تنبيهات
هامة بمناسبة
عام 2000م
جمع
وإعداد
عبد
الرحمن بن عبد
العزيز
السديس
إمام جامع
القرآن بمكة
ص ب : 13105
نهاية العالم | ||||
بسم
الله الرحمن
الرحيم
إن الحمد لله،نحمده ونستعينه ونستغفره،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا
وسيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له،ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله
وصحبه
وسلم وبعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها،وكل
محدثة
بدعة،وكل
بدعة
ضلالة،وكل
ضلالة في
النار.
} يا أَيهَا الذِينَ ءامَنُوا اتقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُن إِلا وَأَنتُم
مسلِمُونَ {
[
آل عمران : 102 ].
} يَا أَيهَا الناسُ اتقُوا رَبكُمُ الذِي خَلَقَكُم من نفسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنهَا زَوجَهَا
وَبَثَّ مِنهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتقُوا اللهَ الذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأرحَامَ
إِن
اللهَ كَانَ
عَلَيكُم
رَقِيباً {
.
} يا أَيهَا الذِينَ ءامَنُوا اتقُوا اللهَ وَقُولُوا قَولاً سَدِيداً. يُصلِح لَكُم أَعمَالَكُم
وَيَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزاً عَظِيماً { [
الأحزاب
: 70-71] .
أما بعد : فإن هناك ترقباً واحتفاءً بحلول عام 2000م من قِبل الأصوليين
اليهود والإنجيليين النصارى حيث يعتمدون على نصوص من العهد القديم
والجديد مثل ما جاء في الإصحاح العشرين من رؤيا يوحنا اللاهوتي في العهد
القديم ( أن المسيح سيعود نهاية ألف سنة ) واليهود يعتقدون:أن مسيحهم
المنتظر ( ملك السلام ) لن يخرج إلا إذا أقيم الهيكل الثالث مكان المسجد
الأقصى . والنصارى يدعِّمون ذلك لأنهم يعتقدون أن الهيكل منطلق دعوة
عيسى عند نزوله مع بدء الألفية الثالثة كما كان منطلق دعوته في المرة
الأولى.
وفي داخل إسرائيل الآن120 جماعة متطرفة من منظور إسرائيل نفسها منها 25
جماعة متخصصة لبناء الهيكل .
ومن أمثلته ما يروونه ويكثرون الحديث عنه من قيام المعركة الكبرى هرمجدون
(وهي المعركة الأخيرة ويعتقدون أنها ستكون بين الإنجيليين والمسلمين ) .
ومن أمثلته أيضاً: الاكتشاف الأخير في شهر أكتوبر من عام1997 حيث تم
الإعلان عن ميلاد بقرة حمراء مطابقة للمواصفات الواردة في التوراة ، وهي
إشارة من الربِّ وبعدها يبدءون فورًا في البناء، حيث تنبأ بذلك أنبياء
بني إسرائيل . وهو معنى ما ورد في الإصحاح التاسع عشر من سفر العدد
بالتوراة،وحسب المفاهيم اليهودية لا بد أن تذبح البقرة بعد أن تتم ثلاث
سنوات
.
وهذه
المعتقدات
والنصوص التي
تدل عليها
عندهم لا تخلو
من أحد أمور:
إما أنها مما لم يحرف، ولكنها لا تدل على ما يريدون بل أخطئوا في فهمها،ولم
يصيبوا
مراد الله أو
رسوله فيها.
أو أنها مما حُرِّف وبُدِّل وغُيِّر فلم تعد كلام الله بل أساطير الأولين }فَوَيلٌ
للذِينَ يَكتُبُونَ الكِتَابَ بِأَيدِيهِم ثُم يَقُولُونَ هَـذَا مِن عِندِ اللهِ
لِيَشتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيلٌ لهُم مما كَتَبَت أَيدِيهِم وَوَيلٌ لهُم مما
يَكسِبُونَ{ [ البقرة : 79].([1])
أو يكونوا قد حرفوا في التطبيق على الواقع مع إصابتهم المعنى
الصحيح([2]).
ويعتمدون مع هذين الأصلين المحرفين وشروحهما من كلام أحبارهم ورؤى دانيال
عليه السلام وغيره ممن ينسبون إليهم رؤى منامية على تنبؤات المنجمين
والكهنة والعرَّافين وضاربي الودع وقارئي الكف وفاتحي المندل ، وهذا
المزيج هو التراث الفكري الذي يتحرك على ضوئه ليس عامة اليهود والنصارى
فقط بل صناع القرار فيهم في بعض الأحيان([3]).
وفي الطرف المقابل يقوم علمانيو الطائفتين بالتنديد بمعتقدات
أصولييهم والسخرية بها، والتبرم من الإجراءات والترتيبات العملية التي
يمارسها الفريق الأول؛للتهيئة للأحداث العظمى التي يعتقدون أنها مرتبطة
بعام 2000م،ويحذرون من مغبَّتها معتقدين أنها ستفوِّت عليهم مشروع
السلام الذي سيحققون من جرَّائه ما يحلمون به من ولايات شرق أوسطية،يملك
القوة الاقتصادية والعسكرية فيها إسرائيل ذات المساحة القليلة جغرافياً،
وذات النفوذ العسكري والاقتصادي الذي ينتظم جميع الدول التي تبرم معهم
اتفاق سلام أو تطبيع.
و رأى بعض العلمانيين أن قضية " البقرة" ([4]) قد تفتح باباً لدوامة من
العنف لا نهاية لها بين المسلمين واليهود داخل فلسطين، وأيضا بين
المتدينين وغير المتدينين من اليهود، وقد شعر شرائح منهم بالانزعاج
والتخوف من مضاعفات هذا الاكتشاف ونتائجه التي قد يصيبهم شرُّها
وشررها . وذلك ما أكده الصحفي الإسرائيلي " ديفيد لانرد " حيث قال : " إن
الأذى المحتمل من جانب الحديث عن ظهور البقرة، يفوق بكثير ما يمكن أن
ينتج عن الخصائص التدميرية لقنبلة نووية دينية " وذكرت صحيفة
نيوزويك في عددها الصادر في 9/5/1996م أن مدينة القدس أصبحت معقلاً
للتطرف اليهودي، وأشارت إلى أن عدد اليهود غير المتدينين الذين يغادرون
المدينة في ازدياد، حيث أصبحت المدينة مكاناً غير مقبول بالنسبة لهم،
نظرا للطابع الديني والقيود التي يضعها المتدينون اليهود على الحياة هناك
. ونقلت صحيفة " معاريف "في عددها الصادر في 14/7/1996م عن وزير
البيئة في الحكومة العمالية " يوسي ساريد " تخوفه من استسلام
العلمانيين للأمر الواقع، حيث قال : ( إنني محبط من أن جمهور العلمانيين
تركوا الساحة في الواقع في أيدي الدينيين ) .
وفي هذا السياق شكلت إسرائيل اللجنة الوزارية لشئون القدس لبحث الأخطار
المتزايدة الناجمة عن أنشطة المتطرفين والتعامل معها. نشرت جريدة الحياة
في 24/11/98م أن اللجنة الوزارية لشئون القدس التي يرأسها بنيامين
نتنياهو بحثت الأخطار المتزايدة التي قد تنجم عن شن المتطرفين اليهود
هجمات على المساجد الإسلامية، وإمكان اعتداء متشددين (مسيحيين ) على
المسجد الأقصى ومسجد الصخرة بمناسبة انتهاء الألفية الثانية . وقال "
يائير يتسحاقي " قائد الشرطة الإسرائيلية في القدس : إن أعضاء من
طائفة مسيحية من " دينفر " يطلق عليها " المسيحيون الجادون " وصلوا إلى
إسرائيل بعد أن باعوا مقتنياتهم في بلادهم متوجهين إلى إسرائيل لتنفيذ
أوامر من زعيمهم " مونت ميلر " الذي أعلن أنه سيموت في القدس قريباً جدًّا !!
وأشار الوزير الإسرائيلي إلى أن الحكومة الإسرائيلية بدأت تتعامل مع
نشاطات مثل تلك الجماعات التي تكثف نشاطها مع اقتراب عام 2000م .
وفي هذا السياق أيضاً شكَّل جهاز الشاباك الإسرائيلي (الأمن الداخلي) في
الفترة الأخيرة قسماً خاصاً يعكف على العمل ليحول دون وصول التنظيمات
السرية اليهودية إلى تحقيق مرادها في هدم الأقصى في وقت غير مناسب قد
يحرج
الدولة
اليهودية.
وفي هذا السياق تنشط الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث أصدرت قراراً برقم
25/35 في نوفمبر 1998م أعلنت بموجبه اعتبار عام 2000م (السنة الدولية
لثقافة السلام) والفترة من 2000-2010م (العقد الدولي لثقافة السلام
واللاعنف من أجل أطفال العالم) ووردت دعوة من جمعية التعاون والسلام في
مدريد بأسبانيا موجهة للطلاب والمعلمين في كل أنحاء العالم بعنوان (النظرة
الألفية الثالثة) والتي تهدف إلى تعزيز ثقافة السلام واللاعنف وتعليم
التعايش مع الآخرين، وتحسين العلاقات الإنسانية في الألفية الثالثة،
وتتضمن المسابقة تقديم أعمال الطلاب في مجال القصة القصيرة (المقالة –
الشعر – تأليف مسرحية قصيرة من أحد المعلمين) تخدم الأهداف المذكورة،
وسميت جائزتها (جائزة السلام والتعاون المدرسي لعام 1999م . النظرة الألفية
الثالثة) وهي : منح خمس شهادات تذكارية في كل فرع من فروعها، كما ستقوم
إحدى الجهات المنظمة للمسابقة بمنح عدة تذاكر سفر لأفضل الأعمال
المتميزة، كما سيتم عرض أفضل الأعمال الفائزة في منتدى الشباب الذي
سيعقد بهاواي بأمريكا خلال الفترة 24-29 أكتوبر 1999م([5]).
