حمى
عام 2000
عبد
العزيز كامل
"البقرة
العاشرة"..
أخرجوها،
فمتى
يذبحونها؟!
هـذه
الحلقـــــات
تعالج
مستجدات
متوقعة أو
مرتب لها،
ترتبط
ارتباطاً
وثيقاً
بنهاية هذا
القرن
الميلادي
الذي أوشك على
الانتهاء. ولا
يفصل بيننا
وبين العام 2000
للميلاد سوى
شهور معدودة،
ومن اللافت أن
هناك العديد
من الظواهر
الدينية
والسياسية
التي يربطها
أصحابها
بحلول ذلك
العام؛ مما
يرشح ويرجح
حدوث أفعال
وردود أفعال
قوية وعالمية
على مسرح
الأحداث حول
عدد من
القضايا؛
وذلك كلما
اقترب الوقت
من عام 2000 وما
بعده، وهي
قضايا قد يحار
الناس في
فهمها أو
تحليلها
لارتباطها
بخلفيات
دينية عند أهل
الملل والنحل.
وهذه السلسلة
محاولة للكشف
عن خلفيات تلك
الظواهر،
وتحليل
أسبابها،
ودوافعها،
ورصد
التوقعات
المنتظرة
بسببها، يتم
نشرها ـ إن شاء
الله ـ في
حلقات منفصلة.
____________________________________
بدايةً،
أعتذر للقارئ
الكريم، عن
إشغال جزء من
صفحات هذه
المجلة
الوقورة
للكلام عن "بقرة"!..
ولكن.. ماذا
نفعل إذا كان
أعداء الله من
غلاة اليهود
يربطون مصير
المنطقة الآن
بمصير (بقرة)؟!
ولا أدري
بالضبط ما هي
حكاية اليهود
مع البقر؛ فقد
اتخذوا في
بواكير عهدهم
مع موسى \
إلهاً من عجول
البقر، كما
جاء في القرآن:
واتخذ
قوم موسى" من
بعده من حليهم
عجلا جسدا له
خوار
{الأعراف:
148} .
ولهم مع البقر
قصة أخرى،
نزلت باسمها
أكبر سورة في
القرآن، وهي
سورة البقرة
التي سميت
بهذا الاسم
لتدل على سوء
الفهم وخبث
الطوية لدى
بني إسرائيل
في أمر
تعنُّتهم في
البقرة التي
أُمروا
بذبحها،
واستمرار هذا
التعنت في
شؤونهم كافة،
بما استحقوا
معه أن يُنتزع
منهم
الاصطفاء،
ويتحول إلى
الأمة
الخاتمة، أمة
محمد صلى الله
عليه وسلم ،
كما دل على ذلك
محور السورة
وهدفها
الرئيس.
ولكن بني
إسرائيل من
يومها ظلوا
يعيشون في
وَهْمِ
الاصطفاء
والاختيار
والتميُّز،
مهما اقترفوا
من خطايا
وارتكبوا من
موبقات،
زاعمين أنهم
أبناء
الله وأحباؤه
{المائدة:
18}، أما
الشريعة التي
أنزلها الله ـ
تعالى ـ لهم،
فقد بدلوها
وغيّروا فيها
بما يُبقي
عندهم الشعور
الزائف بأنهم
لا يزالون على
دين صحيح
مقبول. والحق
أن ما بقي
لديهم من
الديانة، إما
مفتقر إلى
الصحة أو
مفتقر
للقبول، فهو
إما باطل
مخترع، أو حق
منسوخ.
وهناك أساطير
كثيرة لا
يزالون
يتداولونها
تدخل ضمن هذا
السياق، فهي
باطل مخترع أو
حق منسوخ، وقد
تابَعَتْهم
على بعضها
طوائفُ من
النصارى،
ولهذا فهم
جميعاً
يتقلبون بتلك
المعتقدات
الباطلة بين
وَصْفَي: (المغضوب
عليهم،
والضالين).
وقد مر معنا في
الحلقتين
السابقتين
كيف أن اليهود
يحاولون
إعادة إحياء
كل الأساطير
البائدة
المستمدة من
التوراة
المحرفة،
وكأنهم بذلك
يريدون الجمع
بين الخصوصية
الزمانية (زمن
الخلاص)
والخصوصية
الإنسانية (شعب
الله المختار)
والخصوصية
المكانية (الأرض
المقدسة)..
ولكن هيهات
هيهات أن تغير
الأساطير ما
قضت به
المقادير؛
فقد كتبت
عليهم اللعنة
إلى يوم الدين
على ألسنة
المرسلين.
أسطورة لها
خوار:
في عام 1920م،
وعندما بدأت
المباحثات
بين الاتحاد
الصهيوني
والإنجليز من
أجل التوصل
إلى صيغة
لتسليم
فلسطين
لليهود بعد
انتهاء
الانتداب،
كان من بين
الموضوعات
المطروحة
للبحث: (ملكية
جبل الهيكل).
وطرح الجانب
الإنجليزي في
المباحثات
سؤالاً: هل هذا
المطلب مطلب
عاجل أم آجل؟
وما مدى
اجتماع الشعب
اليهودي حول
هذا المطلب؟
فأجابهم
الحاخام (راف
كوك) قائلاً: "يؤمن
الشعب
اليهودي كله
إيماناً لا
يتزعزع أن هذا
المكان
المقدس، وكل
جبل الهيكل هو
مكان العبادة
الأبدي للشعب
اليهودي،
ورغم أنه في
حكم غيرنا
الآن، إلا أنه
في النهاية
سيقع تحت
أيدينا، ويوم
تقع أرض
الهيكل في
أيدينا،
ستأتي إشارة
من الرب (البقرة
الحمراء)
وبعدها نبدأ
فوراً في
البناء؛ حيث
تنبأ بذلك
أنبياء بني
إسرائيل"(1).
والنبوءة
التي أشار
إليها
الحاخام، هي
معنى ما ورد في
الإصحاح
التاسع عشر من
سفر العدد
بالتوراة،
ونصها: (وكلم
الرب موسى
وهارون
قائلاً: هذه
فريضة
الشريعة التي
أمر بها الرب
قائلاً: كلِّم
بني إسرائيل
أن يأخذوا
إليك بقرة
حمراء صحيحة
لا عيب فيها،
ولم يعْلُ
عليها نِيرٌ(2)
فتعطوها (ألعازار)
الكاهن فتخرج
خارج المحلة،
وتذبح قدامه،
ويأخذ
ألعازار
الكاهن دمها
بأصبعه،
وينضح من دمها
في وجه خيمة
الاجتماع سبع
سنوات، ويحرق
البقرة أمام
عينيه، يحرق
جلدها ولحمها
ودمها مع
فرثها، ويأخذ
الكاهن خشب
أرز وزوفاً
وقرمزاً،
ويطرحهن وسط
حريق البقرة،
ثم يغسل
الكاهن ثيابه..."
ثم بيَّن النص
العلة من
ممارسة هذا
الطقس: (.. تكون
البقرة لبني
إسرائيل
وللغريب
النازل في
وسطهم فريضة
دهرية).
ولكن: لماذا
حوَّل اليهود
تلك (الفريضة)
إلى نبوءة و (إشارة)
من الرب؟! في
الواقع أنهم
يربطون بين
تنفيذها وبين
إعادة بناء
الهيكل؛
فالفريضة.. أو
النبوءة.. أو
البقرة
الحمراء،
ستكون دلالة
عندهم على أن
الزمن الذي
ظهرت فيه هو
نفسه زمان
الهيكل
الثالث بعد
إعادة بنائه.
ولعل هذا يفسر
لنا استمرار
غياب الكلام
عن مثل تلك
الطقوس خلال
أزمنة اليهود
الخالية التي
لم يكن لهم
فيها تمكين.
ويعتقد
اليهود
المتدينون
أنه قبل ألفي
عام مضت، في
حقبة
المملكتين
اليهوديتين،
الأولى
والثانية؛ تم
مزج رماد بقرة
حمراء صغيرة
ذبحت في عامها
الثالث، وخلط
دمها بالماء،
واستخدم في (تطهير)
الشعب
اليهودي،
ليصبح مهيأً
للدخول إلى
الهيكل
المقدس،
ويعتقدون
أيضاً أنه لم
تولد طوال
التاريخ
اليهودي بقرة
بتلك الأوصاف
منذ دمر
الهيكل
الثاني عام 70
للميلاد،
وعلى حسب
التاريخ
الديني
اليهودي،
فإنه قد جرت
التضحية
ببقرة حمراء
واحدة في زمن
الهيكل
الأول،
وبثماني
بقرات في زمن
الهيكل
الثاني..
واليوم،
يستعدون
لمرحلة
الهيكل (الثالث)
وزمان البقرة (العاشرة).
البحث عن
البقرة:
لم يعد سراً
تزايد حرص
اليهود على
المزيد من
الخطوات
العملية ـ
المتفاعلة
الآن ـ من أجل
إعادة بناء
الهيكل بعد
الانتهاء من
هدم مسجدي
الأقصى
والصخرة،
وبما أن
الهيكل لن
يعمره
بالعبادة إلا
أناس (مطهرون)
من النجس،
وبما أن هذا
النجس لن يزول
إلا برماد
البقرة، وبما
أن البقرة لم
تكن موجودة
إلى عهد قريب،
فإن جهود
اليهود اتجهت
للبحث عن بقرة
تطل بقرنيها
على مشارف
القرن الجديد..
فلا بد من
ظهورها أو
إظهارها، ولو
اقتضى الأمر
استحداث
بيئات وظروف
تستخرج تلك
البقرة
استخراجاً من
بين ملايين
البقر!! وهذا
ما كان؛ فمنذ
عدة سنوات،
تعهد كاهن
أمريكي يُدعى (كلايد
لوت) ينتمي إلى
جماعة (حركة
الهيكل
الثالث)
الإنجيلية
الأصولية بأن
يوقف جهوده
للعثور على
بقرة
بالمواصفات
الدقيقة
الواردة في
العهد
القديم، ونذر
نفسه
للمساعدة في
أي مشروع
يتعلق بإعادة
تأهيل الهيكل
للعبادة، وقد
جرت اتصالات
ومقابلات عام
1989م بين هذا
الكاهن وبين
الحاخام
الإسرائيلي (حاييم
ريتشمان) الذي
يعمل في معهد (الهيكل
المقدس) حيث
اقترح
ريتشمان فكرة
إنشاء مزرعة
لإنتاج
وتربية
الأبقار من
سلالة (ريدنفوس)
الضاربة إلى
الحمرة،
فاقتنع
الكاهن،
وأنشأ بالفعل
تلك المزرعة
في ولاية
ميسيسيبي
الأمريكية،
وقد أنشأ هذا
الكاهن فيما
بعد فرعاً
لمزرعته في
مدينة حيفا،
تحسباً ليوم
تولد فيه
البقرة
المنتظرة!
إعلان
العثور على
البقرة.. وماذا
يعني؟
أخيراً... وبعد
ما يقرب من
ألفي عام،
ادعى اليهود
أنهم وجدوا
ضالتهم! لقد
ظهرت البقرة!!
ففي شهر
أكتوبر من عام
1996م، تم
الإعلان عن
ميلاد بقرة
حمراء مطابقة
للمواصفات
الواردة في
التوراة،
وأعلن أنها
ولدت في مزرعة
(كفار حسيديم)
وعلى الفور
ذهب وفد من
الحاخامات
لمعاينة حالة
مولود العصر،
ومقارنته
بالأوصاف
المذكورة في
التوراة، ثم
أعلنوا وقتها
مطابقة
المولودة
للمواصفات
بعد أن
باركوها،
وأمروا بفرض
حراسة مشددة
حولها! {جريدة
الأخبار
المصرية، 25
إبريل 1997م}.
لقد كان
الإعلان عن
العثور على
البقرة بداية
لمرحلة جديدة
ومثيرة من
الهوس الألفي
عند اليهود
وأنصارهم من
البروتستانت
المتهودين في
أمريكا
وبريطانيا،
وتناولت
وسائل
الإعلام
الحديث
بتغطية
متلفعة
بالتكهنات
والتوقعات
والحذر؛ فقد
نشرت صحيفة
الأوبزرفر
البريطانية
في عددها
الصادر في (9-7-1997)
أخبار الحدث
قائلة: "سيكون
الذبح الطقسي
للبقرة
الحمراء بعد
ثلاث سنوات من
ميلادها،
بداية العد
التنازلي
للعودة
الكبيرة
لليهود إلى
موقع عبادتهم
السابق،
وتبشيراً
بمجيء المسيح
المخلِّص،
بيد أن محاولة
تحقيق هذه
العودة ستؤدي
إلى بداية لا
تُنسى للألف
الثالثة"!
لقد توافد
الآلاف من
اليهود (متدينين
وغير متدينين)
إلى مزرعة (كفار
حسيديم) في
إسرائيل
لمشاهدة هذا
الكائن (الأسطوري).
ولحسم الفوضى
التي يمكن أن
تنشأ عن هذا
التدافع،
لجأت الجهات
اليهودية
المهتمة بهذا
الشأن إلى
تنظيم
الزيارات
والرحلات
لزيارة
البقرة!! لقد
نجح الشيطان ـ
لعنه الله ـ في
استثمار ضعف
الإنسان حيال
الغيب
المجهول،
فأحدث بين
اليهود حالة
من النشوة،
محفوفة بهالة
من الرهبة
وممزوجة
بالرغبة في
اقتحام
المزيد من
أستار الغيب
المجهول،
ورأى كبار
زعماء
الجماعات
الدينية
الفرصة سانحة
لضخ الدماء في
عروق التعصب
لمزيد من
التأهب
لمغامرات
المستقبل
القريب،
ونظروا إلى
البقرة التي
أطلقوا عليها
اسم (ميلودي)
على أنها أحدث
إشارة بدنو
العصر
الأخير،
وتوقع
الكثيرون
منهم أن
تستخدم دماء
تلك البقرة
عينها في
احتفالات (تطهير)
الشعب
اليهودي،
الذي لا يمكن
أن يمارس
العبادة في
الهيكل إلا
بعد أن يتم
تطهيره
برمادها
وفقاً لقول
التوراة التي
بأيديهم: (كل
من لم يتطهر
فإنه ينجس
مسكن الرب)(1)
ورأى آخرون أن
هذه البقرة
التي ظهرت هي
حلقة الوصل
المفقودة
والمطلوبة
للوصول
السريع إلى
زمن إعادة
الهيكل؛ حتى
إن اليهودي
الأصولي
المتعصب (يهودا
اتزيون) الذي
كان متهماً
رئيساً في
محاولة تفجير
قبة الصخرة
عام 1985م، أعلن
بعد ظهور
البقرة
ابتهاجه بهذا
الحدث (التاريخي)
وقال: "إننا
ننتظر منذ
ألفي سنة ظهور
إشارة من
الرب، والآن
أرسل لنا
البقرة
الحمراء،
وظهورها
يعتبر أحد أهم
الدلائل على
أننا نعيش في
زمن مميز،
ولهذا فلا بد
من الإسراع
بإزالة مسجدي
الأقصى
والصخرة من
جبل الهيكل،
ونقل
بقاياهما إلى
مكة"! {السياسة
الكويتية، 30-10-97}.
وبدأ
المتعصبون
اليهود على
الفور في
استثمار
الحدث،
لإنشاء واقع
جديد من
خلاله، فدعا
عديد من زعماء
الجماعات
الدينية (الطليقة)
في طول البلاد
وعرضها في (إسرائيل)
إلى إلغاء
الفتوى
الحاخامية
القديمة التي
تحظر على
اليهود دخول
ساحات المسجد
الأقصى،
ووقعوا توصية
بذلك في
المؤتمر
السابع لحركة (إعادة
بناء الهيكل). {
الحياة، 16-9-1998م}.
وبالفعل،
قررت لجنة من 60
حاخاماً في
شهر أغسطس من
عام 1997م تجاوز
الحظر الذي
كان معمولاً
به، وشجعوا
اليهود على
الصعود إلى ما
يسمونه (جبل
الهيكل) حيث
يوجد المسجد
الأقصى ومسجد
الصخرة،
واحتج هؤلاء
بأن لديهم
مسوغات كافية
تجعل من حق
اليهود أن
يصعدوا إلى
هناك لكي
يتسنى لهم
البدء في
الاستعدادات
الخاصة
بإعادة بناء
الهيكل، وقال
المتحدث
باسمهم: "إن
الحظر العام
على الصعود لم
يكن يأخذ في
اعتباره في
السابق
الاكتشافات
الأخيرة،
وأبرزها
اكتشاف
البقرة
الحمراء،
ونحن الآن
بانتظار
الخلاص،
وإعادة بناء
الهيكل التي
يجب أن تبدأ
بسرعة في
أيامنا هذه". {الأنباء
الكويتية، 9-7-1997م}.
وبدأت مجموعة
من الحاخامات
منذ سنوات في
دعوة عائلات
الكهان
لإرسال
أولادهم لكي
يتم إعدادهم
في حجْر (العزل
الطاهر)
ليكونوا
جاهزين للعمل
في الطقوس
المتعلقة
بالبقرة،
واستجابت
أربع عائلات
كهنوتية
للتبرع
بأولادها من
أجل هذا الغرض.
{الرأي العام،
5-3-1998م}.
وبدأ
الحاخامات
منذ فترة ـ
بالاتفاق مع
الجهات
الحكومية ـ
بتحصيل نسبة 1%
من مجموع
الإنتاج داخل
إسرائيل،
ليوضع في حساب
(خدمات الهيكل)
الذي دخلت
مهماته مرحلة
التنفيذ
بظهور
البقرة،
وتحصيل هذه
النسبة يجري
الآن وفقاً
لتشريع ديني
يقضي بأن يقدم
الشعب
اليهودي عُشر
العشر ليوقَف
على الهيكل،
وقد وُضِعَ
عنوان خاص
لاستقبال تلك
الإسهامات
وتنظيم
إنفاقها على
المشاريع
المتعلقة
بالهيكل.
لقد ظهرت مع
ظهور البقرة
الحمراء حالة
من الحماس
الديني بين
الجماعات
اليهودية
التي تنافس
الحكومة
بأنشطتها (120
جماعة)، وبدأت
في اكتساب
أنصار جدد من
أولئك الذين
لم يكونوا
يأبهون
بشعارات
الجماعات
الدينية، وقد
علق (مناحيم
فريندمان)
الخبير في
الشؤون
الدينية في
جامعة (بارابلان)
على هذه
الظاهرة
الجديدة
بقوله: (إن
ولادة هذا
الحيوان
الطارئة،
أوجدت حالة من
الحساسية في
إسرائيل؛ إذ
أصبح الناس
يبحثون في أمر
هذه العلامة
ويتحدثون
عنها بدقة). {السياسة،
30-10-1997م}.
البُعد
السياسي لعهد (البقرة):
لم يكن
المتدينون
وحدهم
المحتفين
بضيفة (إسرائيل)
الجديدة، بل
اهتبل
السياسيون
مناسبة
حلولها في ذلك
التوقيت،
لتحقيق أغراض
سياسية
وحزبية،
مستغلين
تصاعد المد
الديني في (إسرائيل)
وربط كثيرون
بين ظهور
البقرة وظهور
نتنياهو،
الذي تُوجت في
عهده أنشطة
الجناح
الديني في
السياسة
الإسرائيلية.
والمؤسسة
الدينية التي
اعتبرت فوز
نتنياهو
انتصاراً
للمتدينين
وهزيمة
للعلمانيين؛
دأبت على
تدعيم موقفه
بعد الإعلان
عن ظهور
البقرة،
وربطت مجيئه
بتحقيق
نبوءات
يؤمنون بها،
مما جعل البعض
منهم ينظرون
إليه على أنه
يتبوأ منزلة (ملِك)
من ملوك
إسرائيل
التاريخيين،
وأنه يمكن على
هذا أن يتمتع
بـ (العصمة)
الدينية،
التي تجعل
مخالفيه في
زاوية
المخالفين
للتوراة.
وقد أثار
تفاؤل
المتدينين
أيضاً وقتها،
أن عهد
نتنياهو
سيستمر في
السلطة حتى
العام 2000م على
الأقل(1) وهو
العام المرتب
له أن يكون عام
(التطهير)!
لكن هناك فريق
من
الإسرائيليين
لم يشاركوا
جمهور اليهود
في الابتهاج
بالعجل
الجديد، وهم
شرائح من
العلمانيين
الذين شعر
كثير منهم
بالانزعاج
والتخوف من
مضاعفات هذا
الاكتشاف
ونتائجه التي
قد يصيبهم
شرها وشررها.
ورأى بعضهم أن
"قضية"
البقرة، قد
تفتح باباً
لدوامة من
العنف لا
نهاية لها بين
المسلمين
واليهود داخل
فلسطين،
وأيضاً بين
المتدينين
وغير
المتدينين من
اليهود، وذلك
ما أكده
الصحفي
الإسرائيلي (ديفيد
لانرد) حيث قال:
"إن الأذى
المحتمل من
جانب الحديث
عن ظهور
البقرة
الحمراء،
يفوق بكثير ما
يمكن أن ينتج
عن الخصائص
التدميرية
لقنبلة نووية
دينية".
خيبة أمل..
عارضة:
بعد أن راحت
الأحلام تسبح
باليهود
المتدينين في
سواحل الخيال..
والخبال، طرأ
ما يعكر أجواء
هؤلاء
الحالمين،
فقد شكك بعض
الحاخامات في
أن تكون (ميلودي)
هي البقرة
الحمراء
المنتظرة،
وأوردت صحيفة
معاريف
الإسرائيلية
الصادرة في (29-10-1997م)
عن الحاخام (شمار
ياشوف)
تصريحاً أدلى
به من المزرعة
التي تقيم
فيها (ميلودي)
قال فيه: "قد لا
تكون هذه
البقرة هي
الحقيقية
بسبب بعض
الشوائب"!
وأخرج
الحاخام عدسة
مكبرة، ولاطف
البقرة،
وصوَّب
العدسة نحو
ذيلها وقال: "انظروا..
