي سنة 1341 هجري. غادر الكويت إلى مدينة بومبي شأن الكويتيين الذين يذهبون إلي الهند للتجارة. فطاب له المقام هناك, فستقر و اشتغل كاتبا عند أحد التجار الكويتيين و اخذ يتعلم اللغة الإنجليزية, و اللغات الهندية, فتعرف على ادب الهنود و طبائعهم. و أسس مطبعة سماها (المطبعة العمومية).

 

            وفي سنة 1341 هجري. زار البحرين لبعض المهام, فأعجبته بأدبها و نهضتها الفكرية, فاستضاف حماها و غرم بها. و صادف وجود (الدواسر) وهم أبناء قبيلته و أصله الذي ينتمي إليه في مساكنهم في (البديع), فاحلوه ضيفا عليهم. و لقد كانت حياته الأدبية في البحرين غنية ثرة, لتوفر الحرية له و انبساط باله هناك فشارك في مجال النهضة الفكرية بها, و كان وهو في الهند على اتصال ببعض الصحف العربية في مصر و غيرها, و قد استطاع أن يقنع المرحوم أمين الرفاعي صاحب جريدة (الأخبار) المصرية لفتح صدر جريدته لنشر أعمال الإنجليز في البحرين و الخليج العربي, وقد كتب الشاعر مقالات عن مساوئ الاستعمار الإنجليزي وندد به و لما توفي أمين الرفاعي في رجب سنة 1346 هجري. رثاه الشاعر بقصيدة تدل على الأسى العميق و جلل المصاب في وفاته و أثرها على الشرق العربي و الخليج بخاصة:

نشر الحزن على الشرق سحابــا            يمـلأ الأنفـس همـا و اكتئابــا

نكبـات تتـوالـى فــوقـه             لـو أصابت قاسـي الصخر لذابـا

شيعت مصر (أمينـا) مخلصــا              قط مـا ساوم في المحق و حابــى

لو درى كامـل عـن مقدمـه               لنضى الأكفـان عنـه و الترابــا

 

                    إلى أن يأتي على ذكر جريدة (الأخبار) .

 

واذكر (الأخبـار) نبراس الـهدى             حين تنقض عـلى الظلم شهابــا

أرجفـت مـن (مصر) في تقريعها           (طاغي البحرين) نقدا و احتسبـا(1)

حجبـوها حقبـة عـن أمــة             أفسحت فيها لشكواهـا الرحابــا

وغـدوا في منعهــا عنا كمـن            كلف الشمس ضحى الصحو احتجابا

 

 (1)هو الميجر ديلي الذي قلب نظام الحكم في البحرين و قبض على كافة السلطات بيد من حديد.

            لقد انس الشاعر بالبحرين كما أنست به, فأشاد بأمجادها التي هي أمجاده و أمجاد آبائه العرب الأولين ولم ينس الشاعر أن يسجل كرم ضيافتها و جميل احتفائها به فقال :

 

يا درة وسـط الخليج تـلألأت               و زهت عليه بنـورهـا الوقـاد

الدر من حصبائها و التبر مـن                أمـواههـا و الـمجد في الأولاد

تلقى النـزيل بمثل شهد نخيلها                 و تضمـه بالصـدر و الاعضـاد

 

            إلي أن يقول ممتدحا حاضرها المجيد المرتبط بماضيها العتيد :

           

و المجد فيهـا شـامخ متقـدم               (لثمود) يرجع عصره أو (عـاد)

في كل شبر قلعـة أو مسجـد               خذيك ظاهـرة و ذلك بـادي

و بكل يـوم طـود مجد قائـم              مجـد طريف فـوق مجـد تلاد

 

 

            و لا شك إن البحرين جديرة بكل هذا التمجيد و هذا النشيد. لقد غمرته بعطفها و سكبت عليه من جميلها بما لم يدر له في حساب, و ما استعبد الإنسان كالإحسان. قربه حاكمها الشيخ عيسى بن على آل خليفة و اجزل له العطاء. و صار أستاذا في مدرسة (الهداية الخليفيه) : و عين عضوا في نفس الوقت في المجلس البلدي للبحرين, و كانت صلته بزعمائها و أحرارها قويه متينة, ثم فوق ذلك أليس البحرين جزءا من الوطن العربي الذي آمن به و كفر بـحدوده المصطنعة إذن فواقع البحرين واقعة و ماضيها ماضية, و ليس من حرج عليه إن شاركها آلامها و أشاد بماضيها و أحلامها ففي قصيدته التي بعث بـها من البحرين سنة 1345 إلى الشاعر الكويتي عبد الطيف النصف لدليل متين على رسوخ العقيدة القومية في نفسه و روحه, فالعرب أمة واحدة و كل لا تتجزأ.