وعلى كلِّ حال فاليهود خصوصاً، والنصارى كذلك يتحركون بالأساطير إلى
عالم الحقيقة، ويسعون لجعل مثل هذه الأساطير واقعاً ملموساً، ويؤسسون
الجمعيات والمؤسسات لهذا الغرض، ويحققون أساطيرهم وما زعموا من تنبؤاتهم
في أكثر الأحيان، فيزيدهم تحققها في عالم الواقع إيماناً وافتتاناً بها،
والحق أنها ما تحققت إلا بسبب ضعف المسلمين وتفريطهم لا بسبب كونها
حقًّا من عند الله . وحين يقوم لله رجالٌ مؤمنون بوعده، غير متأثرين بما
تبثه يهود من شائعات مبنيِّة على أساطير من الخليط المشار إليه آنفاً، بل
ينطلقون في المواجهة المادية والفكرية من وعد الله في كتابه العهد الأخير
–كما سمَّاه شيخ الإسلام-([6]) وهو هذا القرآن، عندها يرجع اليهود إلى وضعهم
الطبيعي وهو الذلة والمسكنة }ضُرِبَت عَلَيهِمُ الذلةُ أَينَ مَا ثُقِفُوا إِلا
بِحَبلٍ من اللهِ وَحَبلٍ منَ الناسِ وَبَاءوا بِغَضَبٍ منَ اللهِ وَضُرِبَت عَلَيهِمُ
المَسكَنَةُ{ [ آل عمران: 112 ] . وعندها يتبين للناس أن تلك النبوءات والأساطير
التي استخدموها في حرب الشائعات والحروب النفسية قبيل الحروب
العسكرية([7]) لن تجدي عنهم شيئاً؛ لأنها لن تجد قلباً خالياً فتتمكن
فيه؛ بل ستجد قلباً معموراً بالإيمان وبالعلم الذي يفند كلَّ شبهة وكلَّ
خرافة وأسطورة، ولن يقبل إلا ما دلَّت عليه نصوص الوحي في ضوء فهم
سلف
هذه الأمة
وأئمتها.
ومن هنا تأتي أهمية دراسة أحاديث الفتن والملاحم في ضوء نصوص الوحي
وشرح أهل العلم لها.
وَبَعْدُ، فليس غريباً أن ينسج اليهودُ والنصارى ما بدا لهم من أساطير
وتنبؤات وخرافات، ثم أن يؤسسوا الجمعيات واللجان والمؤسسات لتجعل منها
واقعاً وتدفع حتى بالمواقف السياسية في اتجاه تحقيق هذه النبوءات
التي زعموا. لكن الذي لا ينقضي منه العجب أن يبقى أهل الدين الحق الخاتم
والعهد الأخير بالسماء وهو هذا الكتاب المهيمن على ما قبله من الكتب بمنأى عن
صنع الأحداث، بل بمنأى حتى عن ردود الفعل الصحيحة غير المستجيبة
لترهات وأباطيل أهل الكتابين، حيث نجد كثيراً من المسلمين بل أكثرهم
متأثرين بوحي تلك الأساطير التي تبني في نفوسهم –وهم لا يشعرون-
قناعات بكل ما يريد اليهود ومن سار في ركابهم تحقيقه، فتكون نفوس
المسلمين محبطة سلفاً مهزومة مستعدة لقبول ما سبق أن أشربته من وحي
الأساطير، وربما قام بعض المنتمين إلى العلم فيهم، أو الكتبة الصحفيين
فألفوا رسائل وكتباً يسجِّلون بها حدسهم عن نهاية العالم.
وتلقى هذه الكتب رواجاً شديداً في أوساط الشباب بل والعامة([8])، حيث
يجتمع على قرَّائها ما يعانون من واقع بائس يدعوهم ويدفعهم إلى التهرب منه
إلى عالم الأساطير، وما يختلط في هذه الكتب من الأحاديث والآيات التي يساء
فَهْمُها في كثير من الأحيان، وما يظهر على مؤلِّفيها من الحرص على تحري
صحة الأحاديث في بعض الأحيان، والصيغة الشرعية الدينية في كثير من
الأحيان، كل هذا وأهل العلم الصحيح عن هذا معرضون.
وتأثرًا بما سبقت الإشارة إليه من التراث الديني الخليط عند اليهود
والنصارى فهم يستعدون لحلول عام 2000م بشكل غير عادي ، فلم تكن
استعداداتهم لأعياد رأس السنة الماضية بالصورة الموجودة اليوم . وهم بهذا
الاستعداد لا يتأهبون لمجرد ذكرى ميلاد فقط ، بل يعدون الألفية بوَّابة
عبور إلى مرحلة جديدة لعصر جديد، تظن النصارى أن أهل الأرض كلهم ( ومنهم
اليهود ) سيخضعون فيه – أي العصر الجديد – لدين المسيح الذي سيخرج من
قبره – كما يزعمون - ليعيشوا في كنفه وتحت قيادته.
وهكذا اليهود يعدون الألفية بوَّابة عبور إلى مرحلة جديدة لعصر جديد لكن
لصالحهم هم حيث (يعتقد) اليهود أنه سيقضي على كل أعداء إسرائيل ، وأنه
حان وقت (ملك الزمان). وقد استعدَّ اليهودُ والنصارى لهذه المناسبة
بالمهرجانات التي ستقام في كل مكان يحل فيه طوائف منهم ، ويأتي في
مقدمتها : المهرجان العالمي النصراني الذي عنون بـ (بيت لحم 2000)
وتتواتر الأخبار عن حشدٍ متحفز وتسابق لحضور تلك الاحتفالات التي
ستقام في بيت لحم حيث قدَّرت بعضُ المصادر عددَ من يتوقع مشاركتهم
بنحو 4 ملايين أو 6 ملايين كما في مصادر أخرى . وقد رُصد لهذه الاحتفالات
خاصة مبلغ 322مليون دولار.
لقد انتظر النصارى خروج المسيح عام 1000م – كما في تاريخ أوربا – طوال عام
كامل، ثم رجعوا بالخيبة، وكانوا قد نزلوا معتقداتهم على ذلك القرن الذي لم
تتحقق نبوءاتهم فيه ، وهم يؤملون في هذا القرن .
وحيث إن هذا الاحتفال الألفي ليس كسابقه من الاحتفالات برأس السنة
الميلادية لا من حيث حفاوتهم به، ولا من حيث المبالغ الباهظة التي أنفقوها
عليه، ولا من حيث كونه رأس ألف سنة،ولا من حيث الهالة الإعلامية التي
ستسخر له وطول مدته، ولا من حيث الأساطير التي نسجوها حوله وتناغم معهم
فيها مع الأسف بعض من يكتبون في أحداث آخر الزمان من المسلمين .
وحيث إن مسلمات العقيدة الإسلامية تتعرض للاهتزاز من تيار الأصوليين من
اليهود والنصارى ومن تيار العلمانيين منهم فإننا نذكِّر بالمسلمات العقدية
التالية حتى لا تزلَّ قدمٌ بعد ثبوتها بفعل الإعلام الذي سَيُسخر لهذه
الاحتفالات ويحتفي بها :
1- أن اليهود والنصارى كفَّرهم الله عز وجل في كتابه،قال الله تعالى : }
وَقَالَتِ اليَهُودُ عُزَيرٌ ابنُ اللهِ وَقَالَتِ النصَارَى المَسِيحُ ابنُ اللهِ ذلِكَ
قَولُهُم بِأَفواهِهِم يُضَاهِئُونَ قَولَ الذِينَ كَفَرُوا مِن قَبلُ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنى
يُؤفَكُونَ . اتخَذُوا أَحبَارَهُم وَرُهبَانَهُم أَربَاباً من دُونِ اللهِ وَالمَسِيحَ ابنَ
مَريَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعبُدُوا إِلَـهاً واحِداً لا إِلَـهَ إِلا هُوَ سُبحَانَهُ عَما
يُشرِكُونَ { [ التوبة : 30 –31 ]. فدلَّ ذلك على أنهم مشركون، وبيَّن الله تعالى
في آيات أخر ما هو صريح بكفرهم :} لقَد كَفَرَ الذِينَ قَالُوا إِن اللهَ هُوَ
المَسِيحُ ابنُ مَريَمَ { [ المائدة : 17 ]. }لقَد كَفَرَ الذِينَ قَالُوا إِن اللهَ ثَالِثُ
ثَلاثَةٍ { [ المائدة : 73 ].} لُعِنَ الذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسرائيلَ عَلَى لِسَانِ
دَاوُودَ وَعِيسَى ابنِ مَريَمَ{ [ المائدة : 78 ]. } إنَ الَّذِيْنَ كَفَرُوْا مِنْ أَهْلِ
الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِيْنَ في نَارِ جَهَنَّمَ{ } وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى
مَرْيَم بُهْتَاناً عظيماً{ والآيات في هذا كثيرة والأحاديث، فمن أنكر كفر
اليهود والنصارى الذين لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وكذَّبوه،
فقد كذَّب الله عز وجل، وتكذيب الله كفر، ومن شكَّ في كفرهم فلا شك في
كفره هو .