هنا تجدون بعض
الشعيرات
البيضاء"! ثم
اتجه إلى
رأسها،
وصوَّب النظر
نحو عينيها
وقال: "لاحظوا..
إن رموشها ـ
تبدأ حمراء ـ
وتنتهي سوداء"!
وقد شكك آخرون
في هذا
التشكيك، كما
نقلت ذلك
الأوبرزفر في
9-7-1997م فهوَّن (يهودا
اتزيون)
الناشط
الصهيوني من
شأن تلك
التحفظات
التي أبداها
الحاخام
المذكور،
وسارع إلى
طمأنة
القلقين وقال:
"هذه
الشعيرات
التي شوهدت
ستختفي بمضي
الوقت، وحتى
إذا لم تختفِ،
فإن الكتاب
المقدس يقول:
إن شعرات
قليلة لا تنفي
الطبيعة
المقدسة
للبقرة إذا
كانت كلها
حمراء".
إن مشاعر
التعجل لدى
متعصبة
اليهود، لا
تريد أن يخرج
الناس من
أجواء
الأوهام
الألفية
الخلاصية،
فهم يجنون
أنضج الثمرات
من تأجيج
أحاسيس الدنو
القريب لعصر
النهاية (السعيد)
ولا يدري
هؤلاء
البؤساء،
أنهم
سيخرِّبون
بيوتهم
بأيديهم
وبأيدي
المؤمنين في
نهاية
المطاف،
ولكنهم
مصروفون عن
هذا، ومصرون
على النفخ في
كير الحرب
الدينية
القادمة، حتى
إن (اتزيون)
المذكور
آنفاً، وغيره
من
المتعصبين،
يعتقدون ـ كما
نقل عنه في
التصريح
السابق ـ أن
رماد البقرة
الحمراء
سيحول
مجموعات
اليهود
المتدينين
القلائل إلى
حركة
جماهيرية
واسعة
الانتشار!
هل لنا موقف من
(البقرة)؟
نحن بطبيعة
الحال، لا
يعنينا من شأن
تلك البقرة
شيء، سواء في
شكلها أو
وصفها أو
سنها، أو زمان
ومكان
خروجها، ولكن
الذي يعنينا
هو ما تمثله
تلك البقرة من
كابوس يمكن أن
يثير من
الأحداث ما
يتعاظم على
السيطرة، وقد
عودنا اليهود
ـ خلال
الخمسين
عاماً
الأخيرة ـ
أنهم أكفأ
البشر في
تسويق
الأحلام
واستثمار
المصائب
لصالحهم. قد
يتشبث اليهود
بتلك البقرة
بالذات
ليكملوا نسج
بقية
الأسطورة بين
يديها أو
قرنيها، وقد
يستبدلونها
بعد حين بأخرى
أكثر مطابقة
للمواصفات
التي تليق
بأمة متنطعة
تريد أن تكرر
حديث الصفات
النادرة عن
البقرة
الصفراء
الفاقع
لونها، مع
البقرة
الحمراء
الخالص
حَمَارها.
أما المعتقد
الأصلي في
البقرة،
والموجــود
الآن في نسخ
التــوراة
المتداولة،
فلا نصدقــه
ولا نكذبه ـ
فقد يكون من
الشرائع
المنسوخة ـ
وذلك تسليماً
بالهدي
النبوي
المذكور في
الحديث
الشريف: "لا
تصدقوا أهــل
الكتاب ولا
تكذبوهم،
وقولوا: آمنا
بما أنزل
إلينا وما
أنزل إليكم"(1).
ولكن
المقطــوع به
أن تلك (الفريضـة
الدهريــة)
كما وصفوها..
لا تمت إلى
الديــن
المقبول
بصلة، بعد
بطلان
الشرائع
بشريعــة
النبي
الخـاتـم صلى
الله عليه
وسلم .
وهنا أمر أود
الإشارة
إليه، وهو
أنني لا
أستبعد أن
يكون ظهور
بقرة حمراء
مطابقة لما
يتطلع إليه
اليهود، من
تلاعب
الشيطان،
فيكون هذا من
قبيل
الاستدراج
لهم، فقد تأتي
الأقدار لهم
بالبقرة التي
يريدون،
إمداداً لهم
في الغي،
فيظنون أنهم
قد وصلوا إلى
عتبة عصر (الطهارة)
وينتهي الأمر
بهم إلى مزيد
من الانصراف
عن الحق، كما
قال ـ سبحانه ـ:
سأصرف
عن آياتي
الذين
يتكبرون في
الأرض بغير
الحق وإن يروا
كل آية لا
يؤمنوا بها
وإن يروا سبيل
الرشد لا
يتخذوه سبيلا
وإن يروا سبيل
الغي يتخذوه
سبيلا
{الأعراف:
146}.
ويمكن أن يكون
هذا التلاعب
الشيطاني بهم
مثيلاً
لتلاعبه بهم
في شأن انتظار
نبي خاص بهم من
نسل داود،
جعلهم يكفرون
بعيسى \
ويكفرون
بمحمد صلى
الله عليه
وسلم مصرين
على انتظار
هذا النبي
الموعود. قال
ابن القيم ـ
رحمه الله ـ: (ومن
تلاعبه بهم ـ
يعني اليهود ـ
أنهم ينتظرون
قائماً من ولد
داود النبي،
إذا حرك شفتيه
بالدعاء، مات
جميع الأمم،
وأن هذا
المنتظر
بزعمهم هو
المسيح الذي
وُعِدوا به،
وهم في
الحقيقة إنما
ينتظرون مسيح
الضلالة
الدجال، فهم
أكثر أتباعه)(2).
البقرة..
ونجاسة الشعب (المختار):
من أعجب أمور
اليهود، أنهم
لا يزالون
يؤمنون عن
يقين بأنهم (شعب
الله المختار)
حتى تقوم
الساعة!
والأعجب من
ذلك أنهم
يعتقدون
بالقدر نفسه
من اليقين
بأنهم شعب (نجس)
منذ عشرات
القرون،
لماذا؟ لأنهم
قارفوا
نجاسات عديدة
لا يمكن
التطهر منها
حسب شريعتهم
إلا برماد
البقر
الأحمر، ضمن
طقوس لا تمارس
إلا في
الهيكل، وبما
أن الهيكل
غائب منذ ألفي
عام، وعقمت
معه الأبقار
أن يلدن واحدة
حمراء خالصة،
فإن (النجاسة)
ظلت ملازمة
للشعب
اليهودي
بكامله. جاء في
توراتهم: في
سفر العدد ـ
الإصحاح 19: "هذه
هي الشريعة..
إذا مات إنسان
في خيمة، فكل
من دخل الخيمة
وكل من كان في
الخيمة يكون
نجساً... كل
إناء مفتوح
ليس عليه سداد
بعصابة فإنه
نجس، وكل من مس
على وجه
الصحراء
قتيلاً
بالسيف أو
ميتاً أو عظم
إنسان أو
قبراً يكون
نجساً.." "والذي
مس ماء
النجاسة يكون
نجساً.. وكل ما
مسه النجس
يتنجس،
والنفس التي
تُمس تكون
نجسة"!! فَمَنْ
إذن من الشعب (المختار)
بقي طاهراً؟!
المشكلة هنا
ليست في
النجاسة ـ فكل
الكفار
والمشركين
نجس ـ ولكن
المشكلة أنهم
يعتقدون أن
هذا النوع من
النجاسة لا
يزول إلا
برماد البقرة
المحظية في
نهاية
الألفية، جاء
في الموسوعة
الدينية
اليهودية: "إن
البقرة
الحمراء يجب
سحبها خارج
القدس، وبعد
ذبحها يجب
حرقها
بكاملها بعد
إضافة خشب
الأرز وأعشاب
أخرى، ويشرف
على هذه
الطقوس حاخام
أو كاهن،
ويستخدم
الرماد في
التطهر وطرد
الأرواح
الشريرة التي
يمكن أن تنتقل
إلى اليهود من
الموتى لو
مسوا جثمانهم".
والظاهر أن
نجاسة اليهود
من أكثر ما
يؤرقهم، حتى
إن التلمود
الذي وضعه
الحاخامات
تفسيراً
للتوراة يدور
سدسه تقريباً
حول كيفية
التطهر من
النجاسات،
وجاءت البقرة
ـ أو هكذا ظنوا
ـ لتكون فاتحة
لعهد من
الطهارة
يستقبلون به
عصراً من
الأمجاد،
والله يعلم أن
جميع البقر
الأحمر
والأبيض
والأسود، لو
صُيِّر
رماداً، ثم
خلط بماء
البحر الأحمر
والأبيض
والأسود، ثم
أغرقت فيه أمة
اليهود كلها،
لما تطهر واحد
منهم من نجاسة
الكفر، إلا
إذا دخل في دين
التوحيد وآمن
برسالة خاتم
الرسل وسيدهم
محمد ـ صلوات
الله وسلامه
عليه وعلى آله
وصحبه ومن
اتبعه إلى يوم
الدين ـ قال ـ
تعالى ـ:
يا
أهل الكتاب قد
جاءكم رسولنا
يبين لكم
كثيرا مما
كنتم تخفون من
الكتاب ويعفو
عن كثير قد
جاءكم من الله
نور وكتاب
مبين
15
يهدي
به الله من
اتبع رضوانه
سبل السلام
ويخرجهم من
الظلمات إلى
النور بإذنه
ويهديهم إلى
صراط مستقيم
{المائدة:
15، 16}.
أما هؤلاء،
فإنهم لا
يزالون في أسر
الآصار التي
كانت عليهم،
لا يبغون عنها
فكاكاً، وقد
نقلت صحيفة
الرأي العام
الكويتية عن
إحدى الصحف
الإسرائيلية
في (5-3-1998م) أن
حواراً أجري
مع واحد من
أبرز
الحاخامات
الإسرائيليين
ويدعى (البويم)
حول العديد من
الأسئلة
الحائرة
الدائرة حول
البقرة، فكان
من ضمن
الأسئلة: هل
تكفي بقرة
واحدة لخمسة
ملايين يهودي
ملوثين
بالنجاسة؟
فأجاب: "أجل،
ولسنوات
كثيرة أيضاً،
لقد دُوِّن في
التوراة أن
البقرة
الحمراء
الأولى أعدت
على عهد موسى،
أما الأبقار
التالية فقد
أعدها عزرا،
فخلال فترة
الهيكل
الثاني أعدوا
ثماني بقرات،
إذن فالعدد
كله تسع
بقرات، ونحن
الآن في زمان
البقرة
العاشرة"
إذن، فأمر
البقرة ـ سواء
كانت هي تلك
التي أعلنوا
عنها أو غيرها
مما يمكن أن
يعلنوا عنه،
ليس بالأمر
الهامشي في
حياة اليهود
في هذه
الأيام؛ خاصة
أنهم يرون
أنفسهم قد
قطعوا من
الطريق أطوله
نحو عهد
الهيكل
الثالث،
وعلماً بأن ما
يقرب من 95% من
الطقوس
العبادية
اليهودية
التي تؤدى في
الهيكل، يحول
بين اليهود
وبين
ممارستها ما
يسمونه بـ (نجاسة
الموتى)، بل إن
بعض
الحاخامات
يتحدثون عن
استحالة
افتتاح
الهيكل
للعبادة
بأيدي (أنجاس)
واستحالة
تمكُّن هؤلاء
من القيام
بشؤونه
وطقوسه قبل
تطهُّرهم
برماد البقرة!!
ولله في خلقه
شؤون! كيف إذن
سيبنون وكيف
يجهزون وهم
أنجاس؟ الله
أعلم!
أما عن كيفية
التخطيط
العملي لهذه (الطهارة)
الجماعية،
فهذا سؤال
توجهت به
صحيفة (هآرتس)
الإسرائيلية
في (2-3-1998م) إلى أحد
الحاخامات
الكبار فقال: "سنحرق
البقرة قبالة
موقع الهيكل
من جهة الشرق،
وبالإمكان أن
نضيف إليها
بعض الأشجار،
وبعد ذلك نخلط
الرماد بعضه
ببعض، ومن ثم
يتم وضع
الرماد في
أنابيب،
وتوزع في
أرجاء البلاد"!!
شيء قريب من
توزيع مياه
الشرب أو (الغاز)..
إنها ألغاز!!
فماذا إذن عن
الملايين
العشرة
الباقين من
اليهود خارج
البلاد؟!
الظاهر أن
الرماد
سيصدَّر
إليهم في
مغلفات معقمة
من قوارير، أو
أنه سيكون
مدعاة قوية
لهجرات جديدة
إلى أرض
الميعاد...
والرماد!
موعد الميلاد..
وموعد الذبح:
الموعد الذي
ولدت فيه
البقرة سيحدد
بدقة الموعد
الذي ستذبح
فيه، فعلى حسب
المفاهيم
اليهودية لا
بد أن تذبح
البقرة بعد أن
تتم ثلاث
سنوات، وهناك
اختلاف معلن
في تحديد
الموعد الذي
ولدت فيه،
فالبعض داخل (إسرائيل)
يقول إنها
ولدت في شهر
أغسطس من عام 1997م،
وهناك من يقول
إنها ولدت في
يناير من
العام نفسه،
وعلى هذا؛ فهي
ستتم عامها
الثالث إما في
يناير من عام 2000م،
أو في أغسطس من
العام نفسه،
وعلى هذا يكون
العام 2000م،
عاماً
مصيرياً في
عمر البقرة
وفي عمر
اليهود، حيث
تتوقع
جماعاتهم
الدينية أن
عصراً جديداً
سيحل في الأرض
المقدسة بعد
ذبح البقرة في
بيت المقدس،
أو في (أورشليم)
كما يسمونها!
ومع (أورشليم)
التي يجري
إعدادها
أيضاً لعهدها
الجديد قبل
العام 2000م
سيكون حديثنا
في الحلقة
القادمة ـ إن
شاء الله ـ.
عمران بيت
المقدس...
ومصير الحل "النهائي"!
قبل أن يلفظ
القرن
العشرون
أنفاسه
الأخيرة،
يُراد منه أن
يشهد الفصل
الختامي الذي
يُسدل فيه
الستار على
المشهد
الأخير من
قضية (بيت
المقدس).
\ فقبل العام 2000م
يريد اليهود
من العالم أن
يحسم اختياره
المتردد
لصالح
اختيارهم
الحاسم
بالابتلاع (الأبدي)
للقدس، عاصمة
موحدة
لدولتهم،
وسيكون هذا
المحور
الرئيس في
المعركة
الانتخابية
في 17 مايو 1999م.
\ وقبل العام 2000م
تريد حامية
النصارى ـ
الولايات
المتحدة
الأمريكية ـ
أن تُنفِّذ
قرار
الكونجرس
الملزم بنقل
سفارتها إلى
القدس في موعد
أقصاه 31 مايو 1999م.
\ وقبل العام 2000م
لا بد أن يرى
العرب المصير
الذي ستؤول
إليه قضية
القدس، وهل
ستصبح عاصمة
للدولة
الفلسطينية
المقرر لها أن
تعلن في 4 مايو 1999م
بعد المرحلة
الانتقالية
للحكم
الذاتي، أم أن
القضية
برمتها ستعود
من حيث بدأت،
فيراجع العرب
مع أنفسهم
حساب الربح
والخسارة في
مسيرة الحرب
والسلام؟!
ستشهد الشهور
القادمة حسم
هذه المسائل
الثلاث،
سلباً أو
إيجابياً.
والسلب
والإيجاب
هنا، ليس
أمراً قدرياً
محضاً من قبيل
المصادفات؛
ولكنه السلب
والإيجاب
الذي يحكمه
قانون
الأسباب، وهو
من القدر
أيضاً. بمعنى
آخــر: فإن
الأسباب
المبذولة من
كل طرف لنصرة
قضيته ودعمها
بعد فهمها هي
التي ستوجه
المؤشرات نحو
هذا الحل أو
ذاك.
ولو
يشاء الله
لانتصر منهم
ولكن ليبلو
بعضكم ببعض
{محمد:
4}.
إن هذا الأمر
يدعونا إلى أن
نطرح سؤالاً
كبيراً يحوي
أسئلة ثلاثاً
وهي: ماذا تعني
(القدس)
بالنسبة
لليهود،
وماذا عملوا
من أجلها على
مدى خمسين
عاماً؟ وماذا
تعني (القدس)
بالنسبة
للنصارى،
وماذا عملوا
من أجلها على
مدى تلك
الخمسين وما
قبلها؟ وماذا
تعني (القدس)
بالنسبة
للعرب
والمسلمين؟
وماذا عملـوا
مــن أجلها
خلال ما مضــى
مــن عمر
القضية؟!
مَنْ مِن هذه
القوى يملك
خياره؟ بل
مَنْ منها
سيفرض خياره؟
ماذا تعني
القدس عند
اليهود؟
هم يطلقون
عليها (يورشلايم)
أو (أورشليم)،
أي: مدينة
السلام، التي
سيقودون
العالم منها
تحت قيادة (ملك
السلام)! هكذا
نسبوا
للتوراة. ففي
التوراة كمٌّ
كثيف من
الحديث عنها؛
حيث ذُكرت
فيها نحواً من
ستمائة
وثمانين مرة،
ويطلق اليهود
على القدس
أيضاً (صهيون)
نسبة إلى
الجبل
الموجود فيها
والمسمى بهذا
الاسم الذي
انتسبت إليه
الحركة
الصهيونية،
ويطلقون على
القدس أيضاً ـ
كما في
التـوراة ـ (مدينـة
الإله) و (مدينــة
العـدل) و (مدينة
الحق) و (مدينة
الشعب
المختار)
وأيضاً
يطلقون عليها (أريئيل)
يعني: أسد الله.
وكل هذه
المعاني تشير
إلى مغزىً
واحد، وهو
ارتباط تلك
المدينة
بالعقيدة
والشريعة
اليهودية؛
حيث فرضت تلك
الشريعة على
اليهود أن
يحجوا إليها
ثلاث مرات في
العام، وأن
يتوجهوا
إليها دون
أرضٍ غيرها في
العالم.
وحيث شُرِّد
اليهود عن تلك
الأرض،
ودُمِّر
المعبد
المُتخَذ
قِبلةً فيها
دون أن
يستطيعوا
العودة إليها
أو إعادة
معبدها عبر
ألفي عام؛ فهل
يسهل عليهم
بعد أن عادوا
إليها أن (يتنازلوا)
عنها كلها أو
بعضها لقوم
آخرين يريدون
أن يتخذوها
عاصمة؟ هل
سيقدِّم
اليهود هذه
المدينة التي
انتزعوها
بالدم والدمع
ـ كما يقولون ـ
لقوم أضاعوها
في أيام،
بعدما حفظها
أجدادهم طيلة
قرون؟!
إن المدينة
التي يحتفل
اليهود الآن
بذكرى مرور
ثلاثة آلاف
عام(1) على
بنائها، لا
تقبل في
تصورهم أن
تقسم بينهم
وبين غيرهم ما
دامت قد وقعت
في قبضتهم.
والذين
يتصورون أن
اليهود
سيفرِّطون في
القدس أو في
أحد شطريها،
لصالح العرب،
يعيشون وهماً
كبيراً، وهم
مخدوعون أو
مخادعون!
فالقدس في
معتقد اليهود
كل لا يتجزأ،
فهم لا
يعترفون
بتقسيمها إلى
غربية لليهود
وشرقية
للعرب، بل هي
مدينة واحدة
موحدة، تقبل
الزيادة ولا
تقبل
التجزئة، وفي
التلمود أن "القدس
ستتوسع في آخر
الزمان حتى
تصل إلى دمشق،
وسوف يأتي
المنفيون
ليقيموا
خيامهم فيها"(1).
وللقدس مكانة
مستقبلية في
التراث
الديني
اليهودي؛ فهي
ستكون عاصمة
لمسيح الخلاص
الآتي من نسل
داود، ولهذا
يطلقون عليها (الشخيناه)
أي: الملكوت
الذي سيتنعم
منه العالم.
جاء في (الأجاداة)(2):
"سيأتي
اليهود إلى
القدس
وسيأخذونها،
وستمتلئ
حدودها
بالثروة". وفي
تفسير
التوراة
صَوَّرت (القبالاة)(3)
(أورشليم)
وكأنها
المكان الذي
سيفيض بالخير
مـن السماء،
ومنهـا
يــوزع علــى
بقية العالم!
ومن اللافت
للنظر ـ أيضاً
ـ أنهم
يعتقدون
بمقتضى (القبالاة)
أن القدس
ستعلو
أسوارها حتى
لا تصل إليها (قوى
الظلام)!
وستكــون
مكاناً
مناسباً
لتهيئة
اليهـود
وإعادتهــم
إلى
التقــــوى!!
ماذا فعل
اليهود من أجل
القدس؟!
لقد برهن
اليهود، ولا
يزالون
يبرهنون على
أن المعاني
العقدية لا بد
أن تترجم إلى
وقائع عملية.
وفيما يتعلق
بالقدس، كان
تحويلها إلى
مدينة يهودية
خالصة هدفاً
ماثلاً أمام
كل القوى ـ على
اختلاف
توجهاتها ـ
قبل إقامة
الدولة وبعد
إقامتها،
ووجدت فكرة (القدس
اليهودية) من
يحفرها على
جدران الواقع
الهش، وسط أمة
لم تحسن فهم
الواقع فضلاً
عن التعامل
معه.
لقد تقرر
اتخاذها
عاصمة (دائمة)
قبل أن
تُتَّخذ (تل
أبيب) عاصمة
مؤقتة، وبُدئ
في تهويدها
بالفعل منذ
قيام الدولة
في عام 1948م، وفي
الرابع
والعشرين من
شهر يونيو من
العام نفسه
أعلن بن
جوريون في
الكنيست أن
مسألة إلحاق
القدس
بإسرائيل
ليست موضع
نقاش، ثم تم
بالفعل
إعلانها
عاصمة للدولة
في 23 يناير 1950م.