 

عرج بنا نـحو الخيـال فانـه                رحب المـجال لذيذ خـطراته

هل في الجزيرة غير شعب واحد                قد مزقت بيدي العدى وحداته

           

                        نعم ليس للجزيرة غير شعب واحد ولكن.

 

من لي (ببسمرك) يضم صفوفه                 وعليه تجمـع نفسها أشتاتـه

فيعيد من هذى المماليك وحدة                 والعلم تـخفق فوقها راياتـه

شعب بنو قحطان ركن أساسه                وبنـو نزار في العلى شرفاتـه

 

           وهكذا ظل في البحرين لا يزور الكويت إلا لاما ولكن أيام السرور كما يقولون قـصار, ففي سنة 1345 هجري (1927 ميلادي). قام الميجور ديلي بانقلاب على الشيخ عيسى بن على آل خليفة و قبض على كافة السلطات بيد من حديد, وكبت الحريات واسر زعماء البلاد و زجهم في السجون, وثارت قبيلة (الدواسر) و نزحت عن البحرين غضبا لعزل الشيخ عيسى, وسكنوا                                                                                                           الدمام في السعودية وهم أول من عمرها بقيادة زعيمهم احمد بن عبدالله الدوسري, وطلبوا من الشاعر أن يصحبهم إلى هناك, لكنه استلهمهم ريثما يزور الكويت, فجاء الكويت واستبشرت به واحتفى به أدباءها و أقيمت على شرفه حفله في 4 ربيع الأول سنة 1346 هجري فألقى قصيدته المشهورة (الغرب و الشرق) التي مطلعها:

 

 

الغـرب شـدد في هجمتـه                 والشـرق لاه بعد في غفلتـه

وكلمـا جـد بـأعمـالـه                 يستلـم الشـرق إلى راحتـه

فيجمـع الغـربي وحـداتـه                و الشرق مقسوم على وحدته

                       

                        إلى أن يصل إلى البحرين الجـريـحة فيقول :

 

وهـذه البحريـن مغلولــة                يقودها الغـرب إلي حفرتـه

قد ابعد الأحـرار عن دارهـم                و قـرب الأنذال من حضرته

 

            و في الكويت التقى به الأديب والكاتب البحاثة المرحوم السيد هشام الرفاعي, فعرض عليه أن يرحل معه إلى السعودية ليعاونه في إدارة مالية القطيف, فمانع أولا ولكنه لما علم أن الإنجليز قرروا منعه من دخول البحرين سافر إلى الدمام حيث قبيلته و أبناء عشيرته, وما أن حل الدمام حتى تلقفه رجال ابن السعود و أخذوه إليه, فرحب به الملك عبدالعزيز أطيب ترحيب و أكرم و فادته وولاه بلدية الاحساء, ثم القطيف. وذاع له صيت عظيم في أقطار الجزيرة فتقرب إليه الأدباء و الشعراء و أصحاب الأمر فيها, و كان ممن تودده و مال إلى صحبته الشيخ عبدالله ابن سليمان وزير المالية, و لقد أغدق هذا الوزير على الشاعر مالا كثيرا و طلب منه أن يشرف على الإذاعة السعودية, فقام بتنسيقها والإشراف على برامـجها ثم عاد إلى إدارة دار بلدية القطيف. غير انه تحت الإلحاح الشديد من قبل ابن سليمان اخذ يذيع من دار الاذاعه بعض المحاضرات. ثم استقال من منصب مدير بلدية القطيف و استقر في مدينة الدمام أسس فيها مطبعة سماها (المطبعة السعودية), و قبل وفاته بسنتين انتقل إلى دمشق, و في ربيع الثاني عام 1374 هجري 1954ميلادي توفاه الله في لبنان على اثر قرحه في المعدة.                                                  

                                                                

 

 

1