2- أن من مات منهم ومن كل الملل والأديان ولم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم
كان من أهل النار، قال الله تعالى: } وَمَن يكفُر بِهِ مِنَ الأحزَابِ فَالنارُ مَوعِدُهُ
{ [ هود : 17 ]. وقوله (بِهِ) أي بالقرآن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم . وقال
صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده، لا يسمع بي يهودي ولا نصراني
من هذه الأمة – أي أمة الدعوة – ثم لا يتبع ما جئت به، أو قال : لا يؤمن بما جئت
به إلا كان من أصحاب النار ) رواه مسلم .
3- أن كلَّ دين غير دين الإسلام فهو باطل لا يقبله الله، قال تعالى: } وَمَنْ
يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَم دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنهُ{ } إِنَّ الدِّيْنَ عِنْدَ اللهِ
الإسْلاَمَ{ }اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِيْنَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِيْ
وَرَضِيْتُ لَكُمُ الإسْلاَمَ دِيْناً{.
4- أن من خصائص دين الإسلام كونه للعالمين }إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِيْنَ
{ وقال سبحانه:} قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُوْلُ الله إِلَيْكُمْ جَمِيْعًا {وقال
صلى الله عليه وسلم: (وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبُعثت إلى الناس
عامة ).
5- أن من خصائص جزيرة العرب أنه لا يجتمع فيها دينان كما صحَّ ذلك عنه
صلى الله عليه وسلم من قوله (لا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ.
قَالَ مَالِك : قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَفَحَصَ عَنْ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ
حَتَّى أَتَاهُ الثَّلْجُ وَالْيَقِينُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: لا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ فَأَجْلَى يَهُودَ
خَيْبَرَ ) رواه مالك، وكان من وصاياه عند موته صلى الله عليه وسلم قوله :
(أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ) رواه البخاري . وقال (لأخْرِجَنَّ
الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ حَتَّى لا أَدَعَ إِلا مُسْلِمًا ) رواه
مسلم.
6- أن من خصائص القرآن كونه ناسخاً لما قبله من الكتب السماوية ومهيمناً
عليها، فكلُّ ما خالفه مما ورد فيها فهو باطل بعد نزول القرآن . فلئن كانت
التوراةُ العهد القديم والإنجيلُ العهد الجديد فإن القرآن هو العهد الأخير الذي لا
يقبل الله سواه،قال تعالى : } وَأَنزَلنَا إِلَيكَ الكِتَابَ بِالحَق مُصَدقاً لمَا
بَينَ يَدَيهِ مِنَ الكِتَابِ وَمُهَيمِناً عَلَيهِ{ [ المائدة : 48 ]. أي : ناسخاً لما قبله
من الكتب .
7- أن من خصائص هذا الدين القدرية أنه سيشمل جميع الأرض، قال صلى الله
عليه وسلم:( ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ، ولا يترك الله بيت مدر
ولا وبر إلا أدخله هذا الدين، بعزِّ عزيز، أو بذلِّ ذليل، عزًّا يعز الله به
الإسلام، وذلاً يذل به الكفر ) رواه أحمد.
8- أن من خصائص هذا القرآن أنه محفوظ من التحريف والتبديل} إِنا نَحنُ
نَزلنَا الذكرَ وَإِنا لَهُ لَحَافِظُونَ { [ الحجر : 9 ]. أما ما قبله فَوَكل الله حفظها إلى
أهلها فضيَّعوها وحرَّفوا فيها وبدَّلوا . قال تعالى:} إِنا أَنزَلنَا التورَاةَ
فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحكُمُ بِهَا النبِيونَ الذِينَ أَسلَمُوا لِلذِينَ هَادُوا
وَالربانِيونَ وَالأحبَارُ بِمَا استُحفِظُوا مِن كِتَابِ اللهِ وَكَانُوا عَلَيهِ شُهَدَاء
فَلاَ تَخشَوا الناسَ وَاخشَونِ وَلاَ تَشتَرُوا بِـآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لم
يَحكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُولَـئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ { [ المائدة : 44 ] . وقال سبحانه:
}فَوَيلٌ للذِينَ يَكتُبُونَ الكِتَابَ بِأَيدِيهِم ثُم يَقُولُونَ هَـذَا مِن عِندِ
اللهِ لِيَشتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيلٌ لهُم مما كَتَبَت أَيدِيهِم وَوَيلٌ لهُم
مما يَكسِبُونَ{ [ البقرة : 79 ]. وقال: } مَثَلُ الذِينَ حُملُوا التورَاةَ ثُم لَم
يَحمِلُوهَا كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحمِلُ أَسفَاراً{ [ الجمعة : 5 ].
9- أن اليهود يؤمنون بموسى ويكفرون بعيسى ومحمد صلى الله عليهم جميعاً
وسلم . والنصارى يؤمنون بموسى وعيسى ويكفرون بمحمد صلى الله عليهم
جميعاً وسلم . أما المسلمون فيؤمنون بموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم
جميعاً وسلم،ويعتقدون أنهم جميعاً من أولي العزم من الرسل } ءامَنَ الرسُولُ
بِمَا أُنزِلَ إِلَيهِ مِن ربهِ وَالمُؤمِنُونَ كُل ءامَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ
وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرقُ بَينَ أَحَدٍ من رسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعنَا وَأَطَعنَا غُفرَانَكَ
رَبنَا وَإِلَيكَ المَصِيرُ { [ البقرة : 285 ] . وقال سبحانه:} قُولُوا ءامَنا بِاللهِ وَمَا
أُنزِلَ إِلَينَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبراهِيمَ وَإِسمَاعِيلَ وَإِسحَاقَ وَيَعقُوبَ
وَالأسبَاطِ وَمَا أُوتِي مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النبِيُّونَ مِن ربهِم لاَ نُفَرقُ
بَينَ أَحَدٍ منهُم وَنَحنُ لَهُ مُسلِمُونَ { [ البقرة: 136 ].
10- ذكر العلماء أن من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد
صلى الله عليه وسلم فهو كافر . وقال شيخ الإسلام : "من اعتقد أن الكنائس
بيوت الله وأن الله يُعبد فيها وأن ما يفعله اليهود والنصارى عبادة لله
وطاعة له ولرسوله، أو أنه يحبُّ ذلك ويرضاه، أو أعانهم على فتحها وإقامة دينهم،
وأن ذلك قربة أو طاعة فهو كافر ) وقال في موضع آخر: ( من اعتقد أن زيارة أهل
الذمة في كنائسهم قربة إلى الله فهو مرتد ) وقال في موضع آخر : (بل ثبت
بالأحاديث الصحيحة : أن المسيح عيسى ابن مريم إذا نزل من السماء فإنه
يكون متبعاً لشريعة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم . وفي الإقناع
في باب حكم المرتد بعد كلام سبق ( … أوْ لم يُكفر من دان بغير الإسلام
كالنصارى أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم فهو كافر )
11- عقيدتنا في المسيح عليه السلام:
(أ) أنه عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، قال الله سبحانه: }يا
أَهلَ الكِتَابِ لاَ تَغلُوا فِي دِينِكُم وَلاَ تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلا الحَق إِنما
المَسِيحُ عِيسَى ابنُ مَريَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلقَاهَا إِلَى مَريَمَ وَرُوحٌ
منهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انتَهُوا خَيراً لكُم إِنما اللهُ
إِلَـهٌ واحِدٌ سُبحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لهُ ما فِي السمَواتِ وَمَا فِي الأرضِ
وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلاً . لن يَستَنكِفَ المَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبداً للهِ وَلاَ
المَلائِكَةُ المُقَربُونَ وَمَن يَستَنكِف عَن عِبَادَتِهِ وَيَستَكبِر
فَسَيَحشُرُهُم إِلَيهِ جَمِيعاً{ [ النساء :171-172 ] . واليهود يعتقدونه ابن زنا
ويقولون على أمه مريم بهتاناً عظيماً، وينكرون رسالته ويكفرون به وحاولوا
قتله . قال الله تعالى : } وَبِكُفرِهِم وَقَولِهِم عَلَى مَريَمَ بُهتَـاناً عَظِيماً{
[ النساء : 156- 156 ]. والنصارى يعتقدونه إلهاً } وَإِذ قَالَ اللهُ يا عِيسَى ابنَ مَريَمَ
أَأنتَ قُلتَ لِلناسِ اتخِذُونِي وَأُمي إِلَـهَينِ مِن دُونِ اللهِ قَالَ سُبحَانَكَ مَا
يَكُونُ لِي أَن أَقُولَ مَا لَيسَ لِي بِحَق{ [ المائدة : 116 ]. ويعتقدون أنه ابن الله
}وَقَالَتِ النصَارَى المَسِيحُ ابنُ اللهِ{ [ التوبة : 30 ].