وقامت (إسرائيل)
بنقل كل
الوزارات إلى
القدس (الغربية)
ريثما يتم
الاستيلاء
على القدس
الشرقية، وفي
حرب يونيو 1967م،
وبعد يومين
فقط من بدء
الحرب، اجتاح
الجيش
الإسرائيلي
القدس
الشرقية
محققاً
الانتصار على
مجموع الجيوش
العربية التي
دخلت الحرب
دون استعداد!
ووقتها دخل (موشي
ديان) وزير
الدفاع
الأسبق ليعلن
في تصريح أمام
حائط المبكى،
ما يُظهِر أن
القدس
الشرقية كانت
هدفاً رئيساً
للحرب، قال: (لقد
أعدنا توحيد
المدينة
المقدسة،
وعدنا إلى
أكثر أماكننا
قداسة، ولن
نغادرها
أبداً" وقد
يقول قائل: إن
مثل تلك
التصريحات
تقال في أزمنة
الحرب من أجل
حشد الطاقات
ورفع
المعنويات،
أقول: قد قالها
بعد ديَّان (رابين)
في أحد
مؤتمرات
السلام
والتطبيع،
ففي مؤتمر
الدار
البيضاء، وفي
ضيافة الدولة
المضيفة لـ (لجنة
القدس) قال
رابين: (إن
القدس الكبرى
الموحدة،
ستظل عاصمة
لإسرائيل
لأبد الآبدين)
{صحيفة
هاتسوفين
الإسرائيلية
(12-11-1994م)}.
أما نتنياهو
فإن قضية
القدس (الموحدة)
بالنسبة له،
هي قضية حياة
أو موت، وقد
وقف أمام
أعضاء
الكونجرس
الأمريكي في
أول زيارة له
بعد فوزه في
الانتخابات
عام 1996م وجهر
بعبارة محددة
ورددها ثلاث
مرات، وكأنه
يردد
قَسَماً، قال:
أورشليم هي
عاصمة
إسرائيل
الموحدة إلى
الأبد..
أورشليم هي
عاصمة
إسرائيل
الموحدة إلى
الأبد..
أورشليم هي
عاصمة
إسرائيل
الموحدة إلى
الأبد..
ومع تعالي
نبرات صوته
كلما كرر
العبارة،
كانت تتعالى
أصوات
التصفيق
الحاد، لتغطي
على صوت
الميكروفونات،
حتى دوَّت
القاعة كلها
بتصفيق
متواصل،
وازداد
حماساً بعدما
وقف جميع
أعضاء
الكونجرس
الأمريكي
لتحيته! وفي
أول لقاء له مع
بيل كلينتون
في حديقة
البيت
الأبيض، أعلن
نتنياهو
إلغاء كل
القيود على
الاستيطان في
القدس.
إن العبارة
التي قالها بن
جوريون وكان
يرددها بعده
مناحيم بيجن: (لا
قيمة
لإسرائيل
بدون القدس،
ولا قيمة
للقدس بدون
الهيكل). هذه
العبارة،
تنسجم
منطقياً مع
النظرة
الدينية
اليهودية
للقضية، وتدل
على أنهم
يَعُون
ويعنون ما
يقولون،
وإلا، فماذا
يصنع اليهود
بدولة يعقوب (إسرائيل)
دون مدينة (داود)؟
وماذا
يستفيدون من
مدينة داود،
دون معبد (سليمان)
الذي ترتبط به
صلواتهم
وحجهم ومجمل
ديانتهم؟
إن
العلمانيين
العرب لم
يفهموا، أو لم
يريدوا أن
يفهموا هذه
الأبعاد
الدينية؛
ولذا فإنهم
كانوا ولا
يزالون
يتخبطون في
فهم القضية
والتعامل
معها، وليتهم
إذ عجزوا أو
تعاجزوا عن
فهم المعنى
الديني..
أقبلوا على
فهم المغزى
التاريخي،
فإنه يعطي ـ
خاصة في سياقه
الحديث ـ
إشاراتٍ
فصيحة تنبئ عن
ثبات الخُطا
اليهودية
تجاه السيطرة
التامة على
القدس غربيةً
وشرقيةً.
قصة الابتلاع:
بعد أن حاز
اليهود القدس
الغربية بعد
حرب عام 1948م،
ونالوا من
الأمم
المتحدة صكوك
ملكها في
حماية (الشرعية
الدولية)
اتجهت
أنظارهم نحو (القدس
الشرقية)
وكانت الحرب،
وكانت
النكسة، وكان
الاحتلال،
ولم تشأ
الشرعية
الدولية أن
تضفي شرعيتها
على هذه (المخالفة)
لقرار
التقسيم،
فأُطْلق على
القدس
الشرقية وصف:
الأرض
المحتلة، ومن
دون أن تتخذ
هذه (الأمم) أي
إجراء مضاد
لهذا
الاحتلال
يوقف
المحتلين عند
حدهم بعقوبات
أو حصار أو
تحالف دولي!
أما اليهود:
فقد سارعوا
إلى فرض واقع
جديد في طبيعة
الأرض التي
استولوا
عليها، والتي
لم يقدموا من
أنحاء العالم
إلا من أجلها؛
فبعد أقل من
عشرين يوماً
من دخولها،
صدر قانون
يقضي بإخضاع
القدس
الشرقية لنظم
الدولة في
إسرائيل،
وبدأ ضمها
الفعلي بدءاً
من عام 1968م، وفي 30
يوليو 1980م، صدر
قانون بضمها
بشكل نهائي
واعتبارها
عاصمة رسمية
موحدة للدولة
ومقراً
لحكومتها
وبرلمانها
ومكتب رئيسها.
وقد أطلق على
هذا القانون: (مشروع
القدس الكبرى)
وقد تم ذلك
لإعطاء قضية
توحيد القدس
بُعداً
عالمياً في
المجتمع
الدولي الذي
أسهم فعلياً
في تسهيل مهمة
اليهود في
ابتلاع الشطر
الأول،
تاركاً لهم
مهمة تدبير
شأنهم مع
الشطر الثاني.
ولم يكن على
اليهود ـ بعد
أن سيطروا على
القدس
الشرقية ـ حيث
مقدساتنا
الإسلامية ـ
إلا أن
يتفرغوا لفرض
واقع جديد،
يتم تنفيذه
على مراحل:
سياسياً
وقانونياً
وديموغرافياً؛
فالواقع
الديمغرافي
المتعلق
بالهوية
والسكان، كان
يميل بشدة إلى
جانب العرب
المسلمين في
فلسطين عندما
احتُلت القدس
الشرقية،
ولكن الكفة
ظلت تميد
وتميل إلى
جانب اليهود،
وفق تصور مبيت
وتدبير مقصود.
لقد كان سكان
القدس من
الفلسطينيين
عام 1967م يمثلون
نسبة 100%، ولكن
هذه النسبة
ظلت تنخفض
بشكل خطير،
ضمن مخطط يهدف
إلى إيصالها
إلى أدنى حد
لها بحلول
العام 2000م،
وذلك عن طريق
مشروع (القدس
الكبرى عام 2000م)
وهو مشروع
يهدف باختصار
إلى تقليص
وتنقيص الأرض
وسكانها
عربياً،
وإنمائها
وزيادتها
إسرائيلياً؛
حيث تقرر ـ
بحسب المشروع
ـ أن توسع
القدس لتمتد
غرباً باتجاه
تل أبيب،
وجنوباً
باتجاه
الخليل،
وشمالاً إلى
ما وراء رام
الله وحتى
حدود أريحا
شرقاً.
ولتنفيذ هذا
المخطط (الذي
يهدد ثلاثة
أرباع الضفة
الغربية)
شرَّد اليهود
حوالي 60 ألف
فلسطيني،
وصادروا
أملاكهم. أما
الأرض
الفلسطينية (المحتلة
بحكم الأمم
المتحدة): فقد
أكلتها
القوارض
اليهودية في
هدوء أمام صمت
الأمم
المتحدة، حتى
إنه في حقبة
التسعينات،
لم يعد
الفلسطينيون
يسيطرون إلا
على 21% فقط من
مساحة
المدينة، تصل
ـ بعد التخفيض
ـ إلى 4% فقط؛
لأن بقية
النسبة تتشكل
من مناطق وعرة
لا تصلح
للسكنى
والعمران(1).
لقد حدثت في
المقابل طفرة
في إسكان
اليهود
بالقدس
الشرقية،
وخاصة في عهد
نتنياهو،
وكان أول ما
بدأ به
استكمال
مشروع (البوابات)
حول القدس ـ 26
بوابة ـ وهو
مشروع كان (شارون)
قد بدأه في عهد
(شامير)
ليستكمل به
تطويق
المدينة
بأحياء سكنية
يهودية.
سكان متدينون
لعاصمة دينية:
ليس في دولة (إسرائيل)
الدينية،
عاصمة دينية
وأخرى
علمانية، بل
فيها عاصمة
واحدة موحدة،
يرون أنها
عادت بالدين
ومن أجل
الدين، ولهذا
فلا ينبغي أن
يسكنها إلا
المتدينون؛
وهل في هذا
الأمر غرابة؟!
إن الغرابة في
عكس هذا
الأمر، وهو أن
تقع المدينة
المقدسة في
أيدي اليهود
بعد قرابة
ألفي عام ثم
يتركها
المتدينون
لسُكنى
الفلسطينيين!
أو حتى
العلمانيين
الإسرائيليين.
إن تسكين
اليهود (المتدينين)
لمدينة القدس
يسير أيضاً
وفق نسق ديني،
يرسم معالمه
المتشددون من
حاخامات
وكهنة وطلاب
علوم دينية،
وتقوم على
تحقيقه
الجهات
المتنفذة من
سياسيين
وعسكريين.
ولماذا
الدينيون
المتشددون؟!
لأنهم وحدهم
الذين
سيعرفون لها
منزلتها في
الديانة
اليهودية،
وهم وحدهم
الذين
سيُخْلصون في
تكثير سوادها(2)
وتعمير
مرافقها،
وأهم من ذلك؛
فهم وحدهم
الذين
سيتصدون
للدفاع عنها
وعن المشاريع
اليهودية
الدينية
المستقبلية
فيها وعلى
رأسها (بناء
المعبد
الثالث)؛ حيث
سيكونون
طليعة
المستقبلين
للملك القادم
على كرسي داود
ـ كما يروج
لذلك
الحاخامات ـ
الذين ينسبون
إلى التوراة
على لسان
سليمان ـ عليه
السلام ـ: (أيها
الرب إله
إسرائيل،
احفظ لعبدك
داود أبي ما
كلمته به
قائلاً: لا
يُعدم لك
أمامي رجل
يجلس على كرسي
إسرائيل إن
كان بنوك إنما
يحفظون
طرقهم، حتى
يسيروا
أمامي، كما
سرت أنت أمامي)(3)
فلا بد ـ وفق
هذا النص ـ أن
يكون جيل
الخلاص
مخْلصاً
لليهودية
متمسكاً بها،
حافظاً
لطرقها، أما
المفرطون من
العلمانيين
واليساريين
والاشتراكيين
والليبراليين
الإسرائيليين،
فلا مكان لهم
في الأرض
المقدسة إلا
إذا انضموا
إلى ركب
المتدينين!
إننا نشهد في
السنوات
الأخيرة
عملية حشد أو
حشر كبيرة
للمستوطنين
اليهود في
المدينة
المقدسة، ولا
بد أن نتذكر،
أن الاستيطان
يقترن دائماً
بالتدين
والتسليح
وليس الحديث
المستفيض في
وسائل
الإعلام عن
الاستيطان
اليهودي في
القدس إلا
ترجمة لهذا
الاتجاه.
والمراقب
للأمر يمكنه
أن يرصد أن
إسكان القدس
للمتدينين
أصبح هدفاً
تلتقي حوله
القوى صاحبة
القرار
والتأثير في
دولة اليهود،
وقد اختصر
نتنياهو هذا
الموقف
بتصريح أدلى
به أمام
شركائه في
الائتلاف
الحاكم؛ حيث
قال بالنص: "أنا
مستعد للذهاب
إلى أبعد
الحدود، ولو
وصل الأمر إلى
التضحية
بتأييد
العالم من أجل
تنفيذ وصية
التوراة
بتسكين القدس
لليهود
وإعمارها
وتحرير
أنفاقها"
وقال: "كل حلمي
هو أن أبني
القدس
وأعمرها
بالمستوطنات"
{يديعوت
أحرونوت، 28-7-1997م}.
وهو ـ بالطبع ـ
يقصد القدس
الشرقية؛ لأن
الغربية قد
عُمرت
بالناطحات لا
بمجرد
المستوطنات!
وللحقيقة فإن
مساعي إسكان
اليهود
المتدينين
للقدس لم تبدأ
بنتنياهو ـ
وإن كانت قد
تضاعفت في
عهده ـ وإنما
بدأت قبل
مجيئه؛
فإضافة إلى
الحرص الذاتي
لدى
المتشددين
اليهود لسكنى
القدس، فقد
كان هناك
تشجيع رسمي
لإحلالهم
فيها، وقد
نقلت صحيفة (هاآرتس)
الإسرائيلية
في (6-8-1995م) أن
وزارة
الإسكان أعدت
خطة لإسكان
المتدينين في
القدس، تشمل 120
ألف وحدة
سكنية منها 6500
وحدة بالقرب
من مدخل القدس.
ومما يدل على
أن مشاريع
الإسكان هذه
لا تقل أهمية
وخطورة عن
مشاريع الحرب
ـ أن اليهود
أوكلوا إلى
الدموي (أرييل
شارون) الذي
كان وزيراً
للحرب منصبَ
وزير الإسكان(1)،
ليحوِّل
شراسته في
الحرب إلى
شراهة في
التهام
وتكثير
المستوطنات
وتعميرها
باليهود. وقد
أثارت هذه
الحُمَّى
الإسكانية
انتباه
المراقبين في
الإعلام
الدولي حتى إن
صحيفة (الفيجارو)
الفرنسية
الصادرة في (16-6-1997م)
رصدت
الظاهرة،
وكتبت تقول
تحت عنوان: (غزو
حقيقي للقدس): "إن
اليهود
المتدينين
يقومون بنشاط
محموم
بالتحالف مع
الأحزاب
الدينية
والحاخامات،
لجعل القدس
مدينة محكومة
بتعاليم
التوراة فقط"،
وذكرت
الصحيفة أن
غزو
المتدينين
اليهود (الحريديم)
للمدينة ظهرت
له آثار
عديدة، فقد
حصلوا على حق
إغلاق العديد
من الأحياء في
المدينة في
وجه حركة
المرور في يوم
السبت تمشياً
مع تعاليم
التوراة التي
تحظر أي نشاط ـ
غير العبادة ـ
في يوم السبت،
كما أن هناك
فِرَقاً
مسموحاً لها
بأن تأمر
النساء
بالاحتشام
وتنكر على
النساء
العلمانيات
اللاتي
يرتدين ملابس
غير لائقة،
وذكرت
الصحيفة أن
هؤلاء
المتدينين
يتلقون
الإعانات
والتبرعات من
يهود الشتات،
ويتفرغون
للتعليم
الديني، ولا
يشاركون في
دفع الضرائب،
وتعفيهم
السلطة من
الخدمة في
الجيش إذا
أرادوا، وقد
قدمت لهم
البلدية إحدى
عشرة ومائة
قطعة من الأرض
مجاناً
ليقيموا
عليها سبعة
وثمانين
معبداً
يمارسون من
خلالها
أنشطتهم في
أنحاء
المدينة.
وذكرت صحيفة
نيوزويك في
عددها الصادر
في (20-12-1416هـ) أن
مدينة القدس،
أصبحت معقلاً
للتطرف
اليهودي،
وأشارت إلى أن
عدد اليهود
غير
المتدينين
الذين
يغادرون
المدينة في
ازدياد؛ حيث
أصبحت
المدينة
مكاناً غير
مقبول
بالنسبة لهم،
نظراً للطابع
الديني
والقيود التي
يضعها
المتدينون
اليهود على
الحياة هناك.
والتمدد
الديني بدأ
يتسرب إلى
باقي أجزاء
الدولة
اليهودية؛
فقد نجح
المتدينون
الذين تسلموا
سبع حقائب
وزارية في
وزارة
نتنياهو،
إضافة إلى
رئاسة أهم
اللجان
البرلمانية
وهي (لجنة
الدستور) في أن
يكثفوا
الدعوة إلى
التطبيق
الشامل لـ (الشريعة
اليهودية)
وقدموا
مقترحات
رسمية لإغلاق
كافة المصالح
التجارية
والترفيهية
اليهودية يوم
السبت، إلى
جانب إغلاق
الشوارع
الرئيسة في
المدن الكبرى
الثلاث:
القدس،
وحيفا، وتل
أبيب أمام
حركة المرور،
وإغلاق مطار
اللد في هذا
اليوم أمام
حركة الطيران
الدولية!!
وامتثالاً
لمطالب
المتدينين ـ
أيضاً ـ حظرت
الحكومة على
كافة
العاملات في
البرلمان (الكنيست)
ارتداء
الملابس
القصيرة
والسراويل. {مجلة
المجلة العدد
855 ـ 14-2-1417هـ}.
والقلق
يتزايد في
أوساط
العلمانيين
من نشوب حرب
أهلية في
القدس بين
المتدينين
والعلمانيين؛
حتى إن صحيفة (معاريف)
كتبت تقول في
عددها الصادر
في 14-7-1996م: "إذا
استمرت
الأحوال على
ما هي عليه في
ظل حكم
الليكود، فإن
العلمانيين
لن يستطيعوا
المعيشة
بالقدس وقد
يضطرون إلى
المواجهة،
ونقلت
الصحيفة عن
وزير البيئة
في الحكومة
العمالية (يوسي
ساريد)
تخوُّفَه من
استسلام
العلمانيين
للأمر
الواقع؛ حيث
قال: (إنني
مُحبَط من أن
جمهور
العلمانيين
تركوا الساحة
في الواقع في
أيدي
الدينيين)!
وأظهر
استطلاع
أجراه معهد (جيئوقرتوجرافيا)
أن نصف سكان
إسرائيل
يعتقدون
بإمكانية
قيام حرب
أهلية بين
المتدينين
والعلمانيين"
(صحيفة
هاتسوفين
الإسرائيلية
(23-12-96).
إن بعض (الواقعيين)
العرب، بدأوا
يراهنون ـ
كعادتهم ـ على
هذا الخطر على
دولة (إسرائيل)
وبدأوا
ينسجون
الأوهام حول
احتمال أن
تنفجر
إسرائيل
بالحرب
الأهلية
الداخلية،
بعد أن أخفق
العرب في
إخضاعها
بالحروب
الخارجية.
وهذا التصور،
فوق أنه (احتمال)
لا ينبغي أن
تُبنى عليه
المواقف
والآمال، فهو
احتمال
نستبعده،
لأمرين:
الأول: أن
اليهود
المتدينين
يعتبرون
اليهود غير
المتدينين
مخزوناً
استراتيجياً
بشريّاً لهم،
ويراهنون على
أن قطاعات
كبيرة منهم
ستصهرها
حرارة
الأحداث
القادمة في
بوتقة
اليهودية (الأصولية).
الثاني: أن
اليهود
العلمانيين
لن يكرههم أحد
ـ وهم
علمانيون
دنيويون ـ على
البقاء داخل
القدس، بل
داخل
إسرائيل، إذا
داهمهم خطر
الحرب والقتل
والدم.
بل فوق هذا
وذاك يُعِدُّ
يهود العالم (الأصوليةَ)
اليهودية
والنصرانية ـ
أيضاً ـ لتكون
سلاح ردع في
وجه (الأصولية)
الإسلامية،
التي ينظرون
إليها على
أنها العدو
الأول
والأخطر، وهم
قد أدركوا
تماماً أن
جندية: (أمجاد
يا عرب أمجاد)
المناضلة تحت
راية القومية
العربية
الفاشلة، قد
بدأ يتجاوزها
الزمان، بعد
أن بدأت تلوح
في الأفق
إرهاصات
القدوم
المظفر
لجندية (الله
أكبر)
المقاتلة تحت
راية الإسلام
الخالد.
فعلى طريقة: (لا
يفل الحديد
إلا الحديد)
يبدو أن
اليهود
عازمون على
تصدير غلاتهم
ومتشدديهم في
صف المواجهة
الأول مع
مشروع
الإسلام
الجهادي
التحريري في
بيت المقدس
وما حوله. وما
يتناثر من
تصريحات
اليهود هنا
وهناك، يصبُّ
جميعه في هذا
الاتجاه. قال
شمعون بيريز ـ
رئيس الوزراء
السابق ـ في
مقال كتبه
لصحيفة (هاآرتس)
الإسرائيلية
في 17-1-1997م: "إن
الشرق الأوسط
يقف عند مفترق
طرق خطير، لا
شيء فيه يمكن
أن يبقى كما
كان، الوضع
يتغير بسرعة،
وعلينا أن
نختار بين
التحول
باتجاه سلام
يصبح لنا فيه
اقتصاد جديد،
وبين تحول إلى
التطرف
والأصولية،
يصبح له سلاح
جديد. إنني أرى
بوضوح قوة
التحول إلى
غير المرغوب؛
إن التحوُّل
الأصولي
الإسلامي
الذي يستهدف
النصرة من
شريحة عملاقة
من السكان في
العالم
الإسلامي
تقدر بمليار و300
مليون رجل
وامرأة،
تحوُّل لا
يعتمد على
المنطق، بل
على التقديس
وقصص
الأساطير
والمعجزات
والوعود
بنعيم الجنة،
وعلى رأس هذا
التحول يقف
رجال دين
منظمون،
ومنظمات
إرهابية في
كافة أرجاء
العالم،
إضافة إلى دول
ترعى الإرهاب
وتسعى للتزود
بأسلحة
صاروخية ذات
رؤوس غير
تقليدية،
وتستعد
لحيازة رؤوس
نووية.. إذن؛
أردنا أم لم
نرد، فإننا
مضطرون
للاختيار ـ مع
القرن القادم
ـ بين السلام،
أو مواجهة
تعصب القرون
الوسطى"!
وأردف بيريز
قائلاً: "حتى
سنة 2000م، سيكون
الشرق الأوسط
مسلحاً من
أخمص قدميه
إلى رأسه
بالصواريخ
ذات المسافات
المتنوعة
وبأسلحة غير
تقليدية،
وفوق هذا..
بأصولية عطشى
وجائعة، ومن
شأن ذلك أن
يغري بخوض حرب
جديدة،
والأكثر من
ذلك ربما ـ
وإلى أن تحل
سنة 2000م ـ
تتصاعد من
جديد
المنافسة على
زعامة
العالم؛ حيث
ستصبح
المنطقة ساحة
واسعة لمن
يحسم الصراع
لصالحه"!
وقد أجرت
صحيفة (هاآرتس)
حديثاً في (22-11-1996)
مع بنيامين
نتنياهو
وسأله الصحفي
عن المخاطر
الرئيسة التي
تواجهها
إسرائيل فقال:
"إن عالم
القرن القادم
سيكون متعدد
الأقطاب وغير
مستقر،
وسنتعرض إلى
خطرين رئيسين:
الخطر الأول:
يأتي من داخل
الفلسطينيين،
أما الخطر
الثاني:
فسيتمثل في
التهديد
الإسلامي من
خارج فلسطين،
ويتمثل الحل
بالنسبة
للتهديد
الأول في أن
نخلِّص
الفلسطينيين
من حلمهم، فمن
الضروري أن
يتحرروا من
فكرة (الخلاص)،
وفيما يتعلق
بالخطر
الثاني فلا
أرى أنه يوجد
حل سهل،
واعتقد أن حل
هذه القضية
بعيد عن
إسرائيل، ومع
هذا فإني شديد
التفاؤل خاصة
وأني واثق من
أن دولة
إسرائيل
ستصبح أكثر
قوة مما هي
عليه حالياً
خلال السنوات
القليلة
القادمة،
وستتحول
إسرائيل إلى
جهة بالغة
القوة في عالم
ما بعد
الصناعة الذي
نقتحمه"!
ورغم محاولة
نتنياهو
تغليف خوفه من
(الخطر
الإسلامي)
بالتفاؤل،
إلا أننا نلحظ
أنه لم يسجل
للأنظمة
العلمانية
خطراً يذكر
علـى
إسرائيل؛
فالإسلام
داخـل
فلسطين،
والإسلام
خارج فلسطين
هو فقط الخطر
الذي يؤرق
أحلام اليهود.
لأجل هذا
الرعب والذعر
المتنامي عند
كبار زعماء
اليهود من (الخطر
الإسلامي)
فإنهم يعمدون
إلى استنهاض
الهمم
اليهودية
والنصرانية
المتشـــددة؛
إلى ما يمكـن
تسميته بـ (تــوازن
الرعب) فإلى
جانب أسلحة
الردع
النووية
والكيماوية
والبيولوجية
التي تتترس
بها دولة
اليهود،
فإنها تريد
أيضاً حيازة
ترسانة بشرية
من السلاح (الأصولي)
لتخزينه في
الأرض
المقدسة،
ليستخدم عند
الحاجة ضد ما
أسموه (الأصولية
الإسلامية)!
وما نعتقده،
أن (الحشر)
اليهودي إلى
بيت المقدس،
ومجيئهم إليه
لفيفاً،
وعمرانهم
إياه بالبناء
والسكنى، ليس
إلا مقدمة
ليوم تحتشد
فيه قوى
الإيمان في
مقابلهم،
مصداقاً لقول
الصادق
المصدوق صلى
الله عليه
وسلم : "لا تزال
عصابة من أمتي
يقاتلون على
أبواب دمشق
وما حوله،
وعلى أبواب
بيت المقدس
وما حوله، لا
يضرهم من
خذلهم،
ظـاهرين على
الحق إلى أن
تقوم الساعة".
وبين (الأصوليتين)
المتواعدتين
قدراً للقاء
محتوم على
أبواب بيت
المقدس، هناك
أصولية
ثالثة، تتحسس
خطاها،
وتستحث
أتباعها
للقدوم إلى
الأرض
المقدسة؛ حيث
ولد المسيح
عيسى ـ عليه
السلام ـ،
وحيث سيعود.
إنهم لا يرون
للمسلمين
حقاً في هذه
الأرض ـ
بشهادة تاريخ
النصارى
القديم
والحديث ـ بل
لا يرون
لليهود حقاً
فيها إلا
باعتبارهم
أداة قدرية
تهيئ الدنيا
لمقدم هذا
المسيح
العائد
لتعميد
اليهود
والبشرية
كلها في الأرض
المقدسة.
فعن هذه
الأصولية
الثالثة،
المتهيئة
والمتحفزة
لاستقبال
الألفية
الثالثة في
الأرض
المقدسة وفي
احتفالات (بيت
لحم 2000م) سيكون
حديثنا في
لقاء قادم ـ إن
شاء الله ـ.
أضخم تجمع
نصراني... ماذا
وراءه؟!
حلول الألفية
الثالثة بعد
شهور؛ مستجد
تاريخي كبير،
يتحسب له سكان
الأرض بعامة،
ولكن
المعنيين به
بوجه خاص هم
النصارى، وهم
أكثر أهل
الأرض اليوم
من أصحاب
الديانات
السماوية (مليار
ونصف)
فالألفية
مقترنة
بالمسيح \ وهو
نبيهم المرسل
إليهم، وإذا
كان قد قدم
مُرسلاً منذ
ألفي عام، فإن
النصارى
ينتظرون
ألفاً أخرى
يعيشون فيها
في كنفه وتحت
قيادته لدى
مقدمه
الثاني؛
فالألفية
ليست ذكرى
ميلاد فقط،
وليست خصوصية
زمان فحسب، بل
هي بوابة عبور
إلى مرحلة
جديدة لعصر
جديد تعتقد
طوائف من
النصارى: أن
الأرض كلها
ستخضع فيه
لدين المسيح.
ولكن المسيح
العائد؛ لن
يعود إلى روما
أو واشنطن أو
باريس، إنه
سيعود إلى
الأرض التي في
أحضانها
وُلد، وفي
رباها تربى،
وفي مناكبها
سعى ودعا. إنها
القُدس، فكم
تساوي القدس
لدى النصارى؟
وماذا تعني
عندهم أرض
المهد والعهد
واللحد(1)؟!
إنها تعني
الكثير.
إن
أتباع عيسى \
ظلوا ينظرون
تاريخياً إلى
اليهود على
أنهم أعداء
المسيح،
المنكرون
لدعوته
والساعون في
أذاه، واعتبر
النصارى
أنفسهم أوْلى
برسالة موسى \
التي جاء عيسى
\ مصدقاً بها
ومتمماً لها،
وآلت إليهم
بمقتضى ذلك
المقدساتُ
التي دعت
التوراة
والإنجيل إلى
تقديسها، أما
اليهود فلم
يعترفوا لهم
بذلك بل
كفَّروهم كما
كفّر النصارى
اليهود.
وقالت
اليهود ليست
النصارى" على"
شيء وقالت
النصارى"
ليست اليهود
على" شيء وهم
يتلون الكتاب
{البقرة:
113}.
وما يعنينا
هنا، أنه نشأ
ارتباط
وجداني وعقدي
بالأرض
المقدسة عند
النصارى،
جعلهم ينظرون
إليها على
أنها إرث
المسيح
لأتباعه، بعد
أن دنسها
اليهود
وتسببوا في
هدم هيكلها
بإفسادهم
مرتين ـ كما
دلت على ذلك
سورة الإسراء.
بل إن النصارى
رفضوا أن
يُطلق على
القدس (صهيون
اليهودية) بل
أسموها مدينة
العهد
الجديد،
واعتبروها (الوطن
المقدس) الذي
ورَّثه
المسيح لهم،
واستودعهم
إياه حتى يعود
ثانية.
وقد برهنوا
تاريخياً على
هذا الارتباط
عبر عشرين
قرناً مضت،
اختلفوا
خلالها في كل
شيء ـ حتى في
ذات الإله ـ
ولكنهــم لم
يختلفــوا
علــى تقديس
بيت المقدس
خاصـة
مـدينــة (بيت
لحــم) التي
فيها ولـد
المسيـــح، و (الناصرة)
التي فيها
ترعرع، ومكان
قبره ـ
المزعوم ـ في
القدس.
تاريخ من
الضلال:
كان من
المفترض أن
يسارع أتباع
عيسى \ للدخول
في دين النبي
الذي بشر به
عيسى \ ـ
تعظيماً
واتباعاً
لعيسى نفسه ـ
فيسلموا
للرسول محمد
صلى الله عليه
وسلم بالنبوة
والرسالة كما
طالبوا هم
اليهود بذلك
لعيسى \،
ولكنهم آثروا
العناد
فوقعوا في
الضلال،
وبسبب ضلالهم
هذا فإنهم لم
يعترفوا بأن
المقدسات
التي ورِّثت
لهم قد أورثها
الله لقوم
آخرين كانوا
أحق بالحق
منهم، ولم
يعوا هذه
السنة
الإلهية التي
سطرت في الكتب
ونزل بها
الوحي الخاتم
على لسان موسى
\:
إن
الأرض لله
يورثها من
يشاء من عباده
والعاقبة
للمتقين
{الأعراف:
128}، ولهذا؛ فقد
ناطحوا الأمة
الخاتمة في
أرض بيت
المقدس وما
حوله منذ وقت
مبكر من عمر
الإسلام،
بدءاً من غزوة
مؤتة وتبوك في
عصر الرسالة،
ومروراً بعصر
الخلفاء
الراشدين في
أجنادين
واليرموك،
وصعوداً إلى
عصور الخلافة
المتوالية،
وخاصة في زمان
الحروب
الصليبية
التي أثبتت
أحداثها
العظام أن
القدس كانت
هدفها الأول
والأخير،
وانتهاء بما
حدث في احتلال
فرنسا لمدينة
دمشق حيث وقف
الجنرال
اللَّنبي على
قبر صلاح
الديــن
الأيوبـي
قائلاً: "ها
نحن قد عدنا يا
صلاح الدين!".
ولكن الحروب
الصليبية
كانت أبرز
المعالم
التاريخية
الدالة على
مركزية القدس
في معتقد
النصارى. نعم!
فلأجل تلك
المدينة
خاضوا
حروباً
متواصلة تحت
راية الصليب؛
لاستعادة
القدس من أيدي
أمة محمد صلى
الله عليه
وسلم ، وكان
هذا الصدام من
أكبر الحروب
في التاريخ
كله؛ إذ
استهدف توحيد
أوروبا
دينياً تحت
زعامة
البابوات،
وتشكيل تحالف
من كل عروش
أوروبا
للوقوف في وجه
المسلمين في
عُقر ديارهم.
وقد بدأت تلك
الحروب في
أواخر القرن
الخامس
الهجري-
الحادي عشر
الميلادي،
واستمرت حتى
أواخر القرن
الخامس عشر
الميلادي،
أرسل الغرب
خلالها أكثر
من خمس عشرة
حملة صليبية
كبيرة إلى
بلاد
المسلمين،
واشتركت فيها
كل أوروبا
النصرانية،
ونجح
الصليبيون
خلالها في
الاستيلاء
على بيت
المقدس
وأقاموا
مملكة فيها
وسيطروا على
المسجد
الأقصى
ورفعوا
الصلبان على
مآذنه نحو
ثمانين سنة،
ولم تخمد تلك
الحروب إلا
بعد أن تأكد
للغرب، أن
استمرار
السيطــــرة
علــى الأرض
المقدســة
أمر مستحيل في
أرض محفوفة
بالمسلمين من
كل جانب.
ثم طوى الزمان
ـ عبر قرون
ممتدة ـ أحلام
أهل الصليب في
التمكين
للوثنية
النصرانية في
الأرض
المقدسة،
وانكفأت
أوروبا في
شواغلها
وصراعاتهـــا
حتــى جــاء
القرن
الســادس
عشــر
الميلادي.
حدث هذا
الانقلاب في
القرن السادس
عشر باسم
الإصلاح
والتجديد في
الديانة
النصرانية
وعرف بـ (الحركة
البروتستانتية)،
وغيَّر هذا
الانقلاب
معالم
الديانة
النصرانية ـ
الدائمة
التغيُّر ـ
ولكن التغيير
جاء هذه المرة
لصالح
اليهود،
وكانت إطاحة
هذه الحركة
البروتستانتية
بحق الكنيسة
في احتكار
تفسير الكتاب (المقدس)
مفتاحاً
للولوج إلى
التفسيرات
الحرفية
للنصوص
التوراتية
فيما يتعلق
باليهود، بل
بدأت
النصرانية
تُخترق
بالمفاهيم
اليهودية
وتختلط بها
بعد أن ضم
البروتستانت
التوراة إلى
جانب الإنجيل
مصدراً
أولياً
وحرفياً
للتلقي،
خلافاً لما
كان عليه
الأمر خلال
خمسة عشر
قرناً خلت
مــن عمــر
الديانة.
ولم يأت القرن
السابع عشر،
حتى ظهرت نظرة
غربية جديدة
لليهود ـ
أعداء الأمس ـ
فقد دعا
الحرفيون
البروتستانت
إلى ضرورة
احتضان
اليهود
والتمكين لهم
في العودة إلى
الأرض
المقدسة، على
اعتبار أن
مساعدتهم في
ذلك سوف يعجل
بمجيء المسيح
عيسى بن مريم
إلى الأرض مرة
أخرى؛
فالتفسيرات
الحرفية
للتوراة
والإنجيل ـ
بعيداً عن
تأويلات
الكنيسة ـ
أظهرت لهم أن
خلاصة اليهود
سوف يدخلون في
ديانة المسيح
عندما يعود،
وبقيتهم من
غير المؤمنين
به سوف يقتلون
مع باقي أعداء
المسيح
،
أما أتباع
المسيح من
النصارى ومن
يلحق
بديانتهم
فسوف يعيشون
مع المسيح في
القدس مدة ألف
عام قبل يوم
القيامة، جاء
في الإنجيل في
سفر رؤيا
يوحنا: "ها أنا
آتي سريعاً،
تمسك بما عندك
لئلا يأخذ أحد
إكليلك، من
يغلب فسأجعله
عموداً في
هيكل الله،
ولا يعود يخرج
إلى خارج،
واكتب عليه
اسم إلهي واسم
مدينة إلهي:
أورشليم
الجديدة"
وجاء فيه: "مبارك
ومقدس من له
نصيب في
القيامة
الأولى،
هؤلاء ليس
للموت الثاني
سلطان عليهم،
بل سيكونون
كهنة لله
والمسيح،
وسيملكون معه
ألف سنة، ثم
متى تمت الألف
سنة، يُحل
الشيطان من
سجنه" يعني
يرتفع السلام
عن الأرض،
ويعود
الشيطان
للإفساد بين
البشر.
أما عن إيمان
أعداد من
اليهود
بالمسيح عند
مقدمه الثاني
فيقول
الإنجيل
المتداول: "نادى
الله الحي
بصوت عظيم إلى
الملائكة
الأربعة
الذين أعطوا
أن يضــروا
الأرض والبحر
قائلاً: لا
تضروا الأرض
ولا البحر ولا
الأشجار حتى
تختم عبيد
الإله على
جباههم،
وسمعت عدد
المختومين
مئة وأربعة
وأربعين
ألفاً
مختومين من كل
سبط بني
إسرائيل".
إذن فالعودة ـ
حسب هذه
العقيدة
النصرانية ـ
ستكون في (أورشليم
الجديدة) وسوف
تكون على رأس
ألفية جديدة،
وسوف تكون في
زمان
لليهــود فيه
وجــود في
الأرض التي
سيعود إليها
المسيح، فلا
بد أولاً من
عودة اليهود..
لكي يعود
المسيح!
تأييد نصارى
الغرب لليهود
في العصر
الحديث، يرجع
إذن إلى جذور
في بنية
التكوين
الثقافـي
بعــد حـركة
التغير
البروتستانتي؛
بل لا يكون
المرء
مبالغاً إذا
قال: إن الفكرة
الصهيونية
الحديثة
ذاتها، ولدت
في أحضان
النصرانية
البروتستانتية
قبل أن يرفع
هرتزل لواءها
بقرون. قال (كينين)
ـ وهو أحد أبرز
قيادات
اليهود في
أمريكا ـ في
كتابه (خط
الدفاع
الإسرائيلي): "إسرائيل
كانت أنشودة
مسيحية، قبل
أن تصبح حركة
سياسية
يهودية"
فالبروتستانت
النصارى هم
الذين أقاموا
الحركة
الصهيونية،
وشجعوا
اليهود
للالتفاف
حولها، وحتى
عندما تردد (هرتزل)
في اختيار
فلسطين وطناً
تقام فيه
الدولة
اليهودية،
أرسل إليه
المبشر
النصراني
البروتستانتي
(وليم
بلاكستون)
نسخة من
التوراة موضح
عليها
المواضع التي
تشير إلى أن
اليهود
سيعودون في
آخر الزمان
إلى الأرض
المقدسة،
فاقتنع هرتزل(4).
وعندما عقد
المؤتمر
الصهيوني
الأول في
مدينة بازل
بسويسرا عام 1897م
كان من أبرز
المشاركين
فيه القس
البروتستانتي
(وليام هشلر)
وقد دخل إلى
قاعة المؤتمر
بصحبة هرتزل
وهتف بحياته
قائلاً: "يحيا
الملك يحيا
الملك"!
وعندما جاء
دوره في إلقاء
كلمته خاطب
الصهاينة
المجتمعين
قائلاً: "استفيقوا
يا أبناء
إسرائيل،
فالرب يدعوكم
للعودة إلى
وطنكم في
الأرض
المقدسة".
وبقية القصة
معروفة بعد
بازل؛ حيث
استلمت
بريطانيا (البروتستانتية)
فلسطين بعد
الحرب
العالمية
الأولى، ثم
أعطى وزير
خارجيتها (بلفور)
(البروتستانتي)
لليهود وعداً
بوطن قومي في
فلسطين
امتثالاً
لنظرة العطف
من حكومة
صاحبة (الجلالة)
(البروتستانية)،
ثم تخلت
بريطانيا عن
فلسطين بعد أن
هيأتها
لليهود خلال
فترة
الانتداب، ثم
ساندتها حتى
تم إعلان
الدولة!
فلماذا كل هذا
الحماس
الإنجليزي
لإعادة
اليهود إلى
الأرض
المقدسة؟
يجيب الزعيم
اليهودي
حاييم
وايزمان عن
هذا في
مذكراته
فيقول: "إذا
سأل سائل: ما
أسباب حماسة
الإنجليز
لمساعدة
اليهود وشدة
عطفهم على
أماني
اليهود؟
فالجواب علـى
ذلك أن
الإنجليز هـم
أشد الناس
تأثراً
بالتوراة،
وتدين
الإنجليز هو
الذي ساعدنا
في تحقيق
آمالنا؛ لأن
الإنجليزي
المتدين يؤمن
بما جاء في
التوراة من
وجوب إعادة
اليهود إلى
فلسطين، وقد
قدمت الكنيسة
الإنجليزية
في هذه
الناحية أكبر
المساعــدات".
انتقلت تلك
الحُمى إلى
أمريكا مع
الأنجلو
ساكسون
المهاجرين
إليها، ومع
تصاعد القوة
الأمريكية في
هذا القرن،
تصاعد المد
البروتستانتي،
وتحول في
العقود
الأخيرة من
عقيدة مذهبية
إلى عُقد
أصولية(2)، وفي
أواخر
السبعينات
الميلادية،
شهدت الساحة
الأمريكية
بروزاً لتيار
أكثر تشوقاً
داخل أتباع
المذهب
البروتستانتي
الحرفي،
وأطلق على هذا
التيار: (الحركة
الصهيونية
المسيحية)
ويُطلق عليهم
أحياناً: (الإنجيليون
اليمينيون)،
وانتساب
هؤلاء إلى
الصهيونية ـ
رغم
نصرانيتهم ـ،
ليس غريباً
على قوم
يدينون
بالتوراة
التي تقدس جبل
صهيون وما كان
عليه من
مقدسات،
ولهذا فإنهم
يتبنون
الدعوة إلى
الدعم المطلق
لدولة اليهود
من أجل تحقيق
الطموحات
الإسرائيلية
أو التنبؤات
التوراتية في
الشرق
الأوسط،
ويأتي على
رأسها
السعــي
لتحقيــق
مشـروع (إسـرائيــل
الكبرى) و (القدس
الكبرى)
وإعادة بناء
الهيكل؛ لأنه
بكل بساطة سوف
يكون مكاناً
لدعوة المسيح
في القدس التي
ستصبح عاصمة
له ـ في
معتقدهم ـ.
لقد بلغ
التحول
التاريخي في
الغرب
النصراني من
اليهود ذروته
في العقود
الثلاثة
الأخيرة ووقع
هؤلاء في فتنة
استدراج
محكمة منذ أن
احتل اليهود
القدس في عام 1967م،
فقد صور لهم
الشيطان هذا
الحدث على أنه
أعظم
دليل على أن
التوراة حق؛
لأنها أخبرت
عن عودة
اليهود إلى
القدس، وأن
الإنجيل حق؛
لأنه أخبر
بعودة اليهود
إلى القدس...
وما دامــوا
قد عادوا
إليها كما
أخبرت
الكــتب؛ فلا
بد أنهم
سيتنصرون في
النهاية كما
أخبرت أيضاً.
يقول: (هول
ليندسي) في
كتابه: (آخرة
كرة أرضية) "قبل
أن تصبح
إسرائيل
دولة، لم يكشف
عن شيء، أما
الآن وقد حدث
ذلك، فقد بدأ
العد العكسي
لحدوث
المؤشرات
التي تتعلق
بجميع أنواع
النبوءات.
واستناداً
إلى النبوءات
فإن العالم
كله سوف
يتمركز على
الشرق
الأوسط،
وخاصة
إسرائيل في
الأيام
الأخيرة".