ب- أنه لم يمت ولم يُقتل بل رفعه الله إليه،واليهود يعتقدون أنهم قتلوه
}وَقَولِهِم إِنا قَتَلنَا المَسِيحَ عِيسَى ابنَ مَريَمَ رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا
صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُم وَإِن الذِينَ اختَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍ منهُ مَا
لَهُم بِهِ مِن عِلمٍ إِلا اتبَاعَ الظن وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً . بَل رفَعَهُ اللهُ إِلَيهِ
وَكَانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً { [ النساء : 157-158 ].
ج- أنه سينزل حكَمَاً عدلاً في آخر الزمان – دون تحديدٍ بألفٍ ولا ألفين –
ويحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، ويضع الجزية ولا يقبل إلا
الإسلام،ويكسر الصليب ويقتل الخنزير . قال تعالى: }وَإِن من أَهلِ الكِتَابِ
إِلا لَيُؤمِنَن بِهِ قَبلَ مَوتِهِ { أي موت عيسى }وَيَوْمَ الْقيَامَةِ يَكُوْنُ
عَلَيْهِمْ شَهِيْداً { وقال تعالى } وَإنَّهُ لعِلْم للساعَةِ{ أي نزوله علامة على
قربها . وقال صلى الله عليه وسلم: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ
أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلا فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ
الْخِنْزِيرَ،وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ،وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ
حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنْ الدُّنْيَا ) رواه البخاري .
أما اليهود فقال ابن القيم رحمه الله:( ومن تلاعبه بهم– يعني اليهود – أنهم
ينتظرون قائماً من ولد داود النبي، إذا حرَّك شفتيه بالدعاء مات جميع الأمم ،
وأن هذا المنتظر بزعمهم هو المسيح الذي وعدوا به ، وهم في الحقيقة إنما
ينتظرون مسيح الضلالة الدجال ، فهم أكثر أتباعه … والأمم الثلاث تنتظر
منتظراً يخرج في آخر الزمان فإنهم وعدوا به في كل ملة ) إغاثة اللهفان
(2/338).
د- أن عيسى بشَّر ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم } وَإِذ قَالَ عِيسَى ابنُ
مَريَمَ يا بَنِي إِسرائيلَ إِني رَسُولُ اللهِ إِلَيكُم مصَدقاً لمَا بَينَ يَدَي مِنَ
التورَاةِ وَمُبَشراً بِرَسُولٍ يَأتِي مِن بَعدِي اسمُهُ أَحمَد { [ الصف : 6 ]. وقال
سبحانه: } الذِينَ يَتبِعُونَ الرسُولَ النبِيَّ الأميَّ الذِي يَجِدُونَهُ
مَكتُوبًا عِندَهُم فِي التورَاةِ وَالإِنجِيلِ { [ الأعراف : 157 ]. وقال صلى الله عليه
وسلم : (أنا دعوةُ إبراهيم،وكان آخر من بشَّر بي عيسى ابن مريم) وفي رواية
(وبشرى أخي عيسى).
12- ذكر أهل العلم أن ترك معاداة الكافرين سببٌ لوقوع الفتنة في الأرض
والفساد الكبير،لقوله سبحانه وتعالى بعد أن ذكر وجوب موالاة المؤمنين
للمؤمنين وتبريهم من الكافرين : } إلا تَفْعَلُوْه _ أي الولاء والبراء– تَكُنْ
فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِير{.
13- لا يجوز حضور احتفالات اليهود والنصارى ولا تهنئتهم بها، وقد نقل ابن
القيم في أحكام أهل الذمة الاتفاق على أنه لا يجوز تهنئة الكفار
بأعيادهم؛وذلك لقوله سبحانه }وَاجتَنِبُوا قَولَ الزُّورِ{ [ الحج 30 ] . وقوله سبحانه
: }وَالَّذِيْنَ لا يَشْهَدُوْنَ الزُّوْر{ عن محمد بن سيرين قال : "هو الشعانين "
وهو عيد للنصارى يقيمونه يوم الأحد السابق لعيد الفصح، ويحتفلون
فيه بحمل السعف،ويزعمون أن ذلك ذكرى لدخول المسيح بيت المقدس .
وعن مجاهد والربيع بن أنس والضحاك:}لا يَشْهَدُوْنَ الزُّوْر{ قالوا : هو أعياد
المشركين . وعن عطاء بن يسار قال: قال عمر رضي الله عنه : ( إياكم ورطانة
الأعاجم، وأن تدخلوا على المشركين يوم عيدهم في كنائسهم فإن السخطة
تنزل عليهم ) وصحَّ أن رجلاً نذر أن ينحر إبلاً ببوانه فسأله صلى الله
عليه وسلم:هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يُعبد؟ قال : لا، قال:فهل كان
فيها عيد من أعيادهم؟ قال:لا، قال صلى الله عليه وسلم : (أوفِ بنذرك فإنه لا
وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم ) فدلَّ الحديث على أنه
لو كان فيها عيد من أعيادهم لنهاه صلى الله عليه وسلم عن الوفاء بنذره ـ مع
وجوب الوفاء بالنذرـ لأنه لا وفاء لنذر في معصية . وهذا معصية .
14- إذا تبيَّن ما سبق فاحذر أخي المسلم من أن تكون بوقاً لهم من حيث لا
تشعر،وسل عن كل شعار أو علامة أو إشارة يستخدمونها و لا تقلدهم
فيها؛فكثيراً ما يرمزون بذلك إلى معاني دينية عندهم،فإن لزوم الصراط
المستقيم يقتضي مخالفة أصحاب الجحيم،قال الله سبحانه: }اهْدِنَا الصِّرَاطَ
الْمُسْتَقِيْمَ صِرَاطَ الَّذِيْنَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ{ وهم النبيون والصديقون
والشهداء والصالحون }غَيْرِ الْمَغْضُوْبِ عَلَيْهِمْ{ وهم اليهود }وَلا الضَّالِّيْن{
وهم النصارى .
15- حذار من الفرح بمؤتمرات زمالة أو وحدة أو التقارب بين الأديان؛ فإن فيها
ضلالاً مبيناً وإقرار الأديان المحرفة تحت ستار الإبراهيمية،وإبراهيم منها
بريء } مَا كَانَ إِبراهِيمُ يَهُودِياً وَلاَ نَصرَانِياً وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُسلِمًا
وَمَا كَانَ مِنَ المُشرِكِينَ . إِنَّ أَولَى الناسِ بِإِبراهِيمَ لَلذِينَ اتبَعُوهُ وَهَـذَا
النَّبِيُّ وَالذِينَ آمَنُوا{ [ آل عمران:67-68]. واليهود والنصارى ليسوا من الذين
آمنوا كما سبق؛ لأنهم مشركون . وملة إبراهيم هي التوحيد والبراءة من الشرك
وأهله } قَد كَانَت لَكُم أُسوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبراهِيمَ وَالذِينَ مَعَهُ إِذ قَالُوا
لِقَومِهِم إِنا بَرَآءُ منكُم وَمِما تَعبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ كَفَرنَا بِكُم وَبَدَا
بَينَنَا وَبَينَكُمُ العَدَاوَةُ وَالبَغضَاء أَبَداً حَتى تُؤمِنُوا بِاللهِ وَحدَهُ { [
الممتحنة : 4] . وهم قد رغبوا ملة إبراهيم } وَمَن يَرغَبُ عَن مِلةِ إِبراهِيمَ إِلا مَن
سَفِهَ نَفسَهُ { [ البقرة :130] .
16- وأخيراً فقد كثر الحديث عن نهاية العالم وأشراط الساعة، وكتب فيها
الرويبضة والجهال وأنصاف المتعلمين،وقلَّ كلامُ المحققين من أهل العلم
فيها؛ فزلَّت بسبب ذلك أقدامٌ . وبهذه المناسبة فإني أذكرك أخي المسلم
بإضاءات للتعامل مع أحاديث الفتن وأشراط الساعة:
أ- أن موته صلى الله عليه وسلم من علامات الساعة . وأشراط الساعة كثيرة ومن
آخرها وقوعاً كثرة الزلازل وقبض العلم،وقد ذكره صلى الله عليه وسلم من
أشراط الساعة كما في البخاري وغيره. وقد قال سبحانه في كتابه:}
اقْتَرَبَتِ السَّاعَة{ وقال:} فَهَل يَنظُرُونَ إِلا الساعَةَ أَن تَأتِيَهُم بَغتَةً
فَقَد جَاء أَشرَاطُهَا فَأَنى لَهُم إِذَ جَاءتهم ذِكرَاهُم { أي فأنى لهم ذكراهم إذا جاءتهم
الساعة . وقال صلى الله عليه وسلم: (بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَة كَهَذِهِ مِنْ هَذِهِ
أَوْ كَهَاتَيْنِ. وَقَرَنَ بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى ) رواه البخاري وقال
(إِنْ كَادَتْ لَتَسْبِقنِي) رواه أحمد.
وقد مضى على هذه النصوص 1420 عاماً وهي حق لا مرية فيها عندنا ومع ذلك لم
تقم الساعة؛ فدلَّ ذلك على خطأ مَنْ يتسارعون في قياس الزمن بما يتبادر
إلى أذهانهم دون إحاطة بمجمل أحاديث الفتن وأشراط الساعة.