أما الصراع
الدموي
التاريخي بين
اليهود
والمسيحية،
فقد مسحته تلك
النبوءات
والأحلام
المتحققة،
وتحول أعداء
المسيح إلى
حلفاء، بعد أن
برئوا من دمه.
وإلى أصدقاء
بعد أن أصبحوا
علامة على قرب
مقدمه.
لقد تنامى هذا
التيار (الصهيوني
المسيحي) بشكل
جارف في سنوات
معدودة؛ فبعد
نحو خمس سنوات
من ظهوره في
أواخر
السبيعينيات
الميلادية،
كانت
الإحصاءات
تشير إلى ظهور
نحو 250 منظمة
إنجيلية
موالية
لإسرائيل من
مختلف
التخصصات
والواجهات،
تعكس آراء
ورغبات نحو 40
مليون أمريكي
إنجيلي(1)، وقد
نجحوا في
توسيع رقعة
التأييد
الشعبي
المطلق
لليهود ـ
إضافة إلى
التأييد
الرسمي ـ وذلك
عن طريق تنظيم
المهرجانات
للتضامن مـع
اليهــود
وتجمعــات
مــا يسمــى
بـ (الوعي
بإسرائيل)
التي تقيمها
الكنائس
الإنجيلية،
وبعض هذه
المنظمات
تنظم الجولات
للأرض
المقدسة،
وبعضها يعد
المطبوعات
ويعقد
المؤتمرات،
وبعضها ينغمس
في الدعم
السياسي
والمالي
المباشر
لدولة
اليهود،
ويقوم بمختلف
عمليات الضغط
سواء عن طريق
استكتاب
الرسائل، أو
عن طريق وسائل
الإعلام التي
يعبرون فيها
بقوة عن
تأييدهم
لإسرائيل.
لقد غدا تحقيق
أهداف (إسرائيل)
من علاقتها
بالغرب،
هدفاً لهذه
المنظمات،
ولم يقصر
الأمريكيون
من النصارى
الصهاينة في
دعم دولة
اليهود بكل
مستطاع، حتى
إن بنيامين
نتنياهو
عندما كان
سفيراً
لدولته في
الأمم
المتحدة خاطب
جموعاً منهم
في (6 فبراير 1985م)
وقال لهم
معترفاً
بجميلهم
وجميل كل
النصارى تجاه
اليهود: "لقد
كان هناك شوق
قديم في
تقاليدنا
اليهودية
للعودة إلى
أرض إسرائيل،
وهذا الحلم
الذي ظل
يراودنا منذ 2000
سنة، تفجر من
خلال
المسيحيين
الصهيونيين"
وقال: "المسيحيون
ساعدونا في
تحول
الأسطورة
الجميلة إلى
دولة يهودية"،
وأضاف: "إن
الذين
يستغربون مما
يظنون أنه
صداقة حديثة
بين إسرائيل
ومؤيديها
المسيحيين،
يجهلون أمر
اليهود أو
المسيحيين،
إن هناك روابط
روحية تشدنا
بإحكام
وثبات، إنها
شراكة
تاريخية أدت
وتؤدي دورها
بشكل جيد
لتحقيق
الأحلام
الصهيونية".
أما بعد أن
أصبح نتنياهو
رئيساً
لوزراء
اليهود في
دولتهم، فقد
أشرت في
الحلقة
السابقة إلى
أنه قد قوبل
بحفاوة بالغة
في الكونجرس
الأمريكي،
وواجهه أعضاء
الكونجرس
جميعاً
بعاصفة من
التصفيق بعد
أن هبوا
وقوفاً
لتحيته عندما
ردد أمامهم
فيما يشبه
القسم عبارة: (القدس
هي العاصمة
الأبدية
الموحدة
لإسرائيل)
ثلاث مرات.
لقد تبنى
الكونجرس
الأمريكي
الذي يسيطر
عليه
اليمينيون
بشكل كامل
النهج
الإسرائيلي
فيما يتعلق
بالقـدس؛ فقد
وافق في قراره
رقم 570 في 24-10-1995م على
مشروع
القانون الذي
تقدمت به
وزارة
الخارجية
لتخصيص مبلغ
مائة مليون
دولار لنقل
السفارة
الأمريكية من
تل أبيب إلى
القدس، وكانت
الموافقة
بأغلبية 406
أصوات مقابل 17
صوتاً،
واشترط
الأعضاء أن
يتم نقل
السفارة في
موعد أقصاه
يوم 31-5-1999م، مع
إعطاء الرئيس
حق التأجيل
لمدة لا تزيد
على ستة أشهر "أي
حتى بداية عام
2000م" بشرط أن
يكون ذلك
أمراً تتطلبه
دواعي الأمن
القومي
الأمريكي! ولم
ينتظر
المحمومون
بألفية القدس
حتى يحل موعد
نقل السفارة،
بل ظلت
أصواتهم تعلو
بهذا المطلب
حتى لا يبرد
أثر القرار؛
فقد نشرت
صحيفة
نيويورك
تايمز في
منتصف إبريل
من عام 1997م
إعلاناً
عجيباً
موقعاً
بأسماء عدد من
كبار
القساوســـة
الأمريكيين
مــن أعضـاء
ما يسمى بـ (الاتحاد
المسيحي نحو
القدس
الموحدة) جاء
فيه: "إن
الاتحاد يدعم
سيطرة
إسرائيل
الكاملة على
القدس،
ويعتبرها
العاصمة
الروحية
والسياسية
لليهود وحدهم
خلال ثلاثة
آلاف عام خلت
بحكم الإنجيل
والتوراة"
وطالب
الإعلان
بالمشاركة في
"معركة القدس"
التي قد بدأت (مع
من؟) والتي يجب
الوقوف مع
اليهود فيها،
وطالب
الإعلان
الأمريكيين
بإمطار البيت
الأبيض
والكونجرس
برسائل تطالب
بنقل السفارة
الأمريكية
إلى القدس دون
إبطاء.
يعكس موقف
الفاتيكان
مواقف
الكنائس
الكاثوليكية
التي كانت
تعتقد بأن
المسيح مدفون
في الأرض
المقدسة بعد
أن صلبه
اليهود،
ولهذا؛ فقد ظل
الكاثوليك
يرفضون
تاريخياً
سيطرة اليهود
على بيت
المقدس ولا
يشجعون
عودتهم، فلما
عادوا، أعاد
الكاثوليك
النظر في
نظرتهم
الألفية
الثالثة ...
وهواجس الحرب
الثالثة
هل أصبحنا
نعيش عصر (الأيام
الأخيرة) أيام
ما قبل
النهاية؟!
وهل صحيح أن
حرباً عالمية
ثالثة لا بد أن
تنشب مع
بدايات القرن
الجديد؟
نحن - المسلمين
- نقول: العلم
عند الله؛
لأنه
لا
يعلم من في
السموات
والأرض الغيب
إلا الله
{النمل:
65}، فالتحديد
والقطع جرأة
على الغيب،
نربأ بأنفسنا
عنه ونبرأ إلى
الله منه،
خاصة إذا تعلق
بعلم الساعة
التي
علمها
عند ربي لا
يجليها
لوقتها إلا هو
{الأعراف:
187}، أما
أماراتها
فأمر يدور بين
الظن الراجح
والظن
المرجوح.
لكن العتاة
الغلاة من
طوائف اليهود
والنصارى
يعتقدون بجزم
ويعملون بحزم
لهذه الأيام (الأخيرة)
التي
يربطونها
بقدوم
الألفية
الثالثة؛ حيث
يتوقعون أن
تبدأ فيها
نهاية أيام (العامة)،
لتأتي بعدها
أيام (الخاصة)
أتباع المسيح
القادم
للخلاص.
ونحن -
المسلمين - لا
يهمنا من
جزمهم أو
حزمهم في
معتقدهم هذا
إلا ما يمكن أن
يترتب عليه من
سياسات
وخطوات يمكن
أن يقدموا
عليها بزعم
التهيئة لتلك
الأيام
الأخيرة(1)
استدعاءً
لعلاماتها
واستجلاءً
لأماراتها.
ففي مسيرة
منتظمة في
طريق
الاستدراج
منذ بداية
القرن
الميلادي
الحالي،
نراهم يزعمون
أنهم نجحوا في
(إنجاز) علامات
مهمة من أشراط
الأيام
الأخيرة،
يأتي في
طليعتها ما
يعدونه أولى
وأبرز
العلامات وهي:
إعادة اليهود
إلى أرض بيت
المقدس! ولكن
تلك العلامة
ستتبعها في
معتقدهم
علامات أخرى،
وسيعملون
أيضاً
لإنجازها
وإخراجها إلى
حيز الوجود،
وقد ظهر لنا من
خلال الحلقات
السابقة مدى
سعيهم لهدم
الأقصى
وتسارعهم
لبناء
الهيكل،
وإعلانهم
لظهور البقرة
الحمراء،
وتصميمهم على
إسكان القدس
بالمتشددين
الدينيين
وغير ذلك.
ولكن تبقى
هناك علامة
أخرى تبرزها
مصادرهم
العقدية
ويؤمنون
بحتمية
حدوثها عندما
تبدأ الأيام
الأخيرة في
التوالي،
وتتمثل في (إقامة)
قيامة صغرى
تهيئ للقيامة
الكبرى!
وتأويل هذا
يجيء باشتعال
أو إشعال حرب
مدمرة تهلك
فيها غالبية
سكان الأرض،
ففي (الأيام
الأخيرة) لا بد
أن تقوم حرب
بسبب (إسرائيل)
وعلى أيدي
أحباب (إسرائيل)
وعلى أرض (إسرائيل)!
ومن أجل (إسرائيل)!
تقول التوراة
التي في
أيديهم: (في
الأيام
الأخيرة،
عندما تتجمع
إسرائيل من
الأمم، سوف
تتسبب في أمر
ما، هذا ما سوف
يحدث. إني سوف
أضع صنارة في
أفواه القوى
المؤتلفة)
وجاء فيها
أيضاً: (بعد
أيام كثيرة
تُفتقد في
السنين
الأخيرة،
تأتي إلى
الأرض
المستردة من
السيف،
المجموعة من
جبال إسرائيل
التي كانت
خربة للذين
أخرجوا من
الشعوب
وسكنوا آمنين
كلهم، وتصعد
وتأتي
كزوبعة،
وتكون كسحابة
تغشى الأرض
أنت وكل جيوشك
وشعوب كثيرون
معك).
وهذه الجيوش
الكبيرة
المعادية لـ (إسرائيل)
وحلفائها
يطلق عليهم في
التوراة "جوج
وماجوج"، وهم
سيأتون إلى
الأرض
المقدسة في
يوم من الأيام
الأخيرة من
جهة الشرق كما
تتحدث
التوراة: (ويكون
في ذلك اليوم
يوم مجيء جوج
على أرض
إسرائيل،
يقول السيد
الرب: إن غضبي
يصعد، وغيرتي
في نار سخطي،
تكلمت أنه في
ذلك اليوم
يكون رعش عظيم
في أرض
إسرائيل،
فيرعش أمامي
سمك البحر
وطيور السماء
ووحوش الحقل،
والدابات
التي تدب على
الأرض، وكل
الناس الذين
على وجه
الأرض،
وتندكُّ
الجبال،
وتسقط
المعاقل،
وتسقط كل
الأسوار إلى
الأرض،
وأستدعي
السيف عليه في
كل جبالي،
يقول السيد
الرب: فيكون
سيف كل واحد
على أخيه،
وأعاقبه
بالوباء
وبالدم،
وأمطر عليه
وعلى جيشه
وعلى الشعوب
الكثيرة
الذين معه
مطراً جارفاً
وحجارة بَرَد
عظيم وناراً
وكبريتاً).
أما التلمود
الذي فسر به
الحاخامات
القدامى نصوص
التوراة فقد
جاء فيه ما يدل
على أن (الأيام
الأخيرة)
ستشهد
أحداثاً يكون
اليهود
محورها؛ فقد
جاء فيه: "قبل
أن يحكم
اليهود
نهائياً، لا
بد من قيام حرب
بين الأمم،
يهلك خلالها
ثلثا العالم،
ويبقون سبع
سنين يحرقون
الأسلحة التي
اكتسبوها بعد
النصر" وحتى
البروتوكولات
التي خُطت في
العصور
المتأخرة
تردد ذاك
الصدى: "إننا
نقرأ في شريعة
الأنبياء
أننا مختارون
من الله لنحكم
الأرض، وقد
منحنا الله
العبقرية كي
نكون قادرين
على القيام
بهذا العمل،
إن كان في
معسكر
أعدائنا
عبقري فقد
يحاربنا،
ولكن القادم
الجديد لن
يكون كفؤاً
لأيد عريقة
كأيدينا.. إن
القتال
المتأخر
بيننا سيكون
ذا طبيعة
مقهورة لم ير
العالم لها
مثيلاً من
قبل، والوقت
متأخر
بالنسبة إلى
عباقرتهم".
هكذا تتحدث
مصادر اليهود
عن معركة
الأيام
الأخيرة. أما
النصارى؛ فإن
الإنجيل الذي
بأيديهم يزيد
في التفصيل عن
هذه المعركة،
بل ينفرد عن
المصادر
اليهودية
بتحديد
مكانها الذي
ستقع فيه، إنه
سهل (مَجِدُّو)
بفلسطين حيث
ستنشب أكبر
معركة في
التاريخ في
وقت العودة
الثانية
للمسيح.
ففي سفر
الرؤيا (الإصحاح
16-15)، جاء على
لسان عيسى -
عليه السلام -
وهو يصف وقت
مجيئه
المفاجئ: "ها
أنا آتي كلص،
طوبى لمن يسهر
ويحفظ ثيابه
لئلا يمشي
عرياناً
فيروا
عُريته،
يجمعهم إلى
الموضع الذي
يدعى
بالعبرانية (هَرْمَجِدُّون)".
وهكذا نرى أن
الاعتقاد
بوقوع تلك
المعركة، هو
اعتقاد مشترك
بين اليهود
والنصارى؛
فاليهود
يؤمنون بها
وبأن خلاصهم
سيأتي بعدها،
أما النصارى
فيؤمنون
بالمعركة
ذاتها ولكن
على أن خلاصهم
هم سيأتي
بعدها، ولكن
هذا (الخلاص)
الموهوم عند
الأمتين
الضالتين، لن
يتم - للأسف
كما يعتقدون -
إلا بالتخلص
من جُل سكان
الأرض عن طريق
تلك الحرب
المدمرة:
الهرمجدون.
وأصل كلمة (هرمجدون)
عبرية،
ومعناها
الحرفي: جبل
مجيدو، فكلمه (هار)
تعني في
العبرية: جبل،
فإذا أضيفت
إلى اسم
الوادي صار (هارمجيدو)
التي دمجت في
النصوص
القديمة إلى (هرمجدون).
وأرض مجدو
تبعد 55 ميلاً
عن تل أبيب،
وهي في موقع
يبعد 20 ميلاً
شرق حيفا، على
بعد 15 ميلاً من
شاطئ
المتوسط،
وترتبط في
الاعتقاد
القديم بأنها
الأرض التي
كان الفاتحون
القدامى
يعتقدون أن أي
قائد يسيطر
عليها يمكنه
أن يصمد أمام
أعدائه مهما
كانت
أعدادهم،
ويعتقد
اليهود
والنصارى أن
جيوشاً من
مئتي مليون
جندي(2) سيأتون
إلى مجدو
للبدء في خوض
حرب نهائية،
ونصوصهم تدل
على أن هذه
المعركة سوف
تتورط فيها كل
الأمم، أي
ستكون حرباً
عالمية ولكن
أوارها
سيشتعل أولاً
في منطقة
الشرق الأوسط
وفي فلسطين
بالذات.
والنصارى
يعتقدون
أيضاً أن تلك
الحرب سوف
تستغرق مدة
سبع سنين، وهي
مدة كافية
تعطي لليهود
فرصة كي يروا
بأنفسهم كيف
ينتقم الله من
أعداء المسيح
مما يدل على
صدقه فيؤمنوا
به. ويعتقدون
أيضاً - بمقتضى
الإنجيل أنه
ستمر سبعة
أشهر حتى
يتمكن (بيت
إسرائيل) من
دفن جثث
الضحايا
وينظفوا
الأرض منها.
وتبقى طائفة
النصارى
الإنجيليين
أو (المسيحيين
الصهيونيين)
المتزايدة
النفوذ في
أمريكا
اليوم، تبقى
هي صاحبة
الاهتمام
الأول بمعتقد (الهرمجدون)
والمجيء
الثاني
الوشيك
للمسيح.
الإنجيليون
وجيل النهاية:
بعد قرون طوال
من تبديل
المحرفين
المخرفين
للتوراة
والإنجيل،
جاء جيل من
المخربين
ليدَّعوا
أنهم جيل
النهاية الذي
سيشهد (نهاية
التاريخ)
وهؤلاء
تمثلهم في
الأساس
جماعات
الإنجيليين
في أمريكا
وكندا
وإنجلترا
الذين يقدر
عددهم في
الولايات
المتحدة
وحدها بنحو 90
مليون نسمة. إن
الشيطان لم
يعثر على صنف
من أتباعه
أنسب من غلاة
طائفة
البروتستانت
الإنجيلية
النصرانية
أدعياء
التمسك
الحرفي
بالتوراة
والإنجيل؛
فهؤلاء يرون
أنهم
سيعدُّون
مسرح الدنيا
لتمثيل الفصل
الأخير من
عمرها؛
فالهرمجدون
أو (الهولوكست
النووي) أو
الحرب
العالمية
الثالثة هي
المعركة
المنتظرة
التي يؤمن
الإنجيليون
النصارى
بحتمية بل
بضرورة
وقوعها؛
ولهذا
يروِّجون لها
على أوسع
وأعلى
المستويات في
الغرب، وقد
أقنعوا بها
الرئيس ريجان
نفسه حتى
تكاثرت
التصريحات
الصادرة عنه
التي تدل على
إيمانه
بحتمية
وقوعها قبل
انقضاء هذا
الجيل؛ فقد
نشرت مجلة (سان
رييجو مجازين)
في أغسطس من
عام 1985م مقالاً
لـ (جيمس ملز)
الذي كان
رئيساً لمجلس
شيوخ ولاية
كاليفورنيا
قال فيه: إن
ريجان قال له
أثناء مأدبة
عشاء حضرها: "إن
كل النبوءات
التي يتعين
تحقيقها قبل
معركة مجدو قد
حدثت، والفصل
38 من سفر
حزقيال يقول:
إن الله سيأخذ
إسرائيل من
وسط الكفار
بعد أن يكونوا
مشتتين، ثم
يلم شملهم مرة
أخرى في أرض
الميعاد، وقد
حدث هذا بعد
قرابة ألفي
سنة، ولأول
مرة في
التاريخ فإن
كل شيء مهيأ
لمعركة مجدو
والمجيء
الثاني
للمسيح".
وكلما اقترب
قدوم الألفية
الثالثة
ازدادت وتيرة
الصياح عن
الحرب
العالمية
الثالثة؛ فقد
صدرت في
السنوات
الأخيرة
العديد من
المؤلفات
التي تتحدث عن
هذه الحرب،
ولاقى بعضها
إقبالاً
منقطع
النظير، منها
كتاب: (دراما
نهايــة
الزمن) لمؤلفه
(أو ترال
لوبرتس) وبيعت
منه ملايين
النسخ، وكتاب:
(الكرة
الأرضية، ذلك
الراحل
العظيم) من
تأليف (هال
لندسي) وقد
بيعت منه نحو 18
مليون نسخة،
ومؤخراً صدر
كتاب على
الشاكلة
نفسها بعنوان:
(أسرار نهاية
العالم)، وقد
ألفه عدد من
العلماء، وهم
الدكتور
الفرنسي (لرجان
بير) المتخصص
في سيمولوجيا
الانثربولوجي
والدكتور
الإنجليزي (ديفيد)
المتخصص في
مجال
المعلومات،
والدكتور
اليوناني (ديمتري)
المتخصص في
علم
اللغويات،
والدكتورة (ميريام)
الإسرائيلية
المتخصصة في
دراسة
اللاهوت، وقد
استنبطوا من
سفر يوحنا في
الإنجيل مادة
كتابهم، وجاء
في مقدمة
الكتاب: "إن
حضارتنا هذه
ستكون ضحية
مرة أخرى
لجنون حرب
عالمية ثالثة
لن تستغرق
كثيراً؛ لأن
الأسلحة
الموجودة
الآن نووية،
وستحرك هذه
الحرب (يأجوج
ومأجوج) الذي
تمثلهم الصين
في هذا العصر
بما تملك من
ترسانات
نووية موجهة
نحو الغرب"،
ويتوقع أن
يفوق هذا
الكتاب ما
سبقه من كتب في
شدة الإقبال
وذيوع الصيت.
وإلى جانب ذلك
تُقدِّم
السينما في
الغرب كل مدة
أفلاماً
مرعبة تصور ما
يمكن أن يحدث
للعالم إذا
نشبت الحرب
العالمية
الثالثة،
منها فيلم: (الشتاء
النووي) الذي
عُرض في بداية
التسعينات
وأثار رعباً
واسع النطاق.
أما في نهاية
التسعينات
فقد نشرت
صحيفة
نيوزويك
الأمريكية في
منتصف مايو 1999م،
أن دور
السينما
الأمريكية
ستبدأ في 19 من
الشهر نفسه
عرض ما أطلق
عليه (فيلم
القرن) وهو
بعنوان: (الشبح...
ظاهرة نهاية
القرن
العشرين)
وقالت
الصحيفة: إن
ميزانية
الفيلم قدرت
بـ 115 مليون
دولار،
وتوقعت
الصحيفة أن
يُحْدث
الفيلم دوياً
غير مسبوق في
تاريخ
السينما!
والمشكلة هنا
أن أجواء
الحرب يمكن أن
تصنع الحرب.