ب - أن مما ينبغي حيال أحاديث وآيات أشراط الساعة الاستعداد والعمل للرحيل
وليس القعود والانتظار وتضييع الأوقات سبهللاً،وأعداؤنا يعملون ليل نهار
لنصرة دينهم وعقائدهم الضالة،وأهل الدين الحق يتهربون من مواجهة الواقع إلى
حقائق دينية غير محددة بزمن أو توهمات لا صحة لها يعلِّقون عليها الآمال
ويقعدون عن العمل } فَأنى لَهُمْ إِذَ جَاءَتْهُم ذِكْرَاهُمْ { أي فأنى لهم الذكرى إذا
جاءتهم الساعة ، وساعة كل إنسان منيته فإذا مات فقد قامت قيامته فلا ينفعه
بعدها عمل:( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث …) الحديث . بل الواجب
العمل ما دامت الروح في الجسد، قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا قامت القيامة
وبيد أحدكم فسيلة فاستطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها، فله بذلك
أجر
) .
ج- الحذر من الجزم بما لم يرد به نص من الكتاب والسنة في المراد بآية أو حديث
من أخبار الفتن وأشراط الساعة فضلاً عن تحديد أزمان لها،وليكن شعار
المسلم ما قاله الله:} قُل لا يَعلَمُ مَن فِي السمَواتِ والأرضِ الغَيبَ إِلا اللهُ { [
النمل : 65 ] .} يَسـألُونَكَ عَنِ الساعَةِ أَيانَ مُرسَاهَا قُل إِنمَا عِلمُهَا عِندَ رَبي لاَ
يُجَليهَا لِوَقتِهَا إِلا هُوَ ثَقُلَت فِي السمَواتِ وَالأرضِ لاَ تَأتِيكُم إِلا
بَغتَةً يَسأَلُونَكَ كَأَنكَ حَفِي عَنهَا قُل إِنمَا عِلمُهَا عِندَ اللهِ وَلَـكِن أَكثَرَ
الناسِ لاَ يَعلَمُونَ { [ الأعراف : 187 ] . أي يسألونك عن الساعة كأنك حفي
بالسؤال عنها، والواقع أنك لست حفيًّا بالسؤال بل أنت غير مبالٍ به
لخلوِّه من المصلحة لتعذر العلم به } قُل إِنمَا عِلمُهَا عِندَ اللهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ
النَّاس لا يَعْلَمُوْن{. فشيء لم يحتف به النبي صلى الله عليه وسلم بل
قطع أمله في الوصول إلى معرفته ـ وهو أعلم الخلق بأحكام الدين وأخباره ـ
فالواجب على أتباعه سلوك سبيله؛ فيقطعوا الطمع في الوصول إلى
معرفته . فكل من حاول تحديد وقت لعمر الدنيا وقيام الساعة فقد قفا ما
ليس له به علم،وتجاوز حدَّه وتكلف ما لا طاقة له به . وكم غلط فيها من غالط،
وكم هلك بسبب المسارعة في ذلك من هالك، والعاقل من وُعِظَ بغيره، ولما قال
عمر للنبي صلى الله عليه وسلم : (دعني أضرب عنقه ) يعني ابن صياد؛
لأنهم كانوا يظنونه الدجال؛قال صلى الله عليه وسلم لعمر: (إن يكنه فلن
تسلط عليه وإن لا يكنه فلا خير لك في قتله) فتركها معلقة هكذا ولم يحسم
الأمر مع أنه - أي الدجال- الفتنة العظمى التي حذَّرها كلُّ نبي أمته.
ومع هذا اشتغل الصحابة بالجهاد ونشر الدين ولم يضيِّعوا أوقاتهم في ترقب
ابن صياد أين ذهب؟ ومتى يخرج؟ وهل هو الدجال أولا؟ بل عملوا ولكل حادث حديث
واكتفوا بالتوجيه النبوي العظيم للتعامل مع أحاديث الفتن (إن يكنه …وإن
لا يكنه…) ولم ينزل وحي يحسم الأمر ويكشف المسألة ولو كان مما نحتاجه ولنا
فيه فائدة لبيَّنه لنا الذي تركنا على مثل البيضاء ليلها كنهارها، والذي ما
من خير إلا ودلَّ الأمة عليه،ولا من شرٍّ إلا وحذَّرها منه،والذي ما خُيِّر بين أمرين
إلا اختار أيسرهما إلا أن يكون إثماً . والأيسر لهم هنا أن يخبرهم هل ابن صياد
هو الدجال أولا؛ فلما لم يفعل دلَّ على أنه إما أنه لا يعلم ، أو أنه يعلم لكن من
الخير لنا ألا نعلم؛ فلذا لم يعط الجواب الحاسم في المسألة، فإن كان لا يعلم
فنقول:شيء حجب الله علمه عن نبيِّه فمن التكلف تحري علمه وقد أمره الله
أن يقول: } وَمَا أَنَا مَنَ الْمُتَكَلفِينَ { . وأحمد وغيره من أئمة السنة يروون
أحاديث المهدي وغيرها فلا يزيدون، ولم يُنقل عنهم تحري تطبيقها،
والتنقيب عن زمانها ونحو ذلك.
فالواجب أن يكون هذا مسلكنا في كل ما ليس عندنا فيه من الوحي ما يوجب
العلم والتصديق حتى لا نزلَّ كما زلَّ اليهود والنصارى الذين نعى الله عليهم
قفوهم ما ليس لهم به علم بقوله : }مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْم إلا اتِّبَاعَ الظَّنّ{
وكما زلَّ أقوام من هذه الأمة . ومن قرأ التاريخ القريب والبعيد رأى عبرًا، وإن
كانت الأخرى فمن التكلف تطلب علم ما ليس لنا في علمه مصلحة .
وقد ثبت باستقراء التاريخ القريب والبعيد أن كلَّ من حاول تطبيق أحاديث
أشراط الساعة على أشخاص بأعيانهم – كالمهدي مثلا -أو فئات بعينها –كيأجوج
ومأجوج – أو وقت بعينه أو مكان بعينه فإنه لا يسلم من الخطأ والمجازفة في
أكثر الأحيان،ومن إشعال نار الفتن في كثير من الأحيان وما هي إلا ظنون
وأوهام،والله سبحانه يقول : } إِن يَتبِعُونَ إِلا الظن وَإِن الظنَّ لاَ يُغنِي مِنَ
الحَق شَيئاً . فَأَعرِض عَن مَنْ تَوَلى عَن ذِكرِنَا{ [ النجم : 28-29 ].
وكل أو أكثر من يشتغلون بتحري وتتبع تطبيق أشراط الساعة تجدهم
مبتلين بالتولي عن ذكره سبحانه الذي هو القرآن كما سمَّاه الله بذلك في
قوله: }إنَا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ{ والسنة كما سمَّاها الله بذلك في قوله: }وَ
أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ{ وبسبب شؤم هذا
التولي تجدهم مقبلين على ما لا يفيد علماً وإنما قصاراه أن يكون ظنوناً
وأوهاماً من رؤى منامية أو كتب دخلها كثير من التحريف والتبديل،وقد نُهينا
عن تصديقها في قوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا حدثكم بنو إسرائيل فلا
تصدقوهم ولا تكذبوهم ).
وإن العجب لا ينقضي ممن ينظرون فيما نهينا عن تصديقه ويعرضون عما قال
الله فيه: } وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وعَدْلاً{ }وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ
قِيْلا{ }وَمَنْ أَصْدَقُ منَ اللهِ حَدِيْثًا{ وأعجب منهم من ينظر في أقوال
المنجمين والكهنة والعرافين ويصغي لها والنبي صلى الله عليه وسلم
يقول : (من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد )
ويقول : (من أتى كاهناً أو عرافًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على
محمد) وبعضهم ينظر في أقوال أهل الهيئة الجديدة ويشرح بها الوحي جازماً بما
يقول …الخ أنواع التولي عن الذكر والاشتغال بما لا طائل تحته ولا فائدة
مرجوة في الاشتغال به إلا تضييع الأوقات في الترقب والانتظار. هذا في
أحسن الأحوال، وقد يفضي إلى ما لا تُحمد عقباه من الفتن قولاً وفعلا.
أسأل الله أن يبصرنا بديننا ويرزقنا الفقه فيه، ويرينا الحق حقًّا
ويوفِّقنا لاتباعه،والباطل باطلاً ويوفقنا لاجتنابه،ولا يجعله ملتبساً
علينا فنضل . اللهم رب جبرائيل وإسرافيل وميكائيل،عالم الغيب
والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون،اهدنا لما اختلف
فيه من الحق بإذنك، فإنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم . اللهم صلِّ
وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
كتبه
عبد
الرحمن بن عبد
العزيز
السديس
إمام جامع
الفرقان بمكة
10
/8/1420هـ . ص ب : 13105
بيان اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء حول عام 2000 م وما
يتعلق به من أمور
قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في جواب لها عن سؤال حول عام
2000م ما نصه:
بعد دراسة اللجنة للأسئلة المذكورة أجابت بما يلي : إن أعظم نعمة أنعم الله
بها على عباده هي نعمة الإسلام والهداية إلى صراطه المستقيم، ومن رحمته
سبحانه أن فرض على عباده المؤمنين أن يسألوه هدايته في صلواتهم،
فيسألوه حصول الهداية للصراط المستقيم والثبات عليها . ووصف سبحانه
هذا الصراط بأنه صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين
والشهداء والصالحين، وليس صراط المنحرفين عنه من اليهود والنصارى
وسائر الكفرة والمشركين .