ولا ندري هل
هذا الزخم
الإعلامي
الضخم هو
المسؤول عن
اللوثات
الدينية (الأخروية)
في أمريكا، أم
أن تلك
اللوثات هي
التي تصنع ذلك
الزخم؟
على أي حال فإن
التيار
الإنجيلي
البروتستانتي
الذي يطلق على
نفسه: (التحالف
المسيحي
الصهيوني)
أصبح يقود
حركة مد ديني
متنامٍ في
الولايات
المتحدة،
وبات لا يكتفي
بالتدخل في
السياسة؛ بل
يطمع في
توجيهها،
ويطمح إلى
الإمساك
بزمامها.
وللتذكير؛
فإن هذا
التيار هو
الذي انتخب
الكونجرس
الأمريكي عام
1994م وسيطر على
أغلبيته
لصالح الحزب
الجمهوري،
ولما تباطأ
هذا الحزب في
التنفيذ
الشامل لكل
برامجهم
الموجهة
أعلنت كتلتهم
المسماة بـ (الائتلاف
المسيحي)
احتجاجها،
وحذرت الحزب
بأنه لن يحظى
ثانية
بتأييدهم في
انتخابات
الكونجرس
القادمة،
وأمام هذا
التهديد أذعن
الحزب
الجمهوري
لمطالب (الائتلاف
المسيحي) الذي
سحب تهديده.
وقد ظهر أثر
وقوفه مع
الحزب مرة
أخرى في
انتخابات
نوفمبر من عام
1998م التي فاز
بها
الجمهوريون
بأغلبية
ساحقة كان
سببها
التأييد
القوي من
الائتلاف
المسيحي
الصهيوني،
ويكرر هذا
الائتلاف
لعبته،
فيتوعد الحزب
الجمهوري
بالتخلي عنه
في انتخابات
عام 2000م إذا لم
يضع برامجهم
الدينية موضع
التنفيذ(1)، بل
هدد أحد زعماء
الائتلاف
بنسف الحزب
الجمهوري
انتخابياً
إذا تخلى عن
برنامج
الأصوليين (الإصلاحي)!
والائتلاف
المسيحي - كما
يبدو للمتابع -
لن يدع فرصة
انتخابات عام
ألفين تفوته؛
فانتخابات
الألفية لا بد
أن يحصد
ثمرتها (الألفيون)
ولهذا؛ فإن
مؤسس
الائتلاف
المسيحي (بات
روبتسون) قد
بدأ من الآن في
إعداد حملة
ضخمة لضمان
سيطرة
الأصولية
الأمريكية
على انتخابات
القرن الحادي
والعشرين
التي ستأتي
بالحكومة
الأولى في
الألف
الثالثة، وقد
سبق لروبتسون
أن قاد حملة
الحزب
الجمهوري عام
1988م، وهو من
الأصدقاء
الشخصيين لكل
من ريجان
وبوش، بل إن
تكتل
الأصوليين
الذي يتزعمه
هو الذي جاء
بالرئيس
ريجان ليضعه
على رأس أكبر
دولة في
العالم، وكان
الائتلاف
مسانداً
قوياً لجورج
بوش من بعده،
وعندما حصلت
الانتخابات
التي جاءت
بكلينتون
مرشح الحزب
الديمقراطي،
كان منافسه
فيها (بوب دول)
مرشح الحزب
الجمهوري،
ولكن (دول) لم
يفلح في كسب
تأييد
الأصوليين
الإنجيليين
فتخلوا عنه
فسقط(2)، وجاء
كلينتون الذي
أثبت أنه
أصولي أكثر من
الأصوليين في
تأييده
للإسرائيليين
رغم انتمائه
للديمقراطيين.
ويستعد
الإنجيليون
من الآن لخوض
حملة رئاسية
عنيفة وفاصلة
من أجل تسليم
زمام السلطة
في أمريكا إلى
رئيس أصولي
إنجيلي أو
تابع
للأصوليين
الإنجيليين
في انتخابات
عام 2000، وقد بدأ
زعيم (الائتلاف
المسيحي)
روبتسون هذه
الحملة
باستعدادات
وصفها
المراقبون
بأنها (أسطورية)!
فقد نشرت
صحيفة لوس
انجيلوس
تايمز في 12-3-1999م،
أن القس
الأمريكي (بات
روبتسون) تعهد
بإطلاق حملة
ميزانيتها 21
مليون دولار
لتوجيه
الناخبين
الأصوليين
ودفعهم إلى
مراكز
الاقتراع في
انتخابات عام
2000 للرئاسة
ومجلس
الكونجرس،
وتقضي خطته
الانتخابية
بتجنيد مليون
و500 ألف حركي
لضمان صب
أصوات 15 مليون
ناخب في خانة
المرشحين
الأصوليين
اليمينيين،
وفي سياق
إعلانه عن
الحملة ذكر
القس
الأمريكي أن
الحركيين
التابعين
لتحالفه
سيُكلَّفون
بتوزيع 75
مليون دليل
انتخابي خلال
الحملة
المقبلة،
وسيتحركون
سياسياً في 100
ألف كنيسة. أما
عن المسائل
ذات الاهتمام
التي سيركز
عليها في
حملته فقد قال
القس: إن
الائتلاف
المسيحي مهتم
أساساً
بالمسائل
الدينية التي
تواجه
أمريكا،
وخارجياً فإن
أشد ما يزعجه
هو حصول الصين(1)
على أسرار
تكنولوجية
نووية
أمريكية.
ولا يستبعد أن
يرشح هذا القس
نفسه شخصياً
في
الانتخابات
الرئاسية
لعام 2000، فقد
سبق أن عزم على
ذلك في
الانتخابات
الرئاسية عام
1986م، وبالرغم
من أنه لم يكن
يمتلك ما
يمتلكه اليوم
من إمكانات،
فقد علقت
صحيفة
نيويورك
تايمز وقتها
على الفرص
الكبيرة
المتوافرة
أمامه للفوز
إذا مضى في
عزمه فقالت: "إن
هناك 24 مليون
مشاهد للمحطة
التلفزيونية
المسيحية
التي يسيطر
عليــها (بات
روبتسون)، وإن
احتمال
ترشيحه يستند
إلى لوائح
كبيرة من
المساهمين
والممولين،
وكذلك على
إقبال كبير من
المشاهدين
يفوق عددهم
عدد قراء صحف
التايم
ونيوزويك
ونيويورك
تايمز ولوس
أنجيلوس
تايمز
والواشنطن
بوست مجتمعة"!
وهذا (الملك)
النصراني غير
المتوج يؤمن
إيماناً
مطلقاً
بإسرائيل،
وبأنها
المحور الذي
تدور حوله
أحداث (الأيام
الأخيرة) يقول:
"إن إعادة
ميلاد
إسرائيل، هو
الإشارة
الوحيدة إلى
أن العد
التنازلي
لنهاية
العالم قد
بدأ، كما أنه
مع مولدها؛
فإن بقية
التنبؤات
ستتحقق بسرعة"(2).
الإنجيليون
والهرمجدون:
الإنجيليون
حرفيون،
ولهذا فهم
يؤمنون
حرفياً بحديث
التوراة
والإنجيل عن
معركة
النهاية بكل
ما فيها من
تفصيلات
مكانية
وزمانية وما
يتعلق بها من
وقائع وأسماء
أشخاص وزعماء
وبلدان وبحار
وأنهار
وأشجار؛ فليس
هناك - في
اعتقادهم -
معنى ظاهر
وآخر باطن في
نصوص
الكتابيْن،
ولهذا؛ فإن
حديث التوراة
والإنجيل عن
محاربة أنصار
المسيح
لأعدائهم
بالسيف
والرمح
والخيل لا يدل
على شيء آخر
غير فناء
الحضارة
المادية
المعاصرة
وعودة الناس
إلى الحياة
البدائية أو
قريب منها!!
والنصوص
الدينية التي
استعرضنا
بعضاً منها،
تمثل هواجس
دافعة، تؤز
بها شياطين
الجن أتباعها
من شياطين
الإنس ليرسما
سوياً معالم
الصورة
المأساوية
لإنهاء خلافة
الإنسان في
الأرض؛
والمطلع على
تصريحات رموز
وأعضاء هذا
التيار
الإنجيلي (المتدين)
يشعر بأنه
يسمع
الشياطين
تتحدث على
ألسنة البشر؛
فعندما سألت
الكاتبة
الأمريكية (جريس
هالسيل) أحد
هؤلاء
الإنجيليين
عن السبب في أن
إله الرحمة
والسلام يحب -
كما يزعمون -
أن تقوم حرب
نووية مدمرة
قال: (يجب أن
نتذكر أن الله
هو الذي عرَّف
الإنسان
بصناعة
وإنتاج هذه
القوة
المدمرة؛ فهي
ليست جديدة
على الله، ولن
تستعمل دون
مشيئته"(1).
ويقول (هال
ليندسي) في
كتاب له
بعنوان: (العالم
الجديد
القادم): "فكِّروا
فيما لا يقل عن
200 مليون جندي
من الشرق، مع
ملايين أخرى
من قوات الغرب
يقودها أعداء
المسيح... إن
عيسى المسيح
سوف يضرب
أولاً أولئك
الذين دنسوا
مدينة القدس،
ثم يضرب
الجيوش
المحتشدة في (هرمجدون)
فلا غرابة أن
يرتفع الدم
إلى مستوى
ألْجِمَة
الخيل مسافة 200
ميل من القدس،
وهذا الوادي
سوف يملأ
بالأدوات
الحربية
والحيوانات
وجثث الرجال
والدماء"!!
وأضاف: "إن
الأمر يبدو
وكأنه لا يصدق!
إن العقل
البشري لا
يستطيع أن
يستوعب مثل
هذه
اللاإنسانية
من الإنسان ضد
الإنسان(2)،
ومع ذلك فإن
الله يُمكِّن
طبيعة
الإنسان من
تحقيق ذاتها
في ذلك اليوم"!
إذن؛ فالحرب
الثالثة
عندهم ليست
مجرد أمل
ينتظر، وإنما
هي قدر لا بد
من الرضى به،
بل والسعي
إليه في نظر
هؤلاء
المهاويس،
أما ما يسمى بـ
(المساعي
الدولية
للتعايش
السلمي) فإنها
في نظر
الإنجيليين
ضرب من تحدي
الإرادة
الإلهية.
ألقى (جيمي
سواجارت) القس
الأمريكي
الإنجيلي
الشهير موعظة
في 22 سبتمبر 1985م
تحدث فيها، -
وكأنه يقوم
بمشهد تمثيلي -
فقال: "كنت
أتمنى أن
أستطيع القول
بأننا سنحصل
على السلام،
ولكني أؤمن
بأن هرمجدون
مقبلة، إن
هرمجدون
مقبلة،
وسيخاض
غمارها في
وادي مجيدو،
إنها قادمة،
إنهم
يستطيعون أن
يوقِّعوا على
اتفاقيات
السلام التي
يريدون، ولكن
ذلك لن يحقـق
شيئاً. هناك
أيــام
سـوداء
قادمـة...
إننـي لا أخطط
لدخول جهنم
القادمة،
ولكن الإله
سوف يهبط من
عليائه... يا
إلهي!! إنني
سعيد من أجل
ذلك... إنه قادم
ثانية، إن
هرمجدون تنعش
روحي"!.
ولكن ما هو سبب
هذا (الانتعاش)
الروحي
المستمد من
روائح الدم
وأدخنة
الخراب؟!
إنه فصل
معاصر من فصول
الحقد
التاريخي
اليهودي على
البشر الذي
انتقلت عدواه
إلى النصارى
الذين كانوا
يوماً مَّا من
المغرمين
بالحديث عن
السلام تحت
شعار: (الله
محبة)! فعقدة (الجويم)
أو الكفار أو
العامة أو (الجنتيل)
الذين خلقهم
الله لخدمة
اليهود، ولكن
خلقهم على
هيئة البشر
لئلا يستوحش
منهم اليهود.
هذه العقدة
يشارك
البروتستانت
اليهود فيها،
ولهذا؛ فإن
الحديث عن
فناء (العامة)
من غير اليهود
وأشباههم من
البروتستانت
هو من
الأحاديث
المنعشة
لأرواحهم
والمسعدة
لأسماعهم. قال
القس
الإنجيلي
البارز (جيري
فالويل) في
محاضرة
ألقاها في 12
ديسمبر 1984م عن
أحداث
هرمجدون: "ما
أعظم أن نكون
مسيحيين؛ إن
أمامنا
مستقبلاً
رائعاً، نشكر
الله أن هذه
المعركة سوف
تكون نهاية
أيام العامة (الجنتيل)؛
لأنها بعد ذلك
سوف تعد
المسرح لقدوم
الرب المسيح
بقوة وعظمة"!
وأحبــاب (الهرمجــدون)
لا يقفــون
عنــــد حــد
الأماني (الوردية)
بقـرب مجـيء
أيامه
الحمـراء أو
السوداء،
ولكنهم
يصنعون
سيناريوهات (واقعية)
يمكن أن تجر
الدنيا
لمجيئه؛ فقد
أجرت صحيفة
لوس أنجيلوس
تايمز حديثاً
مع القس
المذكور (فالويل)
في 4 مارس 1981م،
وسأله الصحفي
عن تصوره
لكيفية حصول
الحرب
النووية
العالمية
فقال: "أعتقد
أن روسيا
ستحدث بها
أزمات، وعلى
رأسها أزمة في
النفط وسينفد
احتياطيها
منه، وعندها
سوف تتحرك إلى
الشرق الأوسط
وأيضاً نحو
إسرائيل،
وعندما يحدث
ذلك ستنفتح
أبواب جهنم"!
وقد أصدر ذلك
القس بعد ذلك
بعامين
كتاباً
بعنوان: (الحرب
النووية
والمجيء
الثاني)، عقد
فيه فصلاً عن
الحرب الي
ستشنها
روسيا، وتكهن
فيه بأنها
ستخوض حرباً
في الشرق
الأوسط ينتج
عنها إبادة
خمسة أسداس
جنودها كما
تنبأ بذلك سفر
حزقيال، وقال (فالويل):
"بذلك سوف
يبدأ
الاحتفال
الأول بقرب
عودة الرب، ثم
يأتي
الاحتفال
الآخر بعد
انتهاء معركة
الهرمجدون"!
ولكن لماذا
روسيا
بالذات؟! في
الحقيقة إن
روسيا - مع دول
أخرى - يزعم
هؤلاء
الإنجيليون
أن اسماءها قد
وردت بالنص في
طليعة
المشاركين في
حرب
الهرمجدون؛
ففي التوراة
التي بأيديهم
وفي سفر
حزقيال علــى
وجـــه
التحديد في
الفـصل 38، 39 يرد
اسم (روش) وهي
كما يقولون:
روسيا! و (ماشك)
التي يقولون:
إنها موسكو، و
(توبال) التي
يعتبرون أنها
مدينة (تيبولسك)
الكبيرة في
روسيا، ويذكر
السفر أيضاً
بلاد (فارس)
وهي بالطبع
إيران التي
يجزمون بأنها
ستكون
مشاركاً
رئيساً في حرب
هرمجدون،
ويترجمون
بلاد (كومر)
بأنها منطقة
بلدان أوروبا
الشرقية كما
كانـت
تعــــــرف
في أزمنــــة
التوراة و (توغارما)
التي تعني
بلاد
القوقاز، ولا
ينسون ضم
ليبيا التي
يعتقدون أنها (بوت)
المذكورة في
التوراة،
ومنطقة القرن
الإفريقي مع
إثيوبيا وقد
يحشرون معها
السودان
وجنوب اليمن (غومر)،
أما العراق
فهي (آشور
الآثمة) و (بابل
الزانية) التي
يتحدث كتَّاب
التوراة عنها
بلهجة حنق
وغيظ تظن معها
أنهم كانوا
متحدثين باسم
اللجنة
الدولية
للتفتيش عن
أسلحة الدمار
الشامل!
أما (إسرائيل)
فهي نفسها
إسرائيل التي
نعرفها
اليوم، والتي
لم يجد
مؤسسوها
اسماً آخر
يصلح لها إلا
ذلك الاسم
الذي تذكر به
في التوراة في
الأيام
الأخيرة،
والتي ستكون
بسببه في بؤرة
الأحداث
العالمية.
على درب
الدمار:
لم يعد احتمال
نشوب حرب
عالمية ثالثة
مدمرة من
الاحتمالات
المستحيلة في
ظل السياسات
المجنونة
للتسلح في
العالم؛ حيث
بلغت تلك
السياسات
نقطة
اللاعودة
بحيازة
الولايات
المتحدة
الأمريكية
للقنبلة
الذرية في
الأربعينات
واستعمالها
الفعلي لها في
الحرب
العالمية
الثانية التي
حصدت نحو
خمسين
مليوناً من
البشر!
ومن يومها
والولايات
المتحدة - فكك
الله وحدتها -
تقود العالم
إلى سباق نووي
شيطاني لا
يعلم إلا الله
ما هي محطته
الأخيرة.
واستناداً
إلى كتاب: (ساحــات
المعارك
النوويــة)
لمؤلفيـــه (وليام
آركـن) و (ريتشارد
فيلد)؛ فإن
الولايات
المتحدة
الأمريكية
تملكت حتى
بداية
الثمانينات
الميلادية 670
أداة للأسلحة
النووية في 40
ولاية، بحيث
يبلغ مجموع
الرؤوس
النووية
الجاهزة 14500
رأس، ولها
محطات نووية
خارج حدودها،
ففي ألمانيا
يوجد 3396 سلاحاً
أمريكياً،
وفي بريطانيا
يوجد 1268، وفي
إيطاليا يوجد
549، وفي تركيا 489،
وفي اليونان 164،
وفي جنوب
كوريا 151، وفي
هولندا 81، وفي
بلجيكا 25،
وتبلغ القوة
التدميرية
الإجمالية
لهذا السلاح
النووي - كما
ذكر ذلك وزير
الدفاع
الأمريكي
الأسبق (كلارك
كليفورد) -
مليون ضعف من
قوة القنبلة
التي أسقطها
الأمريكيون
على مدينة
هيروشيما
اليابانية في
الحرب
العالمية
الثانية،
ورغم هذا،
تساءل (كليفورد)
عما يجب أن
تفعله أمريكا
في المستقبل
فقال: "مع ذلك،
ماذا علينا أن
نفعل"؟! ثم
أجاب على نفسه
قائلاً: "علينا
أن نمضي قدماً
في صناعة
المزيد"!!
وهل من مزيد؟
نعم؛ فهم لما
بدؤوا السباق
في مضمار
الدمار الذي
اخترعه (نوبل)
رمز السلام
النووي،
اضطرت القوى
الكبرى
الأخرى أن
تدخل السباق
لتتمكن من ردع
تلك القوة
المجنونة
التي صبت جام
جنونها على
هيروشيما
ونجازاكي، ثم
تتابعت الدول
في حيازة ذلك
السلاح (الهرمجدوني)
حتى أصبحت
الدول
النامية
تتسابق الآن
هي الأخرى إلى
حيازته، كما
حدث في الهند
وباكستان،
وأصبحنا الآن
نعيش عصراً
تقتطع فيه
الدول من
أقوات
الشعوب،
لتطعِم
ترساناتها
بكل جديد مهلك
من السلاح،
فإذا لم تظفر
بظروف تختطف
فيها فرصتها
النووية
فإنها تبذل
المساعي
لامتلاك
أسلحة
كيمياوية أو
بيولوجية، أو
تكتفي
بالتجهيز
لامتلاك
صواريخ
بالستية
ريثما تتوفر
لها الفرص
لتزويدها
بالرؤوس
النووية
التدميرية.
وقد ذكرت مجلة
(جنيس
ديفنزويكلي)
المتخصصة في
الشؤون
الدفاعية
التي تصدر في
لندن في عددها
الصادر في شهر
مايو 1999م: أن أي
دولة في
العالم مهما
كانت خبراتها
وقدراتها
الحالية،
ستتمكن خلال
خمسة عشر
عاماً بعد
العام 2000م من
استخدام ونشر
الصواريخ
البالستية
العابرة
للقارات،
واستشهدت
المجلة على
تنامي أخطار
التسلح بما
حققته دول مثل
إيران التي
اختبرت عام 1998م
صاروخ (شهاب 3)،
وكوريا
الشمالية
التي جربت
صاروخ (تايبو
دونج 1)
وباكستان
التي اختبرت
صاروخ (غوري)
رداً على
اختبار الهند
لصاروخها (إجني)!
وهل توقف
الأمر بعد
الدول الكبرى
عند حد الدول
الفقيرة
والنامية؟!
لا؛ فالحديث
الآن يتداول
في الغرب
بكثرة عن
الفرص
المتاحة أمام
بعض الجماعات
المسلحة في
الغرب وفي
الشرق لكي
تحوز أسلحة
كيماوية أو
بيولوجية أو
حتى نووية
تكتيكية(1)
والفضل في
النهاية - أقصد
الإثم - يعود
إلى فجور
المفجِّرين
الأُوَل
للقمقم الذي
أخرجوا منه
المارد
النووي على
مشارف النصف
الأخير من
القرن
العشرين.
وأين اليهود؟!
هم من جانبهم
أعدوا عدتهم
بحصيلة نووية (متواضعة)
تتراوح بين 200
إلى 300 قنبلة
نووية، وهم لن
يحتاجوا
لأكثر من ذلك
إذا قسَّموا
هذه الحصيلة
على العواصم
المحيطة (المحبة
للسلام) بواقع
عشر قنابل لكل
عاصمة! علماً
بأن الغرب
وعلى رأسه
الأمريكان لم
يسمحوا
لواحدة من تلك
العواصم
العربية
بالاقتراب من
حيازة قنبلة
واحدة نووية
لردع الجارة
الجائرة (إسرائيل)!