إذا عُلِمَ هذا : فالواجب على المسلم معرفة قدر نعمة الله عليه فيقوم بشكر
الله سبحانه قولاً وعملاً واعتقاداً، وعليه أن يحرس هذه النعمة ويحوطها ويعمل
الأسباب التي تحفظها من الزوال.
وإن الناظر من أهل البصيرة في دين الله في عالم اليوم الذي التبس فيه الحق
بالباطل على كثير من الناس لَيَرَى بوضوح جهود أعداء الإسلام في طمس
حقائقه، وإطفاء نوره، ومحاولة إبعاد المسلمين عنه، وقطع صلتهم به، بكل
وسيلة ممكنة، فضلاً عن تشويه صورته، وإلصاق التهم والأكاذيب به، لصدِّ
البشر جميعاً عن سبيل الله والإيمان بما أنزله على رسوله محمد بن عبد الله
r، ومصداق ذلك في قول الله تعالى : } وَد كَثِيرٌ من أَهلِ الكِتَابِ لَو
يَرُدونَكُم مِن بَعدِ إِيمَانِكُم كُفارًا حَسَدًا من عِندِ أَنفُسِهِم من بَعدِ مَا تَبَينَ
لَهُمُ الحَق فَاعفُوا وَاصفَحُوا حَتى يَأتِيَ اللهُ بِأَمرِهِ إِن اللهَ عَلَى كُل شَيء
قَدِيرٌ { [ البقرة : 109 ]. وقوله سبحانه: } وَدَّت طائِفَةٌ من أَهلِ الكِتَابِ
لَو يُضِلونَكُم وَمَا يُضِلونَ إِلا أَنفُسَهُم وَمَا يَشعُرُونَ { [ آل عمران 69 ]. وقوله جل
وعلا: } يَا أَيهَا الذِينَ ءامَنُوا إِن تُطِيعُوا الذِينَ كَفَرُوا يَرُدوكُم عَلَى
أَعقَابِكُم فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ { [ آل عمران : 149 ] . وقوله عز وجل : } قُل يا أَهلَ
الكِتَابِ لِمَ تَصُدونَ عَن سَبِيلِ اللهِ مَن ءامَنَ تَبغُونَهَا عِوَجاً وَأَنتُم
شُهَدَاء وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَما تَعمَلُونَ{ [ آل عمران : 99 ]. وغيرها من الآيات . ولكن
– ومع ذلك كله– فالله عز وجل وعد بحفظ دينه وكتابه، فقال جل وعلا : }إِن
نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لحَاَفِظُوْنَ{. فالحمد لله كثيراً . وأخبر
النبي r أنه لا تزال طائفة من أمته على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا
من خالفهم حتى تقوم الساعة . فالحمد لله كثيراً، ونسأله سبحانه وهو
القريب المجيب أن يجعلنا وإخواننا المسلمين منهم، إنه جواد كريم .
هذا .. واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء وهي تسمع وترى الاستعداد
الكبير والاهتمام البالغ من طوائف اليهود والنصارى ومن تأثر بهم ممن
ينتسب للإسلام بمناسبة تمام عام ألفين واستقبال الألفية الثالثة
بالحساب الإفرنجي؛ لا يسعها إلا النصح والبيان لعموم المسلمين عن
حقيقة هذه المناسبة، وحكم الشرع المطهر فيها؛ ليكون المسلمون على بصيرة
من دينهم، ويحذروا من الانحراف إلى ضلالات المغضوب عليهم والضالين.
فنقول :
أولاً : إن اليهود والنصارى يعلقون على هذه الألفية أحداثاً وآلاماً وآمالاً يجزمون بتحققها
أو يكادون؛لأنها ناتجة عن بحوث ودراسات كما زعموا، كما يربطون بعضاً من قضايا
عقائدهم بهذه الألفية،زاعمين أنها مما جاءت في كتبهم المحرفة .. والواجب على
المسلم ألا يلتفت إليها ولا يركن إليها، بل يستغني بكتاب ربِّه سبحانه
وسنة نبيه r عما سواهما . وأما النظريات والآراء المخالفة لهما فلا تعدو كونها
وهماً .
ثانياً: لا تخلو هذه المناسبة وأشباهها من لبس الحق بالباطل، والدعوة إلى الكفر
والضلال، والإباحية والإلحاد، وظهور ما هو منكر شرعاً،ومن ذلك : الدعوة إلى وحدة الأديان،
وتسوية الإسلام بغيره من الملل والنحل الباطلة، والتبرك بالصليب،
وإظهار شعائر الكفر النصرانية واليهودية ونحو ذلك من الأفعال والأقوال
التي تتضمن : إما كون الشريعة النصرانية واليهودية المبدلتين
المنسوختين موصلةً إلى الله، وإما استحسان بعض ما فيهما مما يخالف دين
الإسلام أو غير ذلك مما هو كفر بالله وبرسوله وبالإسلام بإجماع الأمة، هذا
فضلاً عن كونه وسيلة من وسائل تغريب المسلمين عن دينهم .
ثالثاً : استفاضت الأدلة من الكتاب والسنة والآثار الصحيحة في النهي عن مشابهة
الكفار فيما هو من خصائصهم ومن ذلك : مشابهتهم في أعيادهم واحتفالاتهم بها،
والعيد : اسم جنس يدخل فيه كلُّ يومٍ يعود ويتكرر يعظّمه الكفار أو مكان
للكفار لهم فيه اجتماع ديني، وكلُّ عملٍ يحدثونه في هذه الأمكنة والأزمنة فهو
من أعيادهم، فليس النهي عن خصوص أعيادهم، بل كل ما يعظمونه من الأوقات
والأمكنة التي لا أصل لها في دين الإسلام، وما يحدثونه فيها من الأعمال يدخل
في ذلك،وكذلك ما قبله وما بعده من الأيام التي هي كالحريم له كما نبَّه على
ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى .
ومما جاء في النهي عن خصوص المشابهة في الأعياد قوله تعالى : }وَالَّذِيْنَ لا
يَشْهَدُوْنَ الزُّوْرَ{ . في ذكر صفات عباد الله المؤمنين . فقد فسَّرها جماعة من
السلف كابن سيرين ومجاهد والربيع بن أنس : بأن الزور هو أعياد الكفار .
وثبت عن أنس بن مالك t أنه قال : قدم رسول الله r المدينة ولهم يومان
يلعبون فيهما فقال: "ما هذان اليومان؟ قالوا : كنا نلعب فيهما في الجاهلية،
فقال رسول الله r : إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما: يوم الأضحى ويوم
الفطر" . خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي بسند صحيح .
وصحَّ عن ثابت بن الضحاك t أنه قال : "نذر رجل على عهد رسول الله r أن
ينحر إبلاً ببوانة، فأتى رسول الله r فقال : إني نذرت أن أنحر إبلاً
ببوانة،فقال النبيr : هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يُعبد؟ قالوا : لا .
قال : فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قالوا: لا . قال رسول الله r : أوفِ بنذرك،
فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم" . خرجه أبو داود
بإسناد
صحيح .
وقال عمر بن الخطاب t : لا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم؛
فإن السخطة تنزل عليهم . وقال أيضاً : اجتنبوا أعداء الله في عيدهم .
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: من بنى ببلاد الأعاجم
فصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حُشر معهم يوم
القيامة
.
رابعاً:وينهى أيضاً عن أعياد الكفار لاعتبارات كثيرة منها :
u أن مشابهتهم في بعض أعيادهم يوجب سرور قلوبهم وانشراح صدورهم بما هم
عليه من الباطل .
u والمشابهة والمشاكلة في الأمور الظاهرة توجب مشابهة ومشاكلة في الأمور
الباطنة من العقائد الفاسدة على وجه المسارقة والتدرج الخفي .
u ومن أعظم المفاسد – أيضاً – الحاصلة من ذلك : أن مشابهة الكفار في الظاهر
تورث نوع مودة ومحبة وموالاة في الباطن، والمحبة والموالاة لهم تنافي الإيمان
كما قال تعالى : } يَا أَيُّها الذِيْنَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى
أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُم أَوْلِيَاءُ بَعْض وَمَنْ يَتَوَلَّهُم مِنْكُمْ فَإِنَّه مِنْهُم إِنَّ اللهَ لاَ
يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمينَ{ . وقال سبحانه : } لاَ تَجِد قَوْماً يُؤْمِنُونَ باللهِ
وَاليَوْمِ الآخِرِ يَوادُّونَ مَنْ حَادَ اللهَ وَرَسُوْلَه { الآية .
خامساً: بناء على ما تقدم فلا يجوز لمسلم يؤمن بالله رباً، وبالإسلام ديناً،وبمحمد
r نبياً ورسولاً؛أن يقيم احتفالات لأعياد لا أصل لها في دين الإسلام ومنها
الألفية المزعومة، ولا يجوز أيضاً حضورها ولا المشاركة فيها ولا الإعانة عليها
بأي شيء كان؛ لأنها إثم ومجاوزة لحدود الله،والله تعالى يقول : } وَلاَ تَعَاوَنُوا
عَلَى الإِثمِ وَالعُدوَانِ وَاتقُوا اللهَ إِن اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ{ [المائدة : 2 ].
سادساً : لا يجوز لمسلم التعاون مع الكفار بأي وجه من وجوه التعاون في أعيادهم ومن ذلك
: إشهار أعيادهم وإعلانها، ومنها الألفية المذكورة، ولا الدعوة إليها بأية وسيلة
سواء كانت الدعوة عن طريق وسائل الإعلام، أو نصب الساعات واللوحات
الرقمية، أو صناعة الملابس والأغراض التذكارية، أو طبع البطاقات أو
الكراسات المدرسية، أو عمل التخفيضات التجارية والجوائز المادية من أجلها،
أو الأنشطة الرياضية،أو نشر شعار خاص بها .
سابعاً: لا يجوز لمسلم اعتبار أعياد الكفار ومنها الألفية المذكورة ونحوها مناسبات
سعيدة وأوقاتاً مباركة؛ فتعطل فيها الأعمال وتُجرى فيها عقود الزواج أو ابتداء
الأعمال التجارية أو افتتاح المشاريع وغيرها، ولا يجوز أن يعتقد في هذه
الأيام ميزة على غيرها؛ لأن هذه الأيام كغيرها من الأيام؛ ولأن هذا من الاعتقاد
الفاسد الذي لا يغيِّر من حقيقتها شيئاً، بل إن هذا الاعتقاد فيها هو إثم على
إثم،نسأل الله العافية والسلامة .
ثامناً: لا يجوز لمسلم التهنئة بأعياد الكفار؛ لأن ذلك نوع رضا بما هم عليه من الباطل
وإدخال للسرور عليهم، قال ابن القيم رحمه الله تعالى : "وأما التهنئة بشعائر
الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم
فيقول : عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من
الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك
أعظم إثماً عند الله وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب
الفرج الحرام ونحوه . وكثير من لا قدر للدين عنده يقع في ذلك ولا يدري
قبح ما فعل، فمن هنَّأ عبداً بمعصيةٍ أو بدعةٍ أو كفرٍ فقد تعرض لمقت
الله وسخطه". أ هـ .
تاسعاً : شرف للمسلمين التزامهم بتاريخ هجرة نبيِّهم محمد r الذي أجمع عليه
الصحابة y ، وأرخوا به بدون احتفال وتوارثه المسلمون من بعدهم منذ أربعة عشر قرناً
إلى يومنا هذا، لذا فلا يجوز لمسلم التولي عن التاريخ الهجري والأخذ بغيره من
تواريخ أمم الأرض كالتاريخ الميلادي،فإنه من استبدال الذي هو أدنى بالذي هو
خير. هذا ونوصي جميع إخواننا المسلمين بتقوى الله حق التقوى وبالعمل
بطاعته والبعد عن معاصيه، والتواصي بذلك والصبر عليه.
وليجتهد كلُّ مؤمنٍ ناصحٍ لنفسه حريصٍ على نجاتها من غضب الله ولعنته
في الدنيا والآخرة في تحقيق العلم والإيمان، وليتخذ الله هادياً ونصيراً
وحاكماً وولياً، فإنه نعم المولى ونعم النصير، وكفى بربك هادياً ونصيراً.
وليدعُ بدعاء النبي r : اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر
السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه
يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط
مستقيم . والحمد لله رب العالمين .
وصلى
الله على
نبينا محمد
وعلى آله
وصحبه .
اللجنة
الدائمة
للبحوث
العلمية
والإفتاء .
عضو
الرئيس
عبد الله
بن عبد الرحمن
الغديان
عبد
العزيز بن عبد
الله بن محمد
آل الشيخ
عضو
عضو
بكر بن عبد
الله أبو زيد
صالح
بن فوزان
الفوزان
فتوى
الشيخ محمد بن
صالح
العثيمين
حول
عام 2000م
صاحب
الفضيلة
الشيخ/ محمد بن
صالح
العثيمين
سلَّمه الله
ورعاه
سلام
عليكم ورحمة
الله
وبركاته،وبعد
:
يستعد العالم في الأيام القادمة لاستقبال "الألفية الثالثة" وتطالعنا
الصحف بهذا الموضوع بشكل مكثف والسؤال : ما حكم الشرع في نظركم عن هذا
الأمر؟ وكيف يستعد المسلمون لاستقبال " الألفية الجديدة"؟
والسلام
عليكم ورحمة
الله وبركاته .
بسم الله
الرحمن
الرحيم
الجواب : لا ينبغي للمسلمين أن يعبأوا بهذا الأمر ولا أن يرفعوا له رأساً؛ لأنه
لا علاقة لهم به، فتأريخ المسلمين هو التاريخ الهجري المبني على مناسبة
من أفضل المناسبات بل هي أليق المناسبات ببدء التاريخ الإسلامي؛ لأنه
تاريخ
يذكرهم
بابتداء عزهم
وإنشاء
دولتهم وقوة
سلطانهم .
وأما ما يروِّجه بعض الناس مما سيكون فكله تخرص ليس له أصل من شرع ولا
عقل ولا محسوس اللهم إلا ما كان من صنعهم مما صنعوه هم وجعلوا له أمداً ينتهى
إليه.
أما علم الغيب فهو لله وحده،قال الله تعالى : } قُل لا يَعلَمُ مَن فِي السمَواتِ
والأرضِ الغَيبَ إِلا اللهُ وَمَا يَشعُرُونَ أَيانَ يُبعَثُونَ { [ النمل : 65 ].
أسال
الله تعالى أن
يرزقنا العزة
بإيماننا
والنصر على
أعدائنا إنه
جواد كريم .
كتبه
محمد الصالح
العثيمين في 7/8/1420هـ
.
*
* *
فتوى
الشيخ عبد
الله بن عبد
الرحمن
الجبرين
حول
عام 2000م
بسم الله
الرحمن
الرحيم
فضيلة
الشيخ/ عبد
الله بن عبد
الرحمن
بن جبرين
حفظه الله
السلام
عليكم ورحمة
الله
وبركاته،
وبعد :
سوف يحتفل العالم بعد عدة أشهر بما يسمى الألفية الثالثة بمناسبة دخول
عام
(2000) للميلاد .
فما حكم الشرع فيما يفعله بعض المسلمين بالمشاركة في هذا الاحتفال
ولو
من باب
المجاملة
للنصارى؟
أفيدونا
مأجورين.
الجواب : لا يجوز الاحتفال بأعياد الكفار ولو على وجه المجاملة؛ لأنها أعياد
مبتعدة ما أنزل الله بها من سلطان، فلا أصل لها في الكتب السماوية ولا في
الشراع الإلهية، وإنما هي محدثات النصارى الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به
الله .
ولاشك أن مشاركتهم في هذا الاحتفال أو في غيره من أعيادهم يُعتبر ذلك
إقراراً لهذه المحدثات وتعظيماً لهؤلاء المبتدعة، فعلى هذا يحرم على
المسلمين تعظيم هذه الأعياد وتهنئة أهلها وإظهار شيء من الفرح والسرور بها
مما يُعدُّ إقراراً لتلك البدع، بل المسلمون يعتبرونها كسائر أيام السنة
وإنما يحتفلون بالأعياد الشرعية الإسلامية وبما شُرع فيها من الصلاة
والعبادات
.. والله أعلم .
*
* *
بيان
رابطة العالم
الإسلامي حول
عام 2000 م
نشرت
جريدة العالم
الإسلامي تحت
عنوان : بيان
من رابطة
العالم
الإسلامي :
الرابطة تحذر المسلمين من مكائد وفتن ومخططات خبيثة تتزامن مع حلول
الألفية
الثالثة :
الحمد
لله
وحده،والصلاة
والسلام على
من لا نبي
بعده، وبعد :
من خلال المتابعة لما يجري على الساحة الدولية والإسلامية وبخاصة ما يتزامن
مع حلول الألفية الثالثة، وما يُلاحظ من الترويج لنهاية العالم باستخدام
بعض النصوص في التوراة والإنجيل والقرآن والسنة النبوية المطهرة،حيث
يُلاحظ أن هذا الاستخدام يعمد إلى الاستخفاف بالدين وبالنصوص وبما
يرتبط بذلك من أحداث وانتساب للنسب النبوي الشريف، وحيث لا يخفى
على ذوي البصائر ما تتعرض له الأمة الإسلامية من مؤامرات على عقيدتها
ومكائدها لإشاعة الفرقة والتنافر، ولتسهيل تمرير مخططات خبيثة
لاستجلاب البسطاء من الأمة والمتحمسين من الشباب الذين قد لا ينقصهم
الإخلاص
ولكن يفتقرون
إلى الصواب.