إن هذه الدولة
اليهودية (الصغيرة)
بل الحقيرة
تمسك بتلابيب
الغرب
النصراني
مبتزة إياه
باقتنائها
المتفلت
لأسلحة
الدمار
الشامل، وهي
تفرض بذلك
هواجس دائمة
بأنها تملك
جره إلى حرب
مباشرة، كما
حدث في حرب 1973م
عندما هددت (إسرائيل)
في بدايتها
باستعمال
السلاح
النووي مما
دفع الرئيس
الأمريكي
الأسبق إلى أن
يعلن
استنفاراً
نووياً من
الدرجة
الثالثة من
الاستعداد في
كل أنحاء
العالم،
وتكرر هذا
الابتزاز في
حرب الخليج
عندما أطلق
صدام حسين
صواريخه على
تل أبيب؛ ولكن
اليهود مع هذا
يعلمون أنهم
سيكونون أول
ضحايا حرب
نووية في
المنطقة،
ولهذا؛ فإنهم
يعتمدون ما
يسمى بـ (الخيار
شمشون)(1)
ومعناه: أنهم
سيضحون
بالجميع إذا
ترجح عندهم
أنهم يواجهون
خطر
الاستئصال.
الأخطاء
المقصودة
والعصمة
المفقودة:
وفي ظل هذا
الواقع
الرعيب - إن
كان له ظل - هل
يملك
المالكون
لأزمَّة
الآلة
العسكرية في
بلاد الغرب أو
الشرق الأوسط
أو الأدنى أو
الأقصى، هل
يملكون عصمة
تمنعهم من فتح
أبواب الجحيم
الدنيوي ولو
على سبيل
الخطأ؟!
إن من سوء حظ
البشرية تحت
القيادة
الغربية، أن
الشواهد كلها
تدل على أن
السيطرة
الكاملة على
التنين
النووي ذي
الرؤوس
الذرية - إلى
ما لا نهاية -
أمر مستحيل؛
فنحن أمام
حقيقة تقول:
إما أن تُفني
البشرية هذا
الخطر أو
يفنيها، إلا
أن يشاء الله -
تعالى - الرحيم
بعباده شيئاً
آخر ينقذ به
الإنسانية من
الشر الكامن
فيها؛ وإلا
فإفناء
البشرية
لترسانات
الدمارالشامل
يحتاج إلى قوة
رشيدة عاقلة
ذات دين، وأين
هي الآن؟!
فاللهم رحماك!
والآن
يُتْحفنا
أرباب
الحضارة
المعاصرة -
بشكل شبه يومي
- بأخبار تثير
الفزع، وتبعث
على الهلع،
يحدثوننا
فيها عن كوارث
محتملة وأخرى
أكيدة ستعم
المعمورة
كلها مع مطلع
العام 2000م. إنها
ليست بسبب (جنون
البشر) هذه
المرة، ولكن
بسبب (العقل)
الذي اخترعوه
وطوروه حتى
كاد يتحكم
فيهم بدلاً من
أن يتحكموا
فيه... إنه (الكمبيوتر)!
فالعالم الآن
يُستنفر كلما
اقترب موعد
بدء الألفية
الثالثة،
بسبب مشكلة
الكمبيوتر في
عام 2000م أو ما
اصطلح على
تسميته (العلة
الألفية).. فما
هي هذه العلة؟
وما تعليلها؟
وما آثارها
المتوقعة؟
وهل يمكن
السيطرة على
أخطارها
التسليحية
والبيئية
والاقتصادية..؟
هذا ما سيكون
موضوع حديثنا
في المقالة
القادمة - إن
شاء الله -.
العلة
الألفية ...
والأقدار
المخفية
شاء
الله - تعالى -
أن تتجلى
عظمته في
الخلق بخلق
الإنسان،
وشاء - سبحانه -
أن تظهر عظمة
عقل الإنسان
باختراعه
لهذا الجهاز
العجيب:
الحاسوب، أو (الكمبيوتر)
فهو يدل على
ذكاء خارق لدى
المخلوق
الآدمي، ولكن
الإنسان هو
الإنسان في
ضعفه وعجلته
وجهله.
وخلق
الإنسان
ضعيفا
{النساء:
28}،
إنه
كان ظلوما
جهولا
{الأحزاب:
72}،
وكان
الإنسان
عجولا
.
{الإسراء: 11}.
وقد اجتمعت
آثار تلك
الصفات
البشرية
المتناقضة:
الذكاء مع
الجهل والظلم
مع الضعف في
صنعة الإنسان (الحاسوب)
الذي مثَّل
حتى الآن
الذروة فيما
يمكن أن تصل
إليه إمكانات
البشر
العقلية؛
فبينما
تبدَّت ملامح
الذكاء
والدقة
والإتقان في
هذا الجهاز،
بدت فيه - من
نواحٍ أخرى -
المظاهر
الدالة على
قصر النظر
والعجلة
والضعف،
فيبدو أنه لم
يكن في حسبان
من ابتكروا
أجهزة
الحاسوب قبل
نحو 50 سنة أن
تلك الأجهزة
سوف يجرى
تشبيكها في
وقت لاحق
بغيرها، ولم
يكن في
حسبانهم أن
الشبكات التي
أنشئت هكذا
ستصبح عاملة
حسب أنظمة
سارية
المفعول حتى
بلوغ القرن
نهايته. وكان
لسوء الفهم أو
سوء التدبير
فيما يتعلق
بهذا الشأن
ثمار مرة
وآثار مدمرة
يمكن أن تجني
على الإنسان
بدلاً من أن
يجني هو منها
ما يريد.
فالمشكلة
التي اصطُلح
على تسميتها
بـ (العلة
الألفية) أو (علة
القرن) أو (حشرة
2000م) أو (بقة 2000م)،
تكمن في أن
أجهزة
الكمبيوتر
التي جسدت
فتنة الإنسان
بعقله سوف
تعتقد في
الأول من
يناير عام 2000م،
أنها عادت إلى
مطلع العام 1900م
بسبب استخدام
الرقمين
الأخيرين فقط
للدلالة على
السنة، وهنا
ستضرب تلك
الأجهزة
الحاسوبية
أخماساً في
أسداس،
وسينشأ تخوف
حقيقي بسبب
عدم تمكن
الأنظمة
المبرمجة من
التفريق بين
عامي 2000م و 1900م
الذي ينتهي كل
منهما
بصفرين، مما
سيُحِدث خطأً
في قراءة تلك
الأنظمة
لرقمي (00) في
الأول من
يناير عام 2000م،
على أنها
إشارة إلى عام
1900م؛ مما يعني
أن كثيراً من
الأنظمة
المبرمجة
ستتعطل أو
تتوقف عن
العمل. وبمعنى
آخر: بعض هذه
الأجهزة
ستُضرب عن
العمل،
وبعضها سيعمل (على
مزاجه) وبعض
آخر سيستمر في
العمل بنشاط،
ولكنه سيعطي
معلومات
خاطئة، ولا
يسلم منها إلا
ما يتم علاج
علته (الألفية)
قبل بدء
الألفية.
والمشكلة هنا
ليست في تعطل
الأجهزة كلها
أو بعضها،
ولكن المشكلة
فيما سيترتب
على تعطلها من
أخطار تتمثل
في الانقطاع
أو الانهيار
الذي يمكن أن
يصيب قطاعات
حيوية عديدة
مثل
الاتصالات
والمواصلات
ومراكز المال
والمرافق
الطبية
والصناعية
وغيرها،
والأخطر من
ذلك مجالات
استخدام
الأسلحة
والدفاع
والطيران
ونظم البيئة.
أبعاد
المشكلة:
أولاً: البعد
الزمني: هذه
المشكلة ليست
متعلقة فقط
بمطلع العام 2000م،
بل يتوقع
الخبراء أن
تستمر لأشهر
أو سنوات بعد
يناير 2000م.
البعد
المكاني:
يتوقع أن تأخذ
المشكلة
بُعداً
دولياً؛ فهي
لن تقتصر على
دولة أو
دولتين أو
قارة أو
قارتين، بل
يتوقع أن تفرض
نفسها على
القارات
الخمس والدول
جميعها، وقد
وصلت الأزمة
في مستواها
الدولي إلى حد
تَدخُّل
الأمم
المتحدة التي
عقدت في عام 1998م
أول مؤتمر
دولي للتصدي
لمشكلة 2000م،
وأصدر
المؤتمر الذي
ضم مندوبين عن
أكثر من 130 دولة
قراراً يهيب
بدول العالم
أن تعمل بصفة
عاجلة على
مضاعفة
الجهود
لمعالجة
المشكلة،
ويدعو إلى
مزيد من
التعاون
الدولي في هذا
المجال، ومع
هذا الاهتمام
الاستثنائي
من الأمم
المتحدة
بمشكلة من ذلك
النوع، فإن
بعض الخبراء
يتهمونها
بالإهمال؛
لأن اهتمامها
بالمشكلة جاء
متأخراً، وأن
ما جاء به
مؤتمرها من
توصيات لا
يكفي لتدارك
الخطر الذي
سيحيق ببلدان
العالم عندما
يحل عام 2000م.
البعد
الاقتصادي:
جاء في دراسة
تحليلية
أعدها المعهد
الدولي
للدراسات
الاستراتيجية
في لندن،
ونشرتها
الصحف في 27-1-1999م،
أن المشكلات
الاقتصادية
والفنية
المترتبة على
العلة
الألفية لن
تتوقف عند حد
بدء الألفية
الثالثة، بل
يتوقع أن
تزداد في
الأشهر بل
السنوات التي
تعقب يناير 2000م،
وذكرت
الدراسة أن
العديد من
المشكلات
المنتظرة لا
يمكن التنبؤ
بجوانبها
وأبعادها،
وأن جهود
المؤسسات
والشركات في
محاربتها قد
تكون بلا
طائل، وحذرت
من أن الأزمة
قد تؤدي إلى
ركود اقتصادي
عالمي. وقدرت
بعض المصادر
التكلفة
العالمية
الإجمالية
لعلاج
المشكلة بنحو
655 مليار دولار.
وفي تطور يمثل
انعكاساً
لقلق بالغ،
عقدت في مقر
أمانة صندوق
النقد الدولي
ندوة عالمية
في منتصف
إبريل 1999م،
شارك فيها
خبراء من
البنك
الدولي،
وتحدثوا عن
مشكلة 2000م
وآثارها
الاقتصادية
المتوقعة،
وجاءت توصيات
الندوة
بمثابة (صدمة)
لجمهور
الحاضرين؛
حيث انتهت إلى
الحقائق
الآتية:
\ معضلة القرن
هي أكبر بكثير
مما يتصوره
المهتمون
والمتابعون
فضلاً عن
غيرهم.
\ الاستعدادات
الدولية حتى
الآن - بما في
ذلك الدول
المتقدمة - أقل
بكثير مما
يعلن عنه.
\ الدول التي
لديها القدرة
على وضع حلول
جذرية
للمشكلة هي
فقط الدول
المتقدمة
الغنية.
\ الدول
النامية
والفقيرة هي
أكثر عرضة
لأخطار
الأزمة.
\ القطاعات
التي ستتأثر
أكثر بالأزمة
هي قطاعات
النفط والغاز
والاتصالات
والمواصلات
والنظم
المصرفية
والمالية
وقطاعات
الكهرباء
والماء.
\ بعض القطاعات
قد تنجح بشكل
جزئي في حل
المشكلة في
الدول
النامية،
ولكن هذا
النجاح قد
يعطله
الإخفاق في
القطاع نفسه
في مكان آخر؛
لأن القطاعات
تعمل بشكل
متكامل،
والخلل في
بعضها سيؤثر
حتماً في
البعض الآخر {جريدة
الخليج، 1-5-1999م}.
وكانت
أصداء الأزمة
قد وصلت إلى
مستوى القمة
الاقتصادية
للدول
الصناعية
الكبرى (قمة
الثمانية)
التي عقدت في
شهر مايو 1998م؛
حيث أصدرت
القمة
تحذيراً في
بيانها
الختامي ينبه
إلى أن أزمة
اقتصادية
عالمية قد تقع
بسبب معضلة
القرن. وصدر
تحذير مشابه
عن المنتدى
الاقتصادي
العالمي في
دافوس
والمنعقد في
فبراير 1999م.
ولا يعني سبق
الولايات
المتحدة في
الاهتمام
بعلاج
المشكلة أنها
لن تتجرع
مرارة
الأزمة، بل
على العكس من
ذلك؛ فإن
المؤشرات
القادمة من
هناك تدل على
فواجع
اقتصادية
كارثية
سيتحملها
الاقتصاد
الأمريكي من
جراء الأزمة.
فسينفقونها..
قدر المختصون
في الولايات
المتحدة
المبالغ التي
ستصرفها
المؤسسات
الأمريكية
لجعل أنظمتها
جاهزة
لمواجهة
مشكلة
الألفية
بأكثر من 276
مليار دولار
أمريكي مما
جعل مشكلة 2000م
من أعقد
المشاكل
وأكثرها كلفة
فيما يتوقع،
ومع هذا فإنها
إذا لم تعالج
في الوقت
المحدد - أي
قبل 1-1-2000م، فإن
الخسائر
ستكون أفدح في
الأموال،
وربما
الأرواح. {جريدة
الشرق
الأوسط، 11-5-1999م}.
ومما يزيد من
قلق
الأمريكيين
من الآثار
المتوقعة
لهذه
المشكلة، أن
الأخبار
المنشورة تدل
على أنه
بالرغم من
الاهتمام
البالغ من
الحكومة
الأمريكية
بالاستعدادات
لمواجهة
المشكلة، إلا
أن كبريات
الشركات
الأمريكية
تتأخر في
مواعيدها
لإصلاح علة
القرن؛ فقد
ذكرت صحيفة
نيويورك
تايمز في (19-5-1999م)
أن الكثير من
هذه الشركات
الكبرى لا
تكفيها
المخصصات
المالية
المقدمة
لعلاج
المشكلة، حتى
إن نسبة 22% منها
لن تكون جاهزة
عندما تدق
الساعة معلنة
بداية عام 2000م،
وذكرت
الصحيفة أن
نحو 72% من
الشركات
جابهت مشاكل
فعلية في
إخفاق
أجهزتها لدى
اختبارها
لمواجهة
المشكلة، وفي
استطلاع
أُجري لأخذ
آراء الخبراء
فيما يتعلق
بالمشكلة
ذكرت الصحيفة
أن 15% يرون أن
المخصصات
المالية
لعلاج
المشكلة لن
تكفي، بل سوف
تزداد، بينما
رجح نحو 92% أن
مواعيد علاج
المشكلة سوف
تتأخر عن
الموعد
المطلوب، كما
كشف مكتب
المحاسبة
العامة في
الحكومة
الأمريكية
أمام إحدى
لجان
الكونجرس أن 24
وزارة ووكالة
رئيسة وحيوية
في الحكومة
الفيدرالية
لم تنته بعدُ
من علاج
المشكلة،
وأنها متأخرة
مدة عام عن
الموعد
النهائي
المحدد لها،
وانتقد مكتب
المحاسبة
وزارة الدفاع (البنتاجون)
لتلكئها في
معالجة
المشكلة،
مشيراً إلى
أنها قد تواجه
مشاكل كبيرة. {جريدة
الشرق
الأوسط، 11-5-1999م}.
ولكن الجائحة
الكبرى
المتوقعة في
المجال
الاقتصادي
الأمريكي هي
ما أشارت إليه
صحيفة الخليج
{2 مايو 1999م}، بأن
الكونجرس
ناقش مشروعاً
بتحميل شركات
الحاسب الآلي
تبعة الإخفاق
الذي يمكن أن
يحدث في أنظمة
الحواسيب؛
حيث أشارت
الدراسات إلى
أن تكلفة
المنازعات
القضائية
المالية من
جراء مشكلة
الكمبيوتر قد
تصل إلى
تريليون
دولار (ألف
مليار دولار)
وذكرت
الصحيفة أن
رئيس مجلس
إدارة
الاحتياطي
المالي
الفيدرالي في
الحكومة
الأمريكية (آلان
جرنيسبان) طلب
من الحكومة
توفير مبلغ 50
مليار دولار
من العمولات
الجديدة قبل
عام 2000م لوضعها
تحت بند
الطوارئ
للتداول إذا
حدث هلع عند
الناس قد
يتسبب في
تأثير سلبي
على السيولة
المصرفية،
ولم يستبعد أن
تحدث عملية (تفريغ)
للأرصدة من
البنوك التي
ستكون في بؤرة
المشكلة
الألفية!
بعد 1999م ... (حرب
بلا نصر)؟!
عندما ألف
الرئيس
الأمريكي
الأسبق (ريتشارد
نيكسون) كتابه
الموسوم بـ (1999م ..
نصر بلا حرب)
كان يتكهن فيه
بأن الولايات
المتحدة
ستحرز نصراً
حاسماً على
خصومها
الرئيسيين
دون أن تطلق
رصاصة واحدة،
وقد حدث ما
يشبه هذا
بانتهاء
الحرب
الباردة التي
انتهت بسقوط
الاتحاد
السوفييتي،
واليوم تعيش
الولايات
المتحدة
والعالم
وضعاً
معاكساً؛
فإذا صحت كل
الأنباء
المتواردة عن
الانعكاسات
المتوقعة
لأزمة 2000م، فإن
العالم سيكون
في مواجهة حرب
غير معهودة؛
لأنها غير
مقصودة، إنها (حرب
بلا نصر) فلا
منتصر فيها؛
لأن الإنسان
فيها يحارب
نفسه، والدول
تخوض حرباً في
داخلها؛ إنها
حرب اللاعدو
ضد اللاعدو،
بين العقل
الإنساني -
الإلهي في
خلقته - والعقل
الآلي البشري
في صنعته.
أقول: لو صحت
كل التقارير
المتناثرة
هنا وهناك،
فإننا سنكون
أمام أعجب حرب
في تاريخ
البشر؛ فقد
حذرت وكالة
الاستخبارات
الأمريكية (سي.
آي. إيه) من
تقرير أوردته
الصحف
الأمريكية في
(25-2-1999م) من
التضاعفات
المحتملة
لأزمة
الكمبيوتر في
عام 2000م، ولفتت
الانتباه إلى
أن تلك
المشكلة قد
تسبب
اضطرابات
داخل
الولايات
المتحدة
وخارجها،
وتعطل بعض
المفاعلات
النووية
وأنظمة
الأسلحة
النووية
الاستراتيجية
وشبكات
الاتصال
ومحطات توليد
الطاقة
وعمليات شحن
النفط.
وذكرت صحيفة
الشرق الأوسط
في (27-2-1999م) أن
اللواء (جون
جوردن) نائب
رئيس وكالة
الاستخبارات
الأمريكية
نبه أمام لجنة
القوات
المسلحة في
مجلس الشيوخ
الأمريكي إلى
أنه من
المتعذر جداً
تقدير حجم
الخسائر التي
قد تترتب على
هذه المشكلة
بالنسبة
للبلدان
الأجنبية،
خاصة روسيا
التي تأخرت
كثيراً في
معالجة
الأزمة، وحذر
المسؤول
الأمريكي من
الخطر الذي
تمثله
الأجهزة التي
تشرف على
عمليات إطلاق
الصواريخ
الاستراتيجية
العابرة
للقارات من
ناحية كفاءة
معدات
السيطرة إذا
تدنت
حرارتها، أو
ظهرت أعطال في
أنظمة
الإنذار
المبكر، مما
يعني توجيه
معلومات
وإرشادات
خاطئة، وقال
اللواء (جوردن):
إن العالم
النامي يواجه
أهم معضلات
المشكلة،
والبلدان
النامية
ستكون عرضة
للعديد من
الأخطار التي
لا يمكن
التكهن بها
حالياً، وقال
أيضاً: إن
الولايات
المتحدة
نفسها لن تنجو
من الخطر في
عديد من
القطاعات.
وقد انعقدت
قمة عالمية في
العاصمة
الفلالينية (مانيلا)
حول المشكلة
في أول مارس 1999م،
وأعرب (جون
كوشينين) رئيس
اللجنة
الرئاسية
الأمريكية(1)
حول مشكلة 2000م
عن القلق من
الخلل
المتعدد
الأوجه الذي
قد يصيب أجهزة
الإنذار مثل
تعطل الشاشات
والرادارات،
وذكرت صحيفة
الشرق الأوسط
في (3-3-1999م) أن
القمة ناقشت
الإجراءات
التي يمكن
اتخاذها
لتلافي
الارتباكات
التي يمكن أن
يقع فيها
العاملون في
أجهزة الدفاع
في الدول
المختلفة،
ونسبت صحيفة
الحياة في (3
مارس 1999م) إلى
أحد
المتحدثين في
المؤتمر قوله:
"إن الصواريخ
لن تنطلق دون
تدخل بشري،
ولكن مصدر
القلق الرئيس
هو الخلل
المتعدد
الأوجه الذي
قد يصيب أجهزة
الإنذار، مثل
تعطل شاشات
الرادار، وهو
الأمر الذي قد
يحدث
ارتباكاً
وفوضى"!
ونظراً لأن
المجال
النووي هو
أخطر
المجالات
التي يمكن أن
تعكس آثاراً
كارثية إذا
تأثرت بالعلة
الألفية، فإن
الرابطة
الدولية
للنشاط
النووي ركزت
اهتمامها
بمتابعة
التفاعلات
المتوقعة من
جراء الأزمة
تخوفاً من
التأثيرات
الخطرة على
أنظمة
الإنذار
المبكر في
مناطق التوتر
والنزاع،
وقال مسؤولون
فيها: إنه حتى
لو تم التوصل
إلى حل فني،
فإن أصغر خطأ
أو إخفاق يمكن
أن يتسبب في
اندفاع
وتزاحم قد
يؤدي إلى خطأ
في الحسابات
في مناطق غاية
في الحساسية
مثل البلقان
والشرق
الأوسط وجنوب
آسيا. {جريدة
الشرق
الأوسط، 27-1-1999م}.
وقد اجتمع في
شيكاغو أكثر
من عشرة آلاف
من المهتمين
والزائرين
والخبراء
وأصحاب
الشركات
المصنعة
للحاسوبات في
أكبر مؤتمر من
نوعه في
العالم
لمناقشة سبل
تأمين
الشبكات
الالكترونية
من بقة 2000م
ومواجهة
الأخطار التي
تهدد العالم
بسببها. {جريدة
الخليج، 23-5-1999م}.