ومعلوم من الدين أن الله عز وجل لا يقبل العمل إلا إذا كان خالصاً صواباً وأن
الافتقار إلى إحدى هاتين الخصلتين يسهل معه استدراج الناس وخداعهم. ومما
يروجه المروجون في هذه الأيام من تخرصات واختلاقات أمور تعتبر من
التنجيم والكهانة، معتمدين على أحاديث معينة متغافلين أو متجاهلين قوله
سبحانه:} إِنَّ الذِيْنَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ { وقوله
صلى الله عليه وسلم ( من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار ) وقد
تلقف عدد من المنتسبين للأمة الإسلامية هذا الأمر وقاموا بالتأليف في كتب
تخبط عشواء،تأخذ القليل من الحق وتمزجه بالكثير من الباطل،وتكثر من
اختلاق وتفسير الأحلام والمنامات مدعين أن أوان ظهور المهدي والمسيح الدجال
قد وقع،ويتحدثون عن أحداث مثل الهدة والصيحة والملحمة من خلال ظواهر
فسَّروها تمهيدًا لتمرير المخططات المشبوهة،وربط النصوص الشرعية
الإسلامية بتوقعات الكهنة والمنجمين والمشعوذين والمتقمصين لباس
شعارات دينية يهودية ونصرانية أو إسلامية سبق أن روّج لها لفتنة عام
1400هـ
ثم حرب الخليج
الثانية .
ولما بيَّن الله عز وجل من الحق في كتابه العزيز بقوله: } هَذَا بَيَانٌ
للنَّاسِ وَهُدًى ومَوْعِظَة لِّلْمُتَّقِيْنَ { وعلى لسان رسوله الكريم محمد بن
عبد الله صلى الله عليه وسلم : "تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا
: كتاب الله وسنتي" وإن مصير هذا العالم بيد عزيز مقتدر، فرض الفرائض
وسنَّ السنن وبيَّن المعجزات،وحفظ هذا الدين بكتابه وسنة رسوله، وأنه لا
تزال طائفة من أمته على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله.
وأن تلك مرجعية الأمة المسلمة وليس تخرصات المنجمين والمشعوذين
والمرجفين
.
فإن رابطة العالم الإسلامي لتنبه الغافلين وتذكر الناس أجمعين بأن للعلم
مصادره الموثوقة من المجامع الفقهية والعلماء الأفذاذ العالمين والعاملين
بشرع الله،العارفين بفقه النوازل،الذين يؤتمنون على دين هذه الأمة عقيدة
وشريعة، وأنهم هم الذين يجب اتباعهم وأخذ العلم عنهم،وأن على المسلم أن يكون
له من نور البصيرة ما يدفع به عن نفسه شبهة الوقوع في شراك الفتنة
والسقوط في حبائل الشر. أما أولئك الذين يسطرون بأقلامهم وأحلامهم هذه
الترهات بأسماء حقيقية أو مستعارة فليتقوا الله في أنفسهم وفي
أمتهم،ولعل بقية من دين تردعهم وتردهم إلى جادة الصواب . وكفى الأمة ما تلقاه
على يدي أعدائها من كيد ومكر وخداع } وَلا يَحِيْقُ الْمَكرُ السَّيئُ إِلا بِأَهْلِهِ {
كما تهيب بالهيئات الرسمية والشعبية المعنية بالدعوة والتوجيه والإرشاد
للناس في العالم الإسلامي المبادرة في تطويق هذه الفتنة قال تعالى : }
هَـذَا بَلاَغٌ للنَّاسِ وَليُنذَرُوا بِهِ وَليَعلَمُوا أَنما هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَليَذكرَ
أُولُوا
الألبَابِ{
[
إبراهيم : 52 ].
*
* *
([1])
ومن أمثلة
ذلك ما جاء في
سفر التكوين
من العهد
القديم في
الاصحاح
التاسع ما
نصه : (وكلم
الله نوحاً
وبنيه معه
قائلاً :
وهاأنا
مقيمٌ
ميثاقي معكم
ومع نسلكم من
بعدكم ومع كل
ذوات الأنفس
الحية التي
معكم ،
الطيور
والبهائم
وكل وحوش
الأرض التي
معكم من جميع
الخارجين من
الفلك حتى كل
حيوان الأرض .
أقيم ميثاقي
معكم فلا
ينقرض كل ذي
جسد أيضا
بمياه
الطوفان . ولا
يكون أيضا
طوفانٌ
ليخرب الأرض .
وقال الله
هذه علامة
الميثاق
الذي أنا
واضعه بيني
وبينكم وبين
كل ذوات
الأنفس
الحية التي
معكم إلى
أجيال الدهر .
وضعت قوسي في
السحاب
فتكون علامة
ميثاق بيني
وبين الأرض .
فيكون متى
أنشر سحاباً
على الأرض
وتظهر القوس
في السحاب
أني أذكر
ميثاقي الذي
بيني وبينكم
وبين كل نفس
حية في كل جسد .
فلا تكون
أيضا المياه
طوفان لتهلك
كل ذي جسد .
فمتى كانت
القوس في
السحاب
أبصرها
لأذكر
ميثاقاً
أبدياً بين
الله وبين كل
نفس حية في كل
جسد على
الأرض . وقال الله
لنوح هذه
علامة
الميثاق
الذي أنا
أقمته بيني و
بين كل ذي جسد
على الأرض)فهذا
مما
نجزم بكذبه
على
الله،لأن
الله لا ينسى
حتى يجعل
لنفسه
سبحانه
شيئاً يذكره
الميثاق
= =الذي
قطعه على
نفسه، قال
سبحانه:}
لا يضل ربي
ولا ينسى{
وأمثلته
كثيرة .
والمراد
بالقوس "قوس
المطر"الذي
يسميه بعضهم
خطأ "قوس قزح"
([7])
من أمثلة ذلك :ما
صنعوه في
الحرب
العالمية
الثانية حيث
بثوا في جنود
هتلر بعض ما
نسبوه إلى
المنجم (نوسترا
داموس) من أنه
تنبأ بهزيمة
جيش هتلر ،
فكان هذا من
أسباب
الاستجابة
النفسية في
نفوس الجنود
الذين
شُحنوا
مسبقاً
بتنبؤات هذا
المنجم
فكانت
الهزيمة في
النفوس قبل
الميدان،
»وكان
هتلر يعتمد
على أحد
العرافين،
وكانت وزارة
الدعاية
تستخدم أحد
الذين
يقرءون
الطالع
ويكتبونه
وينشرونه في
الصحف وفي
النشرات
الدعائية،
وبدأت
الطائرات
الألمانية
تلقي
بنبوءات (نوسترا
داموس) في كل
الأراضي
التي
هاجمتها
ألمانيا.
وفي
وثائق حرب
بريطانيا مع
ألمانيا
تكلفت
الحكومة
البريطانية
ربع مليون
جنيه لتقاوم
نبوءات (نوسترا
داموس) بنشر
نبوءات
مضادة لنفس
الرجل
ولآخرين من
علماء
التنجيم
وقراء الكف
وضاربي
الودع
وفاتحي
المندل، وكل
ذلك ثابت في
سجلات الحرب
البريطانية…
والعجيب أن
كتاب نبوءات (نوسترا
داموس) تصدره
المطابع
اليهودية في
أوقات
معروفة،
فقبل الحرب
تبيعه على
جانبي
المحاربين.
فمثلاً قبل
حرب 1948م انتشر
هذا الكتاب
في العالم
العربي،
وظهرت فقرات
منه مترجمة
في الصحف
البريطانية
والفرنسية…
وقبل النكسة
نشرت الصحف
الإسرائيلية
مع الحفاوة
الشديدة
فقرات تؤكد
انتصار
اليهود
وهزيمة
العرب، وفي
عام 1973م أعيد
نشر
النبوءات«
(لعنة
الفراعنة91-93).
وفي
حرب الخليج
الثانية كثر
حديثهم عن
هرمجدون ،
وحاول بعضهم
أن يطبقها
عليها ووجد
صدى عند بعض
الكتاب
المسلمين .
=
=إن
كثيراً من
الانتصارات
التي حققوها
في أرض
المعارك
سبقها رفع
الروح
المعنوية
عند الجنود
فيدخل أحدهم
المعركة وهو
واثق
بالنصر، كما
أُشبع بذلك
بوحي نبوءات (داموس)
أو أحد
العهدين أو
رؤى دانيال
ونحوها،
وربما يدخل
وهو منهزم
محطم الروح
واثق
بالهزيمة من
وحي ما أشبع
وأشيع من
أساطير
تنبأت
بهزيمته في
تلك
المعركة،
ومن هنا تأتي
أهمية دراسة
وسائل الحرب
النفسية
والشائعات
والتأثير في
الرأي العام
وتوجيهها
واستثماره
لصالح
المسلمين .
ومعلوم
اليمين
القاطعة
التي أقسمها
ابن تيمية
على أن النصر
سيكون
حليفهم ضد
التتار في
هذه المرة،
قيل له: قل إن
شاء الله،
قال: أقولها
تحقيقاً
لاتعليقاً،
فلما أكثروا
عليه قال: كتب
الله في
اللوح
المحفوظ
أننا سننتصر
عليهم هذه
المرة،
فارتفعت روح
الجنود
المعنوية،
فهزموهم
وحطموا
أسطورة (التتار
جيش لا يغلب)
بعد أن
استحكمت في
نفوس الناس
وعقائدهم .
ذكر ذلك ابن
القيم في
منزلة
الفراسة من
المدارج .
ومعلوم
أيضاً قول
خالد بن
الوليد في
اليرموك لمن
قال: ما أكثر
الروم وأقل
المسلمين،
قال له: كذبت
ما أقل الروم
وأكثر
المسلمين،
إنما تنصر
الجنود
بالإيمان
وتهزم
بالخذلان،
وقبل ذلك كله
معلو م قوله r
:»من قال هلك
الناس فهو
أهلكهم« بضم
الكاف
وفتحها على
القولين.