ولأجل هذا
كله، فقد بدأت
الحكومة
الأمريكية ما
يشبه
المناورات
الحية،
لمحاربة حشرة
2000م، فقد نشرت
دورية (سالت
ليك تربيون)
الأمريكية في
15 مايو 1999م، أن
سلاح الجو
الأمريكي
أقام معسكراً
قرب مطار
ديندوفر على
قطعة أرض
بولاية
يوتاه، وفرضت
عليه حراسة
مشددة بغرض
استخدامه في
اختبارات
الطائرات
وأجهزة
الرادار
والأسلحة
تحسباً
لتفاعلات علة
القرن، وذكرت
الصحيفة أن
أفراد طاقم
سلاح الجو
داخل المعسكر
يحرصون
يومياً على
القيام
بتعطيل أجهزة
الرادار
والأقمار
الصناعية
والميكرويف
التي يمكنها
متابعة
الصواريخ
الفتاكة التي
يتم إسقاطها
قرب المعسكر
في عمليات
مستمرة
للتدريب على
التعامل مع
ظروف مختلفة
تفرضها العلة
الألفية،
وتشارك في هذه
المناورات
طائرات إف 16
وإف 15.
ومن الواضح أن
المخاوف
الأمريكية من
تأثيرات
العلة
الألفية
تتجاوز
حدودها
الداخلية، بل
إن مخاوفها من
الأضرار
الخارجية
المتوقعة
أكثر من
المخاوف
الداخلية،
وقد نقلت
صحيفة الشرق
الأوسط (23-3-1999)، عن
بعض الصحف
الأمريكية أن
الولايات
المتحدة
تراقب بقلق ما
يمكن أن يحدث
في العالم
بسبب أزمة
الكمبيوتر
عام 2000م، وذلك
في ضوء
التقارير
التي ترسم
صورة قاتمة
للأوضاع في
بعض الدول
الهامة بما
فيها روسيا
والصين وبعض
الدول
المصدرة
للبترول، وما
سيكون لذلك من
تضاعفات
دولية، وتشكل
روسيا مصدر
قلق خاص على
الأصعدة
الاقتصادية
والعسكرية؛
إذ تخشى
واشنطن من أن
تؤدي أزمة
الكمبيوتر في
نهاية
الألفية
الثانية إلى
تشويش
الأجهزة التي
تتحكم بأنظمة
الأسلحة
النووية أو
إلى حصول
أخطاء
وارتباكات في
سير أجهزة
التحكم
والتوجيه مما
يمكن أن يشكل
خطورة كبيرة.
وماذا بعد..؟!
تقارير أخرى
تشير إلى أن
هناك مخاوف لا
تقل خطورة عن
الصواريخ
البالستية
والرؤوس
النووية، وقد
حذر منها
خبراء
أمريكيون
أيضاً كما
ذكرت ذلك
صحيفة الخليج
في (28-2-1999م)؛ حيث
نسبت لبعض
الخبراء
قولهم: إن
المخاوف من
اختلال عمل
أجهزة
الكمبيوتر
عام 2000م يمكن أن
يعطل أنظمة
مراقبة تلوث
المياه
والهواء،
وهذا ما أوضحه
على وجه
الخصوص (ألفريد
ليف) المتحدث
باسم الوكالة
الأمريكية
لحماية
البيئة خلال
مؤتمر نظمه
مجلس البيئة
في
كاليفورنيا؛
حيث قال: "إن
تكنولوجيا
الكمبيوتر من
المكونات
الأساسية
لحماية
البيئة،
والمشكلة
التي تواجهها
الأجهزة عام 2000م،
قد تكون لها
انعكاسات
مدمرة على
البيئة، مثل
التسبب في
حدوث تلوث
عرضي في مياه
الشرب أو تسرب
ملوثات سامة"!
وعقد مؤتمر
بعنوان: (مشكلة
السنة 2000م) في
أبو ظبي في 4-5-1999م
شارك فيه
العديد من
خبراء
المعلوماتية،
وتوصلوا إلى
أنه لا يوجد حل
جذري
للمشكلة،
خاصة في قطاع
النفط،
وتوقعوا أن
يؤدي عدم
التوصل إلى
حلول إلى حدوث
اضطرابات في
ذلك القطاع
يترتب عليه
حدوث نقص في
إمدادات
النفط. {جريدة
الحياة، 6-5-1999م}.
والشعوب .. إلى
أين الهروب؟!
بالرغم من أن
الشعوب في
بلادنا
العربية
والإسلامية
تبدو غير
مهتمة
بمضاعفات حمى
سنة 2000م
وأعراضها
المختلفة،
إلا أنه، وعلى
العكس من ذلك؛
فإن الشعوب
الغربية تبدو
في حالة قلق
بالغ يتجاوز
حد الاهتمام
إلى
الاغتمام؛
فحياة
الإنسان
الغربي في
بلاد الغرب -
كما هو معلوم -
لا تقدر بثمن،
في حين أن حياة
أي إنسان آخر
غير غربي ليس
لها عندهم أي
ثمن، ولهذا
فإن الأخبار
الواردة من
الولايات
المتحدة على
وجه الخصوص
تعكس بوادر
مبكرة من
حالات الهلع
والفزع
والجزع مما
يمكن أن تتسبب
فيه حشرة 2000م من
أذى ينال صميم
حياة المواطن
العادي،
ونظراً لأن
تقنية
الإعلام
والمعلومات
هناك متقدمة
للغاية - بخلاف
البلاد
النامية - فإن
أثر ذلك يظهر
في تفاعل
الناس مع أي
ظواهر جديدة،
خاصة إذا كان
لها تعلق
بالمصالح
والحياة
الخاصة، وفي
نبأ لوكالة
رويتر نشرته
الصحف في 6-3-1999م،
قالت الحكومة
الأمريكية
إنها وضعت
خططاً طارئة
للأمريكيين
المقيمين أو
المسافرين
إلى الخارج في
مستهل
الألفية
الجديدة
لمواجهة أي
خلل واسع
النطاق قد
يحدث في أداء
أجهزة
الكمبيوتر،
وأشارت وزارة
الخارجية
الأمريكية
إلى أنها تتخذ
منذ مدة خطوات
للتجهيز
للمواجهة
الخارجية
للمشكلة
لحماية
المواطنين
الأمريكيين
في الخارج،
منها أنها
طلبت من جميع
السفارات
الأمريكية
تخزين
إمدادات تكفي
لمدة 30 يوماً
تحسباً لأي
عزلة قد تتعرض
لها، وأضاف
مسؤول
الخارجية: "إن
الذعر من
مشكلة
الألفية
الثالثة قد
يدفع
المستثمرين
لسحب
الأموال،
فتنعدم الثقة
في البنية
الأساسية
لبعض البلاد
مما قد يدفع
الشركات
العالمية
لإغلاق
عملياتها"
وتابع: "كل هذا
قد يسبب
انهياراً لأي
اقتصاد هش، أو
لأي حكومة
تعاني صراعاً
داخلياً".
وفي خبر آخر
أوردته صحيفة
الحياة في (6-3-1999م)
أن لجنة من
مجلس الشيوخ
الأمريكي
تختص
بالتعامل مع
مشكلة
الألفية
الثالثة،
نصحت وزارة
الخارجية
الأمريكية أن
توجه تحذيراً
للأمريكيين
من السفر
للخارج إذا
تدهورت
الأحوال في
دول معينة،
أما إذا ظهرت
مشاكل أكثرة
حدة، فإن
وزارة
الخارجية يجب
أن تحث
الأمريكيين
على العودة
لبلادهم"!
وقد ظهرت من
الآن آثار
التجاوب مع
تلك النذر؛
فقد نشرت
الصحف أن توقع
حدوث مشاكل
وحالات من
الفوضى في
الولايات
المتحدة بسبب
مشكلة القرن،
دفع قيادات
الحرس الوطني
الأمريكي في
العديد من
الولايات إلى
بدء تدريبات
خاصة لمجابهة
الطوارئ التي
يمكن أن تنجم
عن انهيار بعض
النظم
الكمبيوترية
في مطلع العام
2000م، وذكرت
صحيفة الشرق
الأوسط تحت
عنوان: (الولايات
المتحدة لن
تفلت من أزمة
عام 2000م) أن
جموعاً من
الأمريكيين
بدؤوا يخزنون
الأغذية
والمعلبات
والأدوية
والمواد
الحيوية
تحسباً لأي
طارئ، كما أن
هناك من أخذوا
يسحبون
أموالهم من
البنوك خشية
أن تتوقف
أجهزتها عن
العمل في مطلع
العام المقبل.
ومثل تلك
الأخبار
القليلة
المنشورة عن
التحسبات
الوجلة من
مقدم
الألفية،
تُشعر بأن
هناك نوعاً
مَّا من
التكتم أو على
الأقل
اللامبالاة
أو التعمية
على تفاصيل
الأزمة
المنتظرة
وخلفياتها -
على الأقل في
وسائل
الإعلام
العربية -
وإلا، فكيف
يمكن لأزمة
بهذا الحجم
العالمي - ولو
كانت توقعات -
ألاَّ تأخذ
حيزاً بارزاً
في اهتمامات
الإعلام
المسموع
والمشاهد
والمقروء؟!
خصوصاً أن كل
التوقعات
تشير إلى أن
البلاد
النامية سوف
تكون في مقدمة
الدول
المتضررة من
علة القرن!
إن الاهتمام
فقط ينصبُّ -
بشكل جزئي -
على حسابات
البنوك
وميزانيات
الشركات ونحو
ذلك مما ينشر
في الزوايا
الاقتصادية،
وهو ما أوجد
اهتماماً
هامشياً
بالمشكلة، أو
لم يوجِد
اهتماماً على
الإطلاق! وبعض
الناس يظن
أنها مجرد
مشكلة فنية
تقنية تهم
شركات
الكمبيوتر
فحسب، ونظراً
لأن تقنية
الحاسب الآلي
لا تزال حديثة
في بلادنا
العربية
والإسلامية،
فإن الشريحة
المهتمة بها
لا تزال
محدودة، ولكن
ما حدث في
السنوات
والشهور
القليلة
الماضية حول
ظاهرة (الفيروسات)
بدأت تعطي
انطباعاً بأن
الكمبيوتر
يمكن أن يكون
ميداناً لحرب
أشبه بحروب
الأشباح، مع
فارق أن
خسائرها
حقيقية.
وبرغم
الاختلاف في
طبيعة مشكلة
الفيروسات عن
مشكلة العام 2000م،
إلا أن مشكلة
الفيروسات
هذه تعطي
مؤشراً عن
الأخطار
المضاعفة
لسوء استغلال
تقنية الحاسب
الآلي.
فيروس
تشرنوبيل ...
نموذج مصغر:
فيروس CHI المعروف بـ (تشرنوبيل)
ظهر لأول مرة
في شهر يونيو 1998م
في جنوب شرق
آسيا، ليبدأ
نشاطه في 26 من
الشهر نفسه،
ثم تم إصدار
نماذج أخرى
منه لتعمل في
أوقات مختلفة
بعضها في 26 من
كل شهر
ميلادي،
وبعضها ينشط
في 26 من إبريل
من كل عام.
والفيروس كان
قد تم تفعيله
في الذكرى
الثالثة عشرة
لكارثة
المحطة
النووية
الأوكرانية
في الاتحاد
السوفييتي
السابق في 26 من
إبريل عام 1986م،
وهو يصيب
البرامج
بسرعة ويؤدي
إلى محو مضمون
القرص الصلب
والقرص
المدمج في
الكمبيوتر،
وقد سجل فيروس
تشرنوبيل في
شهر إبريل من
عام 1999م خسائر
فادحة في
أجهزة
الكمبيوتر
المستعملة في
الدوائر
الحكومية
والقطاعات
الحيوية
والأجهزة
الشخصية على
مستوى
العالم؛ فقد
بلغ عدد
الأجهزة
المصابة في كل
من أوروبا
وروسيا 300 ألف
جهاز، فيما
تجاوز العدد
المليون من
الأجهزة في
الولايات
المتحدة
الأمريكية،
وتأثرت
قطاعات عديد
من دول العالم
الثالث، وأول
الدول التي
أُعلن عن
الأضرار
الجسيمة فيها (بنجلاديش)
وتأثرت
قطاعات
متعددة في
العالم
العربي ودول
الخليج
بالفيروس
المفترس،
ولكن الأحجام
الحقيقية
للأضرار لم
تعلن لأنه لا
توجد إحصاءات
دقيقة متعلقة
بها، إضافة
إلى أن هناك
جهات كثيرة
متضررة - خاصة
في المجال
التجاري
والاستثماري -
امتنعت عن
الإعلان عن
الأضرار التي
لحقت بها خشية
أن تصاب
بأضرار أشد من
جراء تأثر
سمعتها
تجارياً
ومالياً
بالحديث في
مثل تلك
الأمور.
لقد أصبحت
الفيروسات (الالكترونية)
أشبه ما تكون
الآن
بالفيروسات (البيولوجية)
ولسوء الحظ
فإن حرب
الفيروسات -
التي بدأت
الآن - لا تقل
في آثارها
التدميرية عن
الحروب
البيولوجية
التي لم تنتشر
بعد على نطاق
واسع، وإذا
كانت
الفيروسات
البيولوجية ـ
كما هو معروف ـ
يمكن أن يشنها
فرد أو مجموعة
أفراد ضد دولة
بأكملها، فإن
حرب
الفيروسات
الإلكترونية
يمكن أيضاً أن
يشنها فرد أو
مجموعة قليلة
من الأفراد،
وهذا ما حدث
للآن فيما
يتعلق بفيروس
تشرنوبيل
الذي يقال إن
وراءه شخصاً
واحداً في
مكان واحد من
العالم(1).
ولكن قد يقال:
ما علاقة مجمل
ما ذكر في هذه
الحلقة،
بمجمل ما ذكر
في الحلقات
السابقة عن
الخلفيات
الدينية
العقدية
للأعراض
المختلفة
لحمى سنة 2000م؟!
والجواب: ليست
هناك علاقة
مباشرة من
الناحية
الدينية
الاعتقادية؛
فعارض مشكلة
الكمبيوتر
لعام 2000م لا
يربطها
بعقائد
اليهود
والنصارى
رابط معين؛
لأنها ظاهرة
معلوماتية
وليست عقدية،
ومع ذلك
فالمتوقع أن
يتخذ
العقائديون
منها ذريعة
لزرع المزيد
من نباتات
الأساطير
الدينية التي
تنتج في الغرب
الآن أشجاراً
من الخرافة
يمكن أن تناطح
السحاب
طولاً،
ولكنها في ضوء
الحق
والحقيقة
مثل
كلمة خبيثة
كشجرة خبيثة
اجتثت من فوق
الأرض ما لها
من قرار
{إبراهيم:
26}.
نعم!
فالعقائديون
الأصوليون،
وخاصة طوائف
البروتستانت
المتعصبين
يتبنون في
أدبياتهم
المعلنة
مقولات تدل
على إيمانهم
بأن المسيح
المنتظر لن
يأتي إلا بعد
فترة من
الأزمات
المتواصلة،
والكوارث
المتتابعة
والانهيار
الاقتصادي -
إضافة إلى
الحروب
التقليدية
والنووية،
ولما كانوا
يتصايحون
الآن في كل
المنتديات
بأننا نعيش
الأيام
الأخيرة قبل
قدوم المسيح؛
فما الذي
يمنعهم من أن
يصبغوا تلك
الاضطرابات
المتوقعة
بصبغة دينية،
لا على أنها
يمكن أن تكون
عقوبات إلهية
لردع التمرد
البشري، ولكن
على أنها (آلام
المخاض) الذي
يسبق ميلاد
العصر
الجديد، عصر
الخلاص؟!
تقول الكاتبة
الأمريكية (جريسي
هالسل): "إن
رجالاً من
أمثال جيري
فالويل، وهول
ليندسي وبات
روبتسون
وغيرهم من
قادة اليمين
المسيحي،
يعتقدون أن
الكتاب
المقدس يتنبأ
بالعودة
الحتمية
للمسيح بعد
مرحلة من
الحروب
النووية
والكوارث
الطبيعية
والانهيار
الاقتصادي
والفوضى
الاجتماعية،
إنهم يعتقدون
أن هذه
الأحداث يجب
أن تقع قبل
العودة
الثانية، كما
يعتقدون أنها
مسجلة بوضوح
في الكتاب
المقدس"(1).
فالبشرية - حسب
معتقدهم في
الغرب - يجب أن
يموج بعضها في
بعض في الأيام
الأخيرة، ولا
بد أن تعم
أنواع من
الفوضى قبل
قدوم المسيح.
وفي الغرب
الآن حركة (تبشير)
واسعة النطاق
بهذه الفوضى
الألفية
المتوقعة،
بعضها يأخذ
الشكل الديني
الوعظي،
وبعضها يأخذ
الشكل
الفلسفي
التأملي،
والبعض الآخر
يأخذ الشكل
السياسي أو
الاجتماعي
التحليلي.
يقول (زيغنيو
بريجنسكي)(2) في
كتابه: (الفوضى...
الاضطراب
العالمي عند
مشارف القرن
الحادي
والعشرين)(3): "لن
يكون الخطر
القادم عشية
القرن الحادي
والعشرين
ناجماً عن
تطور الوعي
السياسي على
الصعيد
العالمي، بل
من حقيقة أن
الجماهير
الناشطة
سياسياً خارج
المجتمعات
الديمقراطية،
لم تزل تعيش
مرحلة أولية
من الوعي
المتميز
بهوية ذاتية
ضيقة قائمة
على درجة
عالية من
المبالغة
العرقية، هذا
القول يعني أن
المزاج العام
سيظهر في
الغالب من
خلال أفكار
بدائية
تستجيب
للنداءات
العصبية
السياسية
منها
والدينية"!
والفوضى
التي يتحدث
عنها
بريجنسكي
ليست وقفاً
على
المجتمعات (غير
الديمقراطية)
كما يقول؛ بل
لا يستبعد أن
تنبعث أساساً
من المجتمعات
الديمقراطية
جداً فبقدر ما
يوزع
الغربيون
توقعاتهم
السوداوية
على أنحاء
الكرة
الأرضية مع
مقدم الألفية
الثالثة، على
قدر ما يخفقون
في إخفاء
المخاوف من
نشوء
الاضطرابات
والفوضى
الداخلية في
مجتمعاتهم؛
ففي جلسة
استماع في
الكونجرس
الأمريكي في 4-2-1999م،
حذر (لويس فريه)
المدير العام
لمكتب
التحقيقات
الفيدرالي
الأمريكي من
أن المتطرفين
الإنجيليين
وأعضاء
الجماعات
الدينية
والرؤيوية(1)
قد يتحولون
إلى العنف مع
حلول القرن
الحادي
والعشرين،
وبعد أن حذر من
تنامي الخطر
الإسلامي على
الولايات
المتحدة من
الخارج قال: "يجب
ألا نتجاهل
التهديد من
المتطرفين
الإنجيليين
داخل أمريكا،
خصوصاً مع
مقدم الألفية
الثالثة"
وتابع يقول: "إن
احتمال حدوث
أعمال عنف من
جماعات محلية
وارد؛ فمع
قدوم عام 2000م،
قد تجنح هذه
الجماعات إلى
العنف بهدف
افتعال أحداث
مثيرة
تستغلها
لتحقيق
النبوءات
التي تؤمن بها".
وقد تكون علة
القرن
تعليلاً لبعض
التشنجات
التي يمكن أن
يعايشها
الألفيون
استغلالاً
للفوضى
المتوقعة أو
إنتاجاً
للمزيد منها؛
فقد حذر بعض
المهتمين
بعلة الألفية (الخليج،
23-5-1999م) من أن بعض
المغامرين
يمكن أن
يستغلوا
بتعمد وسبق
إصرار
الارتباك
المتوقع
حدوثه ابتداء
من 1-1-2000م بغية
الوصول إلى
مواقع
الأسرار ذات
الشأن في
مراكز
الأبحاث
والمؤسسات
العسكرية
لبعض الدول،
أو بغرض
التحايل على
البنوك أو
محاولة
الاستيلاء
على أموال
الشركات، وقد
أذيع بالفعل
منذ مدة خبر
اختراق أحد
المراهقين
لمراكز
المعلومات
داخل وزارة
الدفاع
الأمريكية (البنتاجون)!
أم النبوءات:
ما هي هذه
النبوءات
التي من أجلها
يستسيغ هؤلاء
أخبار شقاء
العالم بل قد
يتلذذون بها؟
إنها بعض ما
أشرت إليه في
الحلقات
السابقة؛
ولكن فوق كل
هذه النبوءات
النبوءة
الكبرى عن
عودة المسيح
التي عاش
النصارى ألفي
عام مشتاقين
إليها، وظلوا
خلال ذلك
يتلون نصوصاً
من الإنجيل
تُرسِّخ في
قلوبهم
انتظارها
وانتظار
أيامها
بحلوها ومرها.
يقول القس (روبر
كليمان) في
كتابه: (إيماننا
الحي) ، ص 527: "عند
مجيء المسيح
تتزعزع
الخليقة
كلها،
وَسَيَدُلُّ
مجيئه على
انتهاء الزمن
القديم،
وتظهر بداية
الزمن
الجديد؛ حيث
يشمل الخليقة
كلها ببركته،
ولذلك سُمي
هذا اليوم
الأخير: يوم
المسيح، أي
يوم مجيء الرب
وحضوره"!
فللنصارى
مسيح
ينتظرونه
قريباً... كما
أن لليهود
مسيحهم
المنتظر منذ
أمد بعيد، وكل
من هؤلاء
وأولئك
يهيئون
العالم الآن -
في زعمهم -
لمخرج المسيح
الذي يؤمنون
به، فمن هو هذا
المسيح
المنتظر عند
الأمتين
الضالتين؟
وما هي (أمُّ
النبوءات)
المتعلقة
بمجيئه عند كل
منهما؟
وهل سيأتيان
ويجيئان؟ وهل
نحن نعيش
بالفعل
مقدمات ذلك
الخروج؟!
هذا ما سنعرض
له في حديث
مفصل في لقاء
قادم - بإذن
الله تعالى